الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أفق


طريقا الرأسمالية إسلاميا

تاريخ النشر : الخميس ٩ فبراير ٢٠١٢

عبدالله خليفة



إذا كان الطريقان اللذان شقتهما أوروبا الغربية للرأسماليةِ الكونية هما الرأسمالية الفرنسية الديمقراطية والرأسمالية البروسية الألمانية الحربية، حيث لم يظهرْ طريق ثالث، فإن العالمَ الإسلامي وبؤرته المشرقية يواجهان هذين الخيارين بقوة.
الطريقان الأوروبيان ذاتهما عكسا مستويات التطور بين الأشقاء المسيحيين الأوروبيين، حيث ان القسمَ الغربي أكثر تطوراً وانفتاحاً واستطاعت هولندا وإنجلترا المتحررتان من المستعمرات المتخلفة وبقايا الإقطاع الثقيلة أن تطورا العناصر العلمية والصناعية والاجتماعية والسياسية لنمو غير مسبوق في التطور البشري، وبالتالي استطاعتا خاصة بريطانيا العظمى أن تكونا قائدتين لهذا الطريق الحديث، ونتائجه الايجابية والسلبية معروفة.
وحين انتقلتْ دولٌ مثل اليابان وروسيا والصين بكل ضخامة السكان فيها اختارتْ الطريقَ البروسي الألماني الحربي العنيفَ وبكلِ نتائجهِ الخطرةِ الرهيبة على التطور الإنساني، وقد تكسر هذا الطريقُ نفسُهُ بقوةٍ بين بعضه بعضا في الحرب الكونية الثانية التي أبادتْ من البشر أكثر من كلِ تاريخهم السابق كله.
ولكن عقابيلهُ وحيّاتهُ وجراثيمَهُ واصلت الحضور في الحرب الباردة حيث قام المعسكران المتصارعان الغربي والشرقي بالتوحدِ في الطريق البروسي العسكري الناري غير قادرين على الحرب، وليس كرهاً فيها ولكن نظراً لأنها تفنيهما معا.
ولم تستطعْ البشريةُ الخروجَ من هذا الأسلوب الرأسمالي نظراً لمستويات تطورها وتناقضاته الشديدة، الذي راح يشدلا هذه البشريةَ المختلفة التطور، والمتعددةَ المستويات، إلى حومتهِ الهائلة، وفي عولمتهِ الحادة.
وقد برز ذلك بقوة لدى الأمم الإسلامية، حيث يعبرُ الدينُ ذاتُهُ عن مستوى متقارب من التطور الاقتصادي الاجتماعي، ووجدنا أنفسنا في منعطف الطريق بين المسارين، حيث تسلك تونس والمغرب الطريقَ الفرنسي، وتُحدثُ التحولات بأقلِ التكاليف الدموية البشرية، ولم يزلْ الطريقُ مفتوحاً بعد لم تدخلْهُ الأقدامُ السياسية الاجتماعية المغربية التونسية كلية.
فيما مصر تتردد بين الطريقين فتاريخُها العسكري التسلطي لم يزل غير محسوم، والديمقراطية الرأسمالية لم تتكون بعد، وسيول الدم تتدفق في الشوارع والمدرجات الرياضية.
فيما الطريق البروسي الألماني يتجسدُ في ليبيا منتصراً ومهزوماً معاً، وثمة شعبٌ بدوي مسلحٌ ليستْ فيه جذور مهمة للديمقراطية التحديثية.
البروسيون العسكريون يصيرون فاشيين في سوريا، وقتلةً لشعبهم، كما كانوا ويظلون في العراق، وإمكانيات الطريق البروسي تتفاقم دموية هنا في المشرق، وتصيرُ حلفاً مراوغاً بين إيران والصهيونية والنزعات الدينية المتطرفة عبر القاعدة وجماعات ولاية الفقيه.
كمياتُ الدم المراقةِ هنا تستدعي الكثيرَ من الجهود الاقتصادية والسلمية والفكرية لعدم السير في هذا الطريق والاكتفاء بـ «بروفته» الرهيبة في سوريا، حيث ان الهتلريةَ ذاتها تقفُ خجلاً من تلاميذها الأفذاذ.
وليس خافياً هذا الحلف البروسي القبيح وهو يظهرُ في موسكو وبكين مؤكداً تلك الجذور الدموية المشتركة، فيما أن الطريق الغربي (الديمقراطي) النهاب هو الآخر عاجز إلا حسب الأرباح الجزيلة المعطاة.
يُفترض في القوى السياسية الاجتماعية في المنطقة والعالم أن تمنعَ الانتقالَ إلى المسرحية المتكاملة التي قد تجريها القياداتُ الإيرانيةُ العسكرية في جسد المنطقة مصرةً على الاستمرار في الطريق البروسي الألماني بدلاً من اختيار الطريق الآخر الأقل خطورة وكارثية، بل يتطلب الأمر حتى تجاوزهما في طريق سلمي تعاوني بين الطبقات والقوى في ظل الإسلام والديمقراطية.
هذا يتطلب من بقية الدول والقوى السياسية التمعن في سير التاريخ البشري المعاصر، وعدم نسخ التجارب السابقة المضرة، والتقليل من رعونتها ودمويتها، وإيجاد العلاقات التعاونية بين مختلف الطبقات والأنظمة، ورؤية عقد التصلب الكبيرة ونزع فتائلها المشتعلة المتصلة بكل بيت، وألا يكون الاستثمار ونمو أي دولة مرتبطين بتضخم الرساميل والقادة والقوميات والمذاهب.
هل ستضع محرقة سوريا حدا لذلك في العالم الإسلامي أم أن التجارب المريرة لا تعلم؟
ولتحاول الدول العربية المتجهة للديمقراطية أن تكون نموذجاً وتطرح نماذج الحروب والتسلط جانباً.