الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أخبار البحرين

الشيخ صـلاح الجودر:

الأحداث الأخيرة كشفت موقف الأصدقاء وحال الأعداء

تاريخ النشر : السبت ١١ فبراير ٢٠١٢



قال الشيخ صلاح الجودر في خطبة الجمعة بجامع الخير بقلالي إن الفتن والمحن والأزمات منبهات للأمم الحية الواعية، تدعوها إلى العودة إلى نفسها، والقيام بمراجعة مواقفها، مراجعة تتفحص فيها كل الأعمال والأفعال، وهي ما تعرف بنقد الذات ومحاسبة النفس، فتتساءل هل هذه الأعمال موافقة لعقيدتها وقيمها ومبادئها؟!، في محاولة جادة لمعرفة أسباب الفشل، ومواطن الخلل، ومراكز الضعف، ومكامن القصور، الفتن والمحن والأزمات هي التي توقظ الشعوب والمجتمعات، وتكون بداية لانطلاقة صحيحة إذا ما استفادت من الدروس والعبر.
الفتن والمحنة والأزمات، ومعها الصراعات والحروب، حينما تقع فإنها لا تنحصر في فرد أو جماعة أو مجتمع، ولكنها في أحيانٍ كثيرة تتعدى لتشمل رقعة كبيرة من العالم، وتأملوا في الحروب العالمية، والصراعات الإقليمية، التي اشتعلت في بقعة صغيرة ثم ما لبثت أن أكلت الملايين من البشر، بالإضافة إلى تدمير مقومات الحياة، ولا تزال آثارها باقية في نفوس الناس، لذا جدير بالعقلاء والحكماء وأصحاب الرأي والمشورة إعادة النظر في الأحداث، وقراءة الواقع بفقه الواقع!.
يا أبناء الوطن الواحد، عام مضى من فبراير إلى فبراير، وأنتم تشاهدون واقع مرير ومستقبل معتم، عنف ضد البشر من المواطنين ورجال حفظ الأمن، وتخريب للمدارس والممتلكات، وحرق وترويع في القرى، وتحريض على القتل على المنابر، وتغرير بالشباب والناشئة، حتى نثرت سموم الحقد والكراهية بين أبناء الوطن الواحد، سنة وشيعة، عام كامل عاش فيه أبناء هذا الوطن أصعب فترات حياتهم حينما تدخل الأجنبي في الشئون الداخلية تحريضا وتغريراً «وما تخفي صدورهم أكبر» (آل عمران:118).
عام مضى، من فبراير إلى فبراير، كفيل بنا التأمل في العنف والتخريب الذي جاء به مشروع تغير هوية أبناء المنطقة، فبدل أن يسود الحوار والتفاهم والمصارحة ظهرت دعوات الحقد والكراهية، حتى لم يبق للضعيف صوتاً، ولا للأقلية رأياً، ولا للعدالة مكاناً ولا مقاماً، والأشنع حينما تدثر الممارسات العنيفة بلباس الدين، والدين منها براء، فرفعت شعارات السلمية في شوارع تفوح رائحتها بالبنزين والأدخنة والإطارات المحروقة!، وذبحت الديمقراطية والتعددية بدعاوى الأكثرية والأغلبية!.
عام مضى، من فبراير إلى فبراير، كان كافيا بأصحاب العقول النيرة إلى وضع مناهج حياة جديدة تعيد لهم هويتهم التسامحية التي عرفوا بها، وتستبعد منطق الثأر والانتقام والاصطفاف الطائفي والتحشيد المذهبي، هذا هو الذي يجب أن ينادي به العقلاء والحكماء وأصحاب الرأي في هذا الوطن بعد عام من التأزيم والاحتقان، فلا يخفى على كل ذي بصيرة استشراء الوهن، وتكالب الأعداء، يجب إيقاف آلة العنف التي يتعرض لها الأبرياء من الناس في القرى والشوارع، والتصدي لمن يسعى لممارسة العنف والطائفية والتميز في الشوارع والطرقات!، مما يُهلك الحرث والنسل، واللهُ لا يحب الفساد.
فكيف سيكون حالنا بعد عام من الحزن والألم والمعاناة؟ هل ستتواصل الهموم وتتجدد الأحزان وتزداد المخاوف بين الناس؟!، أم سنشهد مرحلة جديدة من الفرح والسرور!، السلوى في ذلك حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حين قال: (عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له).
ما جرى خلال العام الماضي، من فبراير إلى فبراير، من نثر سموم وأدواء الفتنة الطائفية بين أبناء الوطن الواحد، ليست شراً محضاً، ولكن فيها الخير الكثير، فقد أفاق المؤمنون والمسلمون والناس أجمعين على أحداث مأساوية، ولكنها كشفت عن حقيقة مغيبة، فالأحداث قد كشفت عن موقف الأصدقاء وحال الأعداء في الداخل والخارج، وكشفت عن حجم المؤامرة التي تستهدف هذا الوطن الذي يعتبر البوابة الشرقية للوطن العربي، فأبناء هذا الوطن لا يدافعون عن وطنهم فقط كما يتوهم البعض، ولكنهم يدافعون عن دول الخليج العربي بأسرها، ويدافعون عن أمتهم العربية والإسلامية، ويدافعون عن مبادئ السلام العالمي، فهي ليست مسئولية واحدة ولكنها مسئوليات حملكم إياها رب العالمين، فأحداث العام الماضي أعطتنا دروساً كبيرة، وأيقظتنا من سباتنا، وكشفت لنا عن حجم المؤامرة التي تتعرض لها البحرين ودول الخليج العربي من أجل تغيير هويتها العروبية، ونهب خياراتها، وإذلال أبنائها. ونحن نستقبل 14 فبراير وهي المناسبة التي تم تدشين ميثاق العمل الوطني، وما تحقق خلال السنوات الماضية بفضل التوافق الملكي والشعبي على جميع الأصعدة، السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فإنا مدعون اليوم بإعلان فرحتنا بهذه المناسبة، فهذه الذكرى نريدها ذكرى الحب والتسامح والتعايش، (اللهم إنا نسألك خير ما في هذه الأيام وخير ما بعدها، ونعوذ بك من شر هذه الأيام وشر ما بعدها).