التحقيقات
بعد عام دراسي صعب
التواصل بين الأسرة والمدرسة.. هل يرفع المستوى التعليمي؟
تاريخ النشر : السبت ١١ فبراير ٢٠١٢
إن عملية التواصل بين الأسرة والمدرسة أمر في غاية الأهمية وذلك لما من شأنه أن يساهم في تحسين العملية التعليمية وإيجاد مخرجات متميزة ومتعلمة من الأجيال القادمة وخصوصا ان متابعة الأهل لأبنائهم داخل المدرسة ومراجعة الدروس معهم في المنزل سيكون لهما الأثر الايجابي في تنشئة الأبناء وتعويدهم الالتزام وعلى الجانب الآخر سيشعر الطالب بأهميته لدى أسرته وبالتالي سيحرص على العطاء بصورة أكبر.
إلى ذلك أظهرت دراسة بحثية متخصصة في الشأن التعليمي بمنطقة الخليج العربي ضرورة النظر بصورة أشمل للتعليم وإشراك الأسرة والمجتمع المحلي لأنهما من الأطراف المؤثرة في تطوير الشباب ويشكلان رافدا مهما يدعم جهود تطوير منظومة التعليم.
وكانت الدراسة التي أجرتها جامعة أوكلاند، قد أثبتت أن «العوامل المنزلية» كمساعدة الأبناء في أداء الواجبات المنزلية، وتحقيق مشاركة الأهل، كان لها تأثير كبير في تحسين التحصيل التعليمي للطلاب.
وقد أكدت دراسات أخرى أن مشاركة الأهل وبشكل فعال في تعليم أبنائهم، بغض النظر عن مستوى دخل الأسرة أو المستوى التعليمي للأهل، جعلت الطلاب يحققون نتائج أفضل في الاختبارات، كما تحسنت معدلات حضور الصفوف الدراسية، وانخفضت معدلات التسرب من المدرسة.
وعلى الرغم من أن السياسة التعليمية في البحرين بدأت تعي أهمية تواصل الأسرة مع المدرسة فإن هذا الأمر قد لا يقوم بعض أولياء الأمور بتطبيقه لأنهم يعتقدون أن تعليم أولادهم هو مسؤولية المعلمين وحدهم، وأن هذه المهمة مكانها المدرسة فقط.
ومن أجل تغيير هذا الاعتقاد بدأت وزارة التربية والتعليم تخطو عددا من الخطوات في هذا المجال وللتعرف عليها أخبار الخليج التقت أحد الاختصاصيين في المجال الاجتماعي في الوزارة.
التعاون مطلوب
خالد السعيدي رئيس مركز الإرشاد النفسي والأكاديمي بإدارة الخدمات الطلابية تحدث عن أهمية دور الأسرة في التعاون مع المدرسة لتحسين مستوى الطلبة التعليمي فقال بطبيعة الحال هناك علاقة تشابكية تعاونية بين المدرسة والبيت يكون لها الكثير من العوامل الايجابية في هذا الجانب ولكن لو باتت هذه العلاقة معدومة أو ضعيفة فإنها بلا شك ستؤدي إلى إيجاد الكثير من السلبيات التي لا تتماشى مع القيم المطلوبة التي من المفترض أن تكون بين البيت والمدرسة، وفي حال حدوث تعارض بين هذه القيم من شأنها أن تساهم في خلق عدد من المشاكل الاستثنائية بين الطرفين، لذلك بدأ المدرسون في جميع مدارس المملكة بالعمل على إيجاد تواصل بين الأسرة والمدرسة بدوره سيولد نوعا من الانسجام ليكون له المزيد من النتائج الإيجابية على الطلبة، وعلى الجانب الآخر نجد ان المدرسين يعتقدون أن هذا التواصل المتفق عليه بين الطرفين بلا شك سيصب في المصلحة التربوية التي سيكون لها دور واضح في إثراء العملية التعليمية وإقبال الطالب على الدراسة بعد التعرف على نقاط القوة والضعف التي يعانيها. لذلك بدأت مدارس البحرين ممثلة في مكاتب الإرشاد الاجتماعي تبادر إلى تعزيز هذا التواصل وذلك عن طريق المرشد الاجتماعي الذي بطبيعة الحال يكون الأقدر على تعزيز هذه العلاقة التي سيتولى من خلالها العمل على تسليط الضوء على نقاط الضعف والمشاكل التربوية التعليمية كافة لدى الطالب التي تؤثر فيه بشكل سلبي وذلك فيما يتعلق بتحصيله العلمي بالإضافة إلى توافقه الاجتماعي بينه وبين المؤسسة المدرسية والمدارس بشكل عام، ولكن للأسف فإن الكثير من الأسر مازالت تعتقد ان اليوم المفتوح هو الوحيد الذي يتم فيه بناء الكثير من أطر التعاون للتعرف على المستوى الحقيقي للطالب وهذا المفهوم السائد غير صحيح لأن متابعة الأبناء ليس لها يوم محدد فجميع أيام التمدرس مفتوحة لأولياء الأمور ومن هناك يكون ولي الأمر قريبا وبشكل كبير من ابنه داخل المدرسة وذلك في البرامج والأنشطة والمعارف العلمية والتربوية اتي يمكن أن يتعرف عليها ولي الأمر لمساعدة أبنائه فيها وعلى الجانب الآخر بلا شك ان دور المؤسسات التعليمية لا يقل عن دور الأسرة لأن الطفل هو الهدف الأساسي.
بحاجة إلى المزيد من الدعم
وأضاف السعيدي قائلا: إنه من المؤسف في الوقت الحاضر وحسب الدراسات المحلية أن طبيعة العلاقة التشابكية ما بين المدرسة والبيت مازالت تتأرجح بين الصعود والهبوط في المدارس وهي تعتمد كثيرا على التوجهات الإدارية ومكاتب الإرشاد الاجتماعي وتكون حسب طبيعة المشكلة والمشاركة فيها بايجابية، وقد أظهرت الإحصائيات التي قامت بها الوزارة على عدد من أولياء الأمور وذلك فيما يتعلق بمفهومهم عن العلاقة بين البيت والمدرسة أن تقبلها لم يكن لدى الجميع مما جعلها مقتصرة على مجلس الآباء الذي يشارك فيه عدد محدود من أولياء الأمور.
لذلك فإن مراكز الإرشاد الاجتماعي في الوزارة بحاجة إلى المزيد من الدعم من وزارة التربية والتعليم بالإضافة إلى المؤسسات المدرسية من خلال قوانين ايجابية صارمة تطبق على هذه المؤسسات بعيدة عن الحساسية وعادة تأتي من المسئولين وتكون في صالح المؤسسة المدرسية وتنطلق بفتح هذه القنوات بشكل مؤسس حتى تكون هذه العلاقة صادقة مبنية على مجتمع من الأنظمة والقوانين التي تحكم الطرفين.
بعد ذلك انتقلت دفة الحديث مع عدد من المرشدين الاجتماعيين في المدرسة ليسلطوا الضوء على تجاربهم الميدانية في المدارس:
المرشدة الاجتماعية خيرية مختار احمد مشرفة اجتماعية في مدرسة خالد بن الوليد الابتدائية للبنين أكدت قائلة إن الاختصاصي الاجتماعي هو الحجر الأساس في عملية تشجيع أولياء الأمور على التواصل بين البيت والمدرسة، وذلك من خلال عدد من البرامج والمشاريع التي تقوم المدرسة بوضعها سواء في تقويم سلوك الطالب أو في رفع التحصيل الدراسي إلى جانب البرامج الاثرائية التي تشجع ولي الأمر على التواصل مع المدرسة، وللمرشد الاجتماعي دور مدعم من قبل إدارة المدرسة متى ما تبنت برامج أشركت أولياء الأمور.
وأضافت أما بالنسبة إلى النتائج الإيجابية التي حققتها مجالس الآباء وهي عبارة عن مشروع وزاري يهدف إلى توثيق العلاقة بين البيت والمدرسة وتعزيز الشراكة مع ولي الأمر مع الأخذ بعين الاعتبار جميع المقترحات البناءة التي يقدمها عضو مجلس الآباء بهدف تطوير سلوك التلاميذ ورفع مستوى التحصيل الدراسي للتلاميذ، والمردود الايجابي لهذا المجلس الذي لن تظهر آثاره إلا إذا كانت إدارة المدرسة إدارة فاعلة من حيث استغلال واستثمار طاقات الأعضاء وترك بصمات واضحة في العمل المدرسي، ومن البرامج التي تطبقها مدرستنا هي المشاركة في الأنشطة المدرسية في مختلف الفعاليات المدرسية (اللجنة الاجتماعية) وتقديم محاضرات ودورات في رفع كفاءة المعلم أو السعي لرفع التحصيل الدراسي.
وتحدثت هناء حسين اليافعي المرشدة الاجتماعية في مدرسة توبلي الابتدائية للبنين حول دور المرشد الاجتماعي في ربط الأسرة والمدرسة لمصلحة الطالب قائلة: في أغلب الأحيان نجد أن للاختصاصي الاجتماعي دورا كبيرا في تشجيع عملية التواصل الفعال بين البيت والمدرسة وذلك من خلال العلاقة المهنية المبنية مسبقا بينه وبين أولياء الأمور، حيث يعمل على التواصل المستمر معهم من خلال النشرات التوعوية والتوجيهات المدرسية، إلى جانب عقد اللقاءات المفتوحة لتعريفهم بالمستويات التحصيلية والسلوكية للأبناء والعمل الدؤوب على حثهم من خلال الرسائل المتبادلة بينهما وكذلك تنظيم المحاضرات والندوات وورش العمل التي تهم الأبناء ومستقبلهم الأكاديمي والمهني، وتوضيح الدور المتكامل لهم لعمل المدرسة والبيت في سبيل التنشئة الاجتماعية السليمة للطالبات.
وأضافت اليافعي: وفيما يتعلق بالنتائج الإيجابية لمجالس الآباء نجد ان لمجالس الآباء في المدارس دورا مهما في عملية تقديم الدعم والمساندة للمدرسة بما يسهل العملية التعليمية للطالبات حيث يعمل على دعم المدرسة في برامجها وأنشطتها المختلفة وتوفير بعض الاحتياجات التي قد تحتاج إليها المدرسة، كما يقوم أعضاء هذا المجلس بمد المدرسة بالملاحظات والاقتراحات التي قد تسهم في حل المشكلات المدرسية والتقليل منها.
ولأولياء
الأمور رأي
وتشير «ولية» الأمر باسمة أحمد عبيد إلى أن المتابعة مع المدرسة من شأنها تحسين مستوى الطالب الدراسي، خاصة في حالة الأخذ بملاحظات المعلمين ومتابعة نقاط الضعف في الابن، نظرا لضرورة أن يكون دور الأسرة مكملا لدور المدرسة للخروج بأفضل نتيجة في تربية الطالب وتعليمه، فالمدرسة بمفردها لا تستطيع أن تحكم قبضتها على الطالب وأيضا الأسرة بمفردها لا تستطيع الحكم على مستوى الطالب الدراسي.
وتؤكد بسمة أنها لم تكن تتواصل مع المدرسة، وكان مستوى ابنها متدنيا، ثم بدأت التردد على المعلمين والاستفسار عن مستوى ابنها إلى أن تقدم مستواه كثيرا، وخاصة ان هناك طلابا مشاغبين ويؤثرون في زملائهم سلبا، ولذلك وجب على كل ولي أمر أن يتابع ابنه ويقترب منه ويحاول تقديم النصح له حتى يسير به في طريق التفوق بعيدا عن رفقاء السوء.
علاقة قوية ومباشرة
في المقابل يرى ولي الامر أسامة احمد أن العلاقة بين ولي الأمر والمدرسة يجب أن تكون قوية ومباشرة، وعلى المدرسة أن تحرص على إخبار أولياء الأمور باليوم المفتوح نظرا لأنهم يستطيعون في يوم واحد فقط معرفة مستوى أبنائهم في كل المواد التي يدرسونها، ومن هنا يستطيع الأهل التواصل مع المعلم لمعرفة نقاط الضعف في الطالب ومحاولة تداركها، بالإضافة إلى أن في الكثير من الأحيان يكون التقصير وتدني مستوى الطالب ناتجين عن عدم فهمه للهجة المعلم، فالمدارس تعج بمختلف اللهجات والجنسيات، ومن هنا يكون التواصل مهما وحيويا وفي مصلحة الطالب، وفي الوقت نفسه يجب على ولي الأمر عدم تعنيف ابنه إذا اكتشف انه ليس على المستوى الدراسي المطلوب، بل يناقشه بهدوء لمعرفة سبب تأخره في بعض المواد، وبمعرفة الأسباب وعلاجها سوف يتحسن مستوى الطالب ويستطيع تحقيق التفوق خاصة إذا مدت المدرسة يد التعاون لولي الأمر.
المستوى الفكري للطلبة
أما الطالب مدثر احمد عبدالرزاق فيرى ان تواصل الأهل مع المدرسة سلاح ذو حدين، نظرا لان تردد الأهل على المدرسة سوف يوضح مستوى الطالب العلمي أمام ذويه، وقد يكون مستواه العقلي والتعليمي متوسطا وهذا المستوى لن يرضي الأهل وبالتالي سوف يضغطون على ابنهم من دون النظر إلى قدراته، وقد يؤدي ذلك إلى نتيجة عكسية، وفي المقابل إذا كان الطالب غير ملتزم فإن متابعة الأهل مع المدرسة سوف تجعله أكثر التزاما، وفي كل الأحوال أرى أن التواصل بين الأهل والمدرسة شيء مهم جدا ويصب في مصلحة الطالب وأيضا في النتيجة النهائية للمدرسة.
التحصيل الأخلاقي
وترى آمال فهمي (ولية أمر) ان التواصل بين المدرسة يجب ألا يكون لمتابعة التحصيل العلمي للأبناء فقط، بل الأخلاقي أيضا، لأن الكثير من الأبناء يقعون في أخطاء مدمرة وللأسف أولياء الأمور لا يستمعون إلى شكاوى المعلمين، بل يستنكرون لفت نظرهم إلى أخطاء أبنائهم، وتوضح أن عدم التواصل بين المدرسة والأسرة يؤدي إلى نتائج سلبية وخلل في شخصية الطالب، فعندما لا تعرف الأسرة شيئا عن تصرفات أبنائها أو مستواهم التعليمي، سوف تفاجأ بنتائج غير مرضية، بالإضافة إلى المشاكل التي قد يقع فيها الأبناء والتي تتفاقم لان الآباء لا يعلمون عنها شيئا بسبب عدم تواصلهم مع المدرسة.
التواصل المستمر
سناء صقر (ولية أمر) تؤكد أن التعاون بين المدرسة والأسرة له الكثير من الآثار الايجابية، فالتواصل المستمر من شأنه أن يساهم في تحقيق الهدف الذي قامت الأسرة بوضعه وذلك فيما يتعلق بالأسلوب الأمثل في تربية الطفل وصقله أكاديميا بالإضافة إلى التعرف على نقاط الضعف التي يعانيها في تحصيله الدراسي والتي ستعمل الأسرة على علاجها بكل الطرائق الممكنة والمناسبة، ولكن في ذات الوقت لا يمكن الجزم بأن التواصل المستمر قد يحقق أفضل النتائج ففي بعض الحالات قد يكون هداما لأن أسلوب الأسرة في التعامل مع ابنها قد ينفره من الدراسة.
وبشكل عام فإن قيام بعض أولياء الأمور بالاعتماد كليا على المدرسة من شأنه أن ينشئ لدينا جيلا ضعيفا لأنه لم يحصل على الاهتمام الكافي من قبل ذويه، وبالتالي فإن هذا الأمر بطبيعة الحال قد لا يتناسب مع توجهات وزارة التربية والتعليم التي قامت بوضع المزيد من الخطط والاستراتيجيات التي من شأنها أن تساهم في تحقيق أهداف الرؤية الاقتصادية 2030 وذلك لتنشئة جيل متعلم ومثقف.