الجريدة اليومية الأولى في البحرين


هوامش


بعد «الربيع» يأتي دور «عاصمة الثقافة»

تاريخ النشر : السبت ١١ فبراير ٢٠١٢

عبدالله الأيوبي



ليس تعاطفا ولا احتراما ولا حزنا على إراقة دماء أبناء الشعب السوري الشقيق وإنما تنفيذ لأجندة عقدية متزمتة تريد أن تضع بصماتها على مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية، ليس في البحرين فحسب وإنما في مختلف المجتمعات التي تجد لنفسها فيها حضورا وتلقى أذانا صاغية، تلك هي الأسباب التي دفعت ببعض النواب إلى التقدم باقتراح برغبة لإلغاء جميع الاحتفالات والحفلات الغنائية الخاصة بمهرجان (المنامة عاصمة الثقافة العربية)، فهذه الأسباب ليست جديدة، فقد سبق أن أطلقت أصوات تنتمي للتيار العقدي نفسه هجوما مكثفا، باهت المبررات، ضد مهرجان (ربيع الثقافة) ووصل الأمر إلى حد تسميته «ربيع السخافة»، تعبيرا عن الاستخفاف بقناعات ومزاج الآخرين الذين لا يسايرون هذا النهج العقدي في اجتهاداته.
فالربط بين ما يتعرض له الشعب السوري الشقيق من عمليات قمع وقتل يومي بسبب الأحداث المأساوية التي تمر بها الدولة الشقيقة، وبين فعالية ثقافية تستهدف الحفاظ وحفز الحياة الثقافية وتمتينها بين أبناء الأمة العربية من محيطها إلى خليجها، ونبش التراث الوطني بهدف الحفاظ عليه من الاندثار، ليس سوى فصل جديد من فصول المتاجرة بالدماء البريئة، في سوريا حاليا، بعد أن كانت دماء الشعب الفلسطيني هي السلعة الرائجة في أسواق المتاجرة العربية، ليس من جانب التيار المعادي لكل أشكال الأعمال الفنية، وإنما من جانب قوى سياسية أيضا.
فوقف النشاطات الثقافية أو الفنية وغيرها من الأنشطة لن يسدي أي منفعة أو فائدة للشعب السوري الشقيق ولن يوقف آلة القتل الحكومية أو تلك التي بأيدي بعض قوى «المعارضة» عن مواصلة فرم الأجساد البريئة وسفك دمائها، بل على العكس من ذلك فبالإمكان استخدام مختلف الفعاليات الفنية والسياسية للتعريف بقضايا الشعوب، وهذا ما يقوم به العديد من الفعاليات المجتمعية في مختلف دول العالم حيث تلجأ هذه الفعاليات إلى تنظيم حفلات غنائية ومهرجانات ثقافية لحشد التأييد لقضية ما، سواء كانت قضية سياسية أو حقوقية أو بيئية.
ليس هناك تعارض على الإطلاق بين التضامن ودعم المطالب المشروعة أو وضع مأساوي يعيشه شعب من الشعوب وبين استمرار الأنشطة الفنية والثقافية وغيرها من الأنشطة، إلا إذا كانت هناك أهداف أخرى (عقدية في حالتنا البحرينية) ليس لها علاقة بالتعبير عن التضامن أو الحزن على مأساة ذلك الشعب، فليس هناك معنى أو فائدة من عدم الاحتفاء وإحياء المواسم والفعاليات التراثية والثقافية بتراثنا وإقامة المهرجانات الفنية والغنائية تحت حجة التضامن والحزن وغير ذلك من الذرائع الباهتة.
كلنا يذكر كيف جاهدت ونشطت واستماتت وزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة لوضع البحرين على خريطة الأنشطة الثقافية والتراثية العربية والعالمية وكيف ان هذه الجهود الكبيرة توجت باختيار المنامة عاصمة للثقافة العربية، فهذا الاختيار له معنى كبير في عالم الثقافة، ولكن كل هذه الجهود لا قيمة ولا معنى لها عندما تسيطر النزعة العقدية على التفكير عندها لا يحسب أي حساب أو قيمة لمثل هذه الجهود وتلك النجاحات التي تتمخض عن عمل متواصل يأتي بمثل هذه الثمار الثقافية التي فازت بها عاصمتنا الحبيبة.
ليس جديدا أن تتعرض مثل هذه الأنشطة لمحالات الشطب والتعطيل، فقد سبق، كما أسلفنا القول أن تعرض مهرجان ربيع الثقافة لأعنف هجوم عقَدي متزمت وصل إلى حد استجواب وزير الإعلام حينها، تحت حجة أن ما تقدمه فعاليات المهرجان «يتعارض» مع قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا، وهي كلها عناوين للتستر على أهداف أخرى، وكما استخدمت العادات والتقاليد والأعراف ذرائع للهجوم على ربيع الثقافة، تستخدم الآن دماء الأشقاء في سوريا ذريعة لتعطيل فعاليات (المنامة عاصمة الثقافة العربية).
من يتابع سير الفتاوى والقراءات التي يصدرها العديد من الجماعات الدينية ومن مدارس مختلفة، لن يستغرب تعرض مهرجان ثقافي أو فعالية غنائية أو فنية لشتى أنواع التحقير والاستخفاف بالمشاركين والقائمين على تلك الفعاليات حتى وصل الأمر إلى حد قذفهم بنعوت لا تليق بالإنسان، ومع ذلك نقول ان تلك المواقف والاجتهادات تخص أصحابها، ومثل ما لهم الحق المطلق في عدم الاستماع للموسيقى ومشاهدة الأعمال الفنية وحضور الحفلات الترفيهية، فليس لهم الحق في حرمان غيرهم من التمتع بهذه الإبداعات الإنسانية الخلاقة، فليس مقبولا ولا معقولا أن تكون الدماء والفن والتراث والثقافة، سلعا للمتاجرة السياسية والعقَدية.