الجريدة اليومية الأولى في البحرين


يوميات سياسية


منظمات أهلية أم أوكار جواسيس؟

تاريخ النشر : السبت ١١ فبراير ٢٠١٢

السيد زهره



الولايات المتحدة الأمريكية تشن هذه الأيام حملة ضارية على الحكومة والسلطات المصرية، وتمارس ضغوطا غير مسبوقة، وتطلق التهديدات في كل الاتجاهات بسبب ما اصبح يعرف بقضية التمويل الاجنبي.
الولايات المتحدة تفعل هذا وتمارس كل هذه الضغوط والابتزاز على اعلى المستويات ويشارك فيها الكل، من البيت الابيض، إلى وزارة الدفاع، إلى وزارة الخارجية، إلى الكونجرس، إلى اجهزة الاعلام.
لقد سبق لي ان كتبت عن هذه القضية اكثر من مرة، لكن التطورات الاخيرة في القضية والتي اثارت كل رد الفعل الامريكي على هذا النحو تستحق التوقف عندها. تستحق التوقف عندها ليس فقط لخطورة القضية في حد ذاتها وما كشفت عنه من حقائق، لكن ايضا لأن مغزى رد الفعل الامريكي على هذا النحو هو مغزى في غاية الخطورة.
القضية تتلخص باختصار في ان السلطات المصرية المسئولة ومنذ ما يزيد على ستة اشهر فتحت تحقيقا في قضية تلقي منظمات اجنبية ومصرية تعمل تحت ستار العمل الأهلي تمويلات اجنبية ضخمة وخصوصا بعد الثورة. في اطار هذه التحقيقات، شكلت الحكومة المصرية لجنة لتقصي الحقائق في القضية اصدرت تقريرا بالفعل بنتائج تحقيقاتها. وبناء على ذلك، قامت السلطات المصرية وبناء على اجراء قانوني بتفتيش مقار بعض هذه المنظمات، واستدعت بعض العاملين فيها للتحقيق.
والتطور الجديد مؤخرا انه بناء على كل ذلك وما كشفت عنه التحقيقات وعمليات التفتيش قررت السلطات المصرية احالة القضية إلى المحاكمة. وقررت تحديدا احالة 44 متهما منهم 19 امريكيا واجانب آخرون إلى المحاكمة، ومنعهم من السفر حتى انتهاء المحاكمة. والأمريكيون والاجانب الذين شملتهم هذه الاجراءات يعملون في منظمات، المعهد الجمهوري الامريكي، والمعهد الديمقراطي الامريكي، ومنظمة بيت الحرية، والمركز الدولي الامريكي للصحفيين ومؤسسة كونراد اديناور الالمانية.
إذن، من حيث المبدأ، القضية تتعلق باجراءات قانونية وقضائية مصرية تم اتخاذها، وبمحاكمة سوف تجرى للمتهمين، وليس فيها بالتالي ما يبرر كل هذه الضجة الهستيرية الامريكية.
المهم في القضية هو الاتهامات الموجهة إلى هذه المنظمات الامريكية وهؤلاء الامريكان والاجانب الذين تقرر تقديمهم إلى المحاكمة.
قاضي التحقيق في القضية، اعلن قبل ايام تفاصيل هذه الاتهامات، وقال انه تقرر احالة هؤلاء وهذه المنظمات الاجنبية والمصرية إلى المحاكمة بناء على تقرير مفصل تضمن ادلة الادانة، والتي تشمل اكثر من 67 دليلا للإدانة.
وقاضي التحقيق كشف بوجه خاص عن الجوانب الخطيرة التالية المتعلقة بهذه المنظمات وهؤلاء الافراد ودورهم.
1- ان هذه المنظمات الاجنبية المتهمة ليس اصلا جمعيات او مؤسسات اهلية بل هي منظمات دولية مراكزها الرئيسية في دول اجنبية.
2- ان هذه المنظمات تعمل في مصر، وفتحت لها فروعا في المحافظات المصرية من دون أي ترخيص من الحكومة المصرية وبالمخالفة لكل القوانين المصرية، وعلى الرغم من ان جهات الامن القومي في مصر رفضت مرارا الموافقة على السماح لهذه المنظمات بالعمل في مصر.
3- ان هذه المنظمات تلقت اموالا اجنبية طائلة وخصوصا بعد ثورة 25 يناير، وايضا من دون علم السلطات المصرية وبالمخالفة لكل القوانين المصرية.
4 - ان انشطة هذه المنظمات ليس لها أي علاقة بالعمل الأهلي، وانما تمارس عملا سياسيا مشبوها وخطيرا في مصر.
وقدم قاضي التحقيق امثلة للأنشطة السياسية المشبوهة التي تمارسها هذه المنظمات، من قبيل اعداد استطلاعات رأي مشبوهة تقوم بارسال نتائجها مباشرة إلى مراكزها الرئيسية في امريكا. ومنها ايضا، تنظيم حملات وحشد التأييد لصالح مترشحين بعينهم .. وهكذا.
5- غير ان اخطر ما في القضية على الاطلاق هو ذلك الجانب الذي كشف عنه قاضي التحقيق.
كشف عن ان احدى هذه المنظمات قامت بتشكيل فريق يسمى فريق «سهم الثقة 7 ابريل» وكلفته بتصوير الكنائس في الاسكندرية والقاهرة وعدد من المحافظات، وتصوير منشآت حيوية، وتصوير مواقع القوات المسلحة في السويس والاسماعيلية.
بل كشف ما هو اخطر من هذا ايضا . قال ان عمليات التفتيش والتحقيق كشفت عن حيازة بعض هذه المنظمات خرائط لتقسيم مصر إلى دويلات.
بالطبع، هذا الجانب الاخير الذي كشفه القاضي، هي انشطة لجواسيس وليس لناشطين من اجل الديمقراطية، وهذا عمل لأوكار جواسيس وليس عمل منظمات اهلية.
على ضوء هذه الجوانب كلها يتضح انه ما كانت السطات المصرية لتفتح ملف القضية على هذا النحو وتتخذ ما اتخذته من اجراءات لولا اننا ازاء منظمات تلعب دورا اجراميا خطيرا ينتهك السيادة المصرية ويهدد الامن المصري بالمعنى الحرفي للكلمة.
إذن، كيف نفهم رد الفعل الامريكي على هذه النحو وما الذي يعنيه بالضبط؟.