الجريدة اليومية الأولى في البحرين



سياسة أحجار الشطرنج!

تاريخ النشر : السبت ١١ فبراير ٢٠١٢

صلاح عبيد



في حديث أجرته مؤخرا صحيفة الشراع اللبنانية مع (روبرت بير) المسئول السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي. آي. أيه) كشف المسئول الأمريكي بعض المعلومات المهمة حول السياسة الأمريكية الرامية إلى تفتيت الشرق الأوسط، وإن كان في حديثه يحاول تضليل القارئ بمعلومات وتوقعات غير منطقية، مثل إجابته عن سؤال للصحيفة مفاده: لماذا تعزف الولايات المتحدة عن التدخل في سوريا؟ فأجاب: لقد تحوّل الشرق الأوسط إلى منطقة غير ذات أهمية بالنسبة للولايات المتحدة!
في حديثه أكد المسئول الاستخباراتي الأمريكي أن مزيدا من الدماء ستسيل في سوريا قبل أن يتدخل حلف الناتو عسكريا لدعم الثوار، وأن الرئيس السوري بشار الأسد سيتم القبض عليه وتقديمه إلى محكمة الجنايات الدولية، وهذا قد يكون صحيحا، لكن الهدف لن يكون مجرد إسقاط النظام السوري بل هو إدخال سوريا في حرب أهلية مدمرة تقضي على الأخضر واليابس في ذلك البلد، وهو ما يؤكده (روبرت بير) بقوله إن التوقعات الأمريكية للأوضاع في سوريا بعد إسقاط نظام الأسد ترشح اندلاع حرب أهلية بين الشيعة العلويين المدعومين من إيران، وبين أهل السنة المدعومين من الدول العربية كلها. هذا الذي يتحدث عنه المسئول الأمريكي يتماشى بالفعل مع المخطط الأمريكي التفتيتي للمنطقة العربية بدفعها دفعا إلى حروب أهلية وتصفيات طائفية تقضي على قوتها تماما لتسقط لقمة سائغة في أيدي الأمريكان لينهبوا ثرواتها!
من الواضح أن المخطط الأمريكي التفتيتي لمنطقتنا العربية قائم على فكرة (أحجار الشطرنج)، حيث إن تغيير مواقع تلك الأحجار يؤدي إلى تغييرات جذرية في حسابات اللعبة كلها، وهو ما تقوم به أمريكا حاليا حيث تساند الشيعة لإسقاط الأنظمة السنية في البحرين والكويت، وتساند أهل السنة في سوريا لإسقاط النظام العلوي الشيعي، وتساند الإخوان المسلمين في مصر علنا للتصادم مع الجيش ولتصفية ما تبقى من ذيول نظام مبارك، وتساند الأقباط المسيحيين المصريين في الخفاء للثورة على (أسلمة الدولة) التي سيسعى إليها الإخوان المسلمون الذين حصدوا معظم مقاعد البرلمان المصري وسيشكلون أول حكومة إسلامية في مصر منذ سقوط دولة الخلافة العثمانية قبل مائة عام، كما أن الأمريكان يساندون الإخوان المسلمين في تونس وليبيا لإقامة حكومات إسلامية لتقوم هي بتقديم الدعم لقيام معارضات ليبرالية للحكم الإسلامي في تلك الدول، بهدف وضعها جميعا على طريق الصدامات والنزاعات الأهلية والحروب الطائفية.
من المؤلم حقا أن يسقط العرب والمسلمون في حبائل هذه المؤامرات التي لم يكن من الممكن تنفيذها في أزمنة القوة السياسية العربية والمد القومي العربي خلال العقود الماضية، والأكثر إيلاما أن تستطيب كل فئة وكل طائفة وكل أصحاب فكرة أو منهج في بلادنا العربية والإسلامية الانسياق وراء (الراعي الأمريكي) لحصد مكاسب على حساب حياة ووجود إخوانهم في الدين أو الوطن، مخالفين الإرشاد الرباني الحكيم لهم بقوله تعالى: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)، ونسوا أن أمريكا لم تكن يوما حمَلا وديعا إنما هي ذئب مفترس، وأن (الذيب ما يهرول عبث).
الوحدة الوطنية بين أبناء البلد الواحد كفيلة بحمايتهم جميعا وحماية بلدانهم من السقوط ضحايا المؤامرات الأمريكية الصهيونية التي ستقتل حلفاءها بمجرد انتهائهم من القضاء على إخوانهم في الدين أو الوطن، وكفى بدروس التاريخ معلما وواعظا.



salah_fouad@hotmail.com