مقالات
مشاكلنا وهمومنا .. بعيداً عن السياسة وقريباً من السياسيين
تاريخ النشر : السبت ١١ فبراير ٢٠١٢
نحاول اليوم أن نخرج بعض الشيء من حيز السياسة إلى براح الحياة اليومية، وما يواجه الناس فيها من صعوبات ومشكلات وقضايا، فليست كل مشكلات البلد سياسية، ولو أنها -أي السياسة- سبب غالبية المشكلات. وليست كل قضايا الناس فيما يجري بين الحكومة والمعارضة وتقسيم المواطنين بين معسكر لفئة تزعم أنها ناجية ومعسكر لفئة تتهم بأنها باغية.. وهي بكل المقاييس قسمة ضيزى، لا تريد خيراً بالبحرين ولا بأهلها.. فلا خير في سياسة وسياسيين لا يكون من أول أولوياتهم حل مشكلات المواطنين ومعالجة هموم حياتهم ومعيشتهم..
قلت: سنحاول أن نخرج من أتون السياسة. ولكن من البداية يبدو أن محاولتنا هذه ستبوء بالفشل، في مجتمع يتنفس السياسة ويتغذى على السياسة وينام ويصحو على تبعات السياسة..!
فثمة غلاء فاحش شرير يقضلا مضاجع الفقراء ومحدودي الدخل ويُشارك عائلات وأسر الطبقة الوسطى أحلامها ومشروعاتها البسيطة. وثمة فواتير دواء عالية الارقام وفادحة التكاليف، يدفعها المواطن البحريني مرغماً، لأن المتحكم بأسعار الدواء هم تجار يحتكرون تجارته وأصنافه، ويفرضون على الناس خيارين اثنين، احلاهما مر كطعم أدويتهم ..!
وثمة قرارات تتخذ من دون دراسات ولا استطلاعات رأي، فيكون لها من السلبيات أكثر من الايجابيات، وتؤدي الى تعكير المزاج الوطني، وتزيد من بؤس الحياة بدلاً من المساهمة في تحسين جودتها..
وثمة في البلد شباب وفتيات في عمر الورود تذهب أرواحهم كل أسبوع على الطرقات بسبب حوادث السير، ثم لا تجد هذه الظاهرة التي تفرز أرقاما عالية نسبيا من الوفيات والإصابات والعاهات الدائمة، أي التفات من قبل السادة النواب أو السادة المسئولين، ولا من أية جمعية سياسية من الجمعيات التي تدعو إلى المشاركة في الحكم والإدارة والقرارات..!
وثمة محاكم تكتظ ردهاتها بأصحاب القضايا والحقوق الذين يتعرضون لأول صنوف الظلم، وهو تأخير البت بالقضايا. وكان المستشار السنهوري رحمه الله، يقول: تأخير البت في القضايا هو أول درجات الظلم..
وثمة شباب وشابات متعلمون، يحملون الماجستير والدكتوراه، ويرأسهم أشباه أميين، فقط، لأن هؤلاء يعرفون من أين تؤكل أكتاف المسئولين الكبار، ويبدون استعدادا لخدمتهم في الليل قبل النهار وفي خارج العمل قبل داخله..
وثمة أموال طائلة في البلد يهدرها الذين لم يتعبوا في تحصيلها على المظاهر التي تشعل في قلوب المواطنين الشرفاء حرائق اليأس والقنوط قبل أن تتحول إلى احتقانات يمتزج فيها الحسد بالميل إلى التسليم باعتبار الفساد والانحراف أضمن الطرق للحياة الرغيدة. وثمة مقاييس مقلوبة في البلد تجعل من جاهلين أصحاب حل وعقد، ومن منافقين وجهاء للمرحلة، ومن حاقدين زعماء سياسيين، تتصل بهم الفضائيات، ويتحدثون في الشأن العام..
وثمة رجال خدموا الوطن من كل قلوبهم وبكل مصداقيتهم وأعطوه من فكرهم وأعمارهم ومن زهرة شبابهم، ثم حكمت عليهم الدولة بالقعود في قائمة القاعدين؛ على هامش الحياة.. فأرست بذلك نوعاً من القيمة السلبية في المجتمع تجاه الرعيل الأول وتجاه انجازاتهم، وما يجب أن يحظوا به من احترام وتقدير، حتى أن أحدهم ليراجع الدائرة الحكومية التي شارك بتأسيسها ومنحها من صحته وفكره وحياته، فيعامل هناك معاملة الغرباء..
نعم في البحرين كما في كل أقطار الدنيا مشكلات وظواهر سلبية وفساد وترهل وغياب للقيم وانحراف في المقاييس، وثمة قضايا وطنية ساخنة ومُلحّة تحتاج إلى حلول سريعة وآنية، وثمة معاناة شعبية يومية ومتواصلة، لا علاقة لها بالدستور ولا بالمحاصصة الطائفية.. بل ربما تكون هذه الشعارات آخر ما يفكر به المواطن المريض الذي يريد مستشفى يعالجه، وطبيباً يحترمه ويعامله بمصداقية وعلم واحتراف، وآخر ما يفكر فيه الأب الذي يريد مقعداً لابنه أو ابنته في جامعة حكومية، ووظيفة لهما بعد أن يتخرجا، وسكن كريم يؤويهم من دون الحاجة إلى انتظار سرمدي أو معاناة ذل الكتابة للوزير فلان والتماس وساطة الوجيه فلان..
في الشأن الوطني: الشائعات وحالة عدم اليقين السياسية
وتستمر العجائب البحرينية.. فالذين كانوا بالأمس يرفضون الحوار ويضعون له شروطاً لا يمكن قبولها من أحد، ينخرطون الآن في التسويق للحوار. والذين شاركوا بالأمس في الحوار الوطني، يرفضون اليوم أن يكون هناك حوار آخر.. ثم تأتي الشائعات عن حوار منفرد، لتصبح هي الثقب البحريني الأسود الذي يمتص كل الاخبار والمقالات الصحفية وتغريدات المواطنين والمسئولين على حد سواء.. فيما يعاني الجميع من حالة عدم اليقين السياسية وعدم وضوح الرؤية، جراء غياب الحقيقة..!!