الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٧٥ - الخميس ٩ فبراير ٢٠١٢ م، الموافق ١٧ ربيع الأول ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


حين يكون الحل «صناعة بحرينية ١٠٠%»





تبدو الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى إلى وضع خريطة طريق ترسم بأيد وعقول بحرينية لحل الأزمة البحرينية المتصاعدة التي لا ينبغي أن يحول عليها الحول من دون حل، ويجب ألا نصل إلى ١٤ فبراير ٢٠١٢ من دون حل حقيقي يجنب العباد والبلاد مضاعفات أكبر وأمر مما مضى يصعب حلها كلما تقدم الزمن، بيد أن هذه الخريطة لا ينبغي رسمها خارج البحرين بحال من الأحوال، فحل الأزمة البحرينية يجب أن يكون «صناعة بحرينية ١٠٠%» كذلك، وينبغي أن يصنع الحل داخل «البيت البحريني» بحضور أفراده كافة، نقول ذلك للذين حفيت أرجلهم وهم يهرولون إلى تدويل الأزمة المحلية ويستجدون الحل من الخارج، وهم ما فتئوا يطلبون «تدخلا أجنبيا» في البحرين رغم أن إعلان الاستقلال مضى عليه أربعة عقود من الزمان (في عام ١٩٧١ من القرن الماضي)، وقد بحت أصواتهم في القنوات الفضائية التي بدت كأنها متخصصة في الشأن البحريني فقط وصاروا يظهرون فيها أكثر من مذيعيها، وعبرها يستقوون كل يوم بالخارج على الداخل عالمين أو غافلين عما يأخذون البلد إليه من شرور مقيمة تفوق ما نحن فيه اليوم من سوء بأضعاف مضاعفة، يفعلون ذلك من دون اكتراث بمستقبل البحرين ومستقبل أبنائنا وبناتنا.

ولا أظنني انتقص من شأن أي دولة أو أحد حين أؤكد استقلال بلدي البحرين بالقول إن الحل سواء أكان سهلا أم معقدا قريبا أم بعيدا ليس موجودا في طهران، ولا في قم، ولا في أنقرة، ولا في بغداد، ولا النجف، ولا في بيروت، ولا في واشنطن، ولا لندن، ولا في أي مكان على وجه الأرض قد يممت أو لم تيمم رموز «المعارضة» وجهها نحوه، إنه موجود هنا في البحرين، الكبيرة باستقلالها، العزيزة بأهلها وقيادتها، وإن مناداة «المعارضة» أو بعض نخبها ورموزها بالحل الخارجي - أيا كان نوع وحجم هذا الحل - عبر أجهزة إعلامها في الداخل والخارج ما هي إلا توسيع للشرخ بينها وبين المجتمع برمته الذي أنهكته تلك «المعارضة» أمنيا واقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، كما هو توسيع للشرخ بينها وبين الدولة التي لا نقر لها بالمعصومية مطلقا كما لا تقر هي لنفسها بذلك حين اعترفت بأخطائها كخطوة أولى للحل لم تخطها «المعارضة» «المعممة» إلى الآن رغم مطالبة جزء منها بالإصلاح، وبادرت الدولة إلى حوار توافق وطني انسحبت منه «المعارضة» من دون إبداء أسباب وجيهة تقنعنا أو تقنع حتى جمهورها المتعب، ولجنة لتقصي الحقائق حاولت تشويهها والنيل منها إلى أن تم الهجوم على مقرها، ولجنة وطنية لمتابعة تنفيذ توصيات تلك اللجنة قاطعتها.

وفي وقت يسعى فيه البحرينيون والبحرينيات المخلصون والمخلصات إلى إيجاد حل ينطلق من الداخل يجنب البلاد المزيد من النزيف في الأرواح والأموال والمقدرات تسعى «المعارضة» بمساعدة القنوات الإعلامية الإيرانية خاصة إلى تسخين الوضع الداخلي واستعداء مكونات الشعب الأخرى استعدادا لــ ١٤ فبراير ٢٠١٢، ولا أدري كم من الأرواح «يجب» أن تزهق، وكم من الخراب يجب أن يحل ببلدنا، وكم من الخسران يجب أن يحيق بنا جميعا حكومة وشعبا في العد التنازلي لذلك اليوم - الذي ندعو الله ألا يكون مشئوما - كوقود لـ «الثورة» المزعومة بسقفيها العاليين جدا الواهمين جدا «إسقاط الحكومة» و/أو «إسقاط النظام»، فقد سئمنا رائحة الموت المجاني ومللنا مشهد الجنائز وصور الجروح والجرحى في مواجهات يومية عبثية، سئمنا قطع الطرق وإشعال النيران.

لكن، مجرد قبول «المعارضة» باستيراد الحل من أي جهة خارجية (وقد فعلت) حتى لو لم يتح لـها إمكانية الاستيراد يضعها في موضع الإدانة، لأن شعب البحرين بكل مكوناته لا يقبل بالارتهان سياسيا أو اقتصاديا أو عسكريا إلى أي جهة ولا يمكن أن يركن إلى حلول يعلم أنها لن تكون مجانية أو من دون مقابل، فلا شيء يعطى بالمجان في عالم السياسة فضلا عنه في الحياة عموما، بل إن المقابل سوف يكون باهظ الثمن على المديين القريب والبعيد، والشواهد على ذلك كثيرة، وأقربها إلى الأذهان ما يحدث اليوم في دول ما يسمى الربيع العربي التي أضحى الاقتتال والفوضى غير الخلاقة أولى أبجدياتها، وصار الأمن في خبر كان، وصارت سرقة خيراتها ومواردها أمرا مشروعا وباتت تحن إلى حكامها السابقين على سوئهم ورغم ديكتاتوريتهم، فإن قبلنا بالحلول المستوردة فإننا نحكم على أنفسنا بعدم النضج وعدم تحمل المسئولية الوطنية التاريخية في هذا الظرف الحساس، ولن ترحمنا الأجيال القادمة حين نفرط في استقلال بلادنا ونهدم ما بناه الآباء والأجداد وناضلوا من أجله وبذلوا الغالي والنفيس كي يستقيم بناؤه، وقد علمتنا التجارب التاريخية أن أي حل خارجي سوف يبقى ملغوما وجزئيا وناقصا ووقتيا وسوف يعطي زمام أمورنا لغيرنا الذي قد يبيعنا في أي صفقة سياسية تحقق أغراضه ومصالحه من دون أن يعير إرادتنا وإنسانيتنا أي اعتبار، وحينها لا فائدة من البكاء على اللبن المسكوب، وقد ذهبت بلدان أكبر من البحرين مساحة وأقوى منها عسكريا وأغنى منها موارد في صفقات سياسية وتم التلاعب بها وبشعوبها وأضحت رهينة أخطاء السياسيين فيها الذين لم يعرفوا من السياسة إلا الكذب والدجل والخداع والتلون والمصالح الذاتية، والحالة العراقية التي يراد للبحرين من قبل البعض أن تنسج على منوالها وفقا لتوافق غير مكتوب بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية التي أصبحت بقدرة قادر على وفاق مع حزب الله اللبناني، مثال على ذلك، تلك الحالة التي تعد مأساة أخرى ونموذجا للطأفنة والهيمنة الإيرانية على بلد عربي كبير، يراد لنا السير على طريقه.

لا للتاريخ فحسب، ولكن للحاضر قبل كل شيء، أنه لا ينبغي أن تهيمن على بلادنا أي قوة في أي ثوب.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة