ما بعد ١٤ فبراير ٢٠١٢؟
 تاريخ النشر : الاثنين ١٣ فبراير ٢٠١٢
بقلم: وجدان فهد
الخطب والبيانات المتواترة من الجهات الرسمية والقوى السياسية الفاعلة لفتح باب الحوار ولمّ الشمل، مضافا إليها دعوات التحشيد المتصاعدة لإحياء ذكرى ١٤ فبراير الأليمة، مع تكثيف الحراك الشوارعي تعطشا للاصطدام، في موازاة زيارات متعاقبة لمسئولين أمريكيين ووفود أوربية للبلاد وتصريحات متناقضة تصدر عنهم، كلها أمور تضع غالبية الناس في موضع التشتت لفهم أين نحن متجهون؟ وما الذي يصنع في المطابخ السياسية الدولية ببلدنا الصغير حجما والمهم بموقعه الجيوسياسي؟ ثم ماذا لو تكرر سيناريو ١٤ فبراير وسالت الدماء مجددا وتكررت عمليات الأسر والاختطاف والتمثيل بالجثث؟ برقبة من سيعلق الجرس وكيف ستتم محاسبته؟؟
باعتقادي كلها أسئلة مشروعة لأن تخالج العقول ولكني سأطرح رؤى شخصية قد تسهم في تبسيط الفهم وتجنبنا تداعيات أزمات مرتقبة وسيناريوهات اشد كلفة من سابقتها في التأزيم.
أولا: بخصوص الدعوة إلى الحوار ولمّ الشمل، أجد أن هذه الدعوة مفيدة في مضمونها وتوقيتها، ذلك أنها ألزمت اشتراط وجود كل الأطراف السياسية الأخرى أثناء التحاور من دون أن يقتصر على الوفاق وحدها، وهذا يعطي للجميع مساحة متساوية لعرض مطالبها، ثم ان في هذه الدعوة اختبارا لكشف مقدرة الوفاق على قبول الحل السياسي حتى آخر لحظة وتعرية مصداقيتها أمام الرأي العام العالمي. وينبغي ألا ينظر إلى جلوس نظام الحكم مع الوفاق ضعفا أو استكانة، إنما العكس صحيح، حيث لن يعود بمقدور الوفاق ليّ ذراع الدولة بوجود أطراف أخرى، والحوار الجديد - ان أُجري بين كل الأطراف - لا يعني أبدا إلغاء أو الانتقاص من مصداقية الحوار الوطني الذي عقد في سبتمبر الماضي وتوصياته، بل حتما سيكون مكملا لما تم التوافق عليه مسبقا، وترفده تنفيذ توصيات تقرير اللجنة الملكية المستقلة لتقصي الحقائق «بسيوني».
ثانيا: التدخلات الخارجية: ليس بخاف دعم الإدارة الأمريكية للوفاق وفقا للتصريحات الرسمية، وكذلك استمرار التدخلات الإيرانية في الشئون البحرينية ناهيك عن الأجنحة السياسية المتطرفة في العراق ولبنان، إنما السؤال الأهم: ما مدى هذا الدعم والى أي حد قد يصل ؟! برأيي ان قوى النظام العالمي الجديد لم تعد ترتكن إلى الجيوش والعساكر لإثبات نفوذها وسيطرتها على العالم، فهناك مداخل جديدة أهمها الدبلوماسية والاستخبارات الأمنية والمنظمات الحقوقية السياسية تتخذها ذريعة للتمدد، وهذا ما يستدعي في الحالة البحرينية تركيز النظر أكثر في الأيام القادمة على التحرك الدبلوماسي لسفارات تلك الدول في البلاد ومحاولة محاصرتهم بالمكاشفة لتحجيم تدخلاتهم وزج أنوفهم في قضايا داخلية بحتة. ثم الأهم تفويت كل فرصة عليهم للانحشار. خذوا مثلا القضاء، فهناك الكثير من القضايا العالقة منذ بدء الأزمة وكلنا ندعو يوميا الى سرعة إصدار الأحكام، لكن هذا الإلحاح لو انحرف فسيعتبر أداة ضغط وتدخلا في نزاهة القضاء من قبل الأطراف الدولية، وستشرّع للتدخل انتصارا للعدالة بحسب ادعاءاتها حتى لو كان لحساب براءة المتورطين في الجرم المشهود! لذا أرجوكم، تنبهوا وحاولوا أن تمنحوا القضاء وقته لينطق كلمته وفوّتوا الفرصة على كل متربص للانقضاض على بلدكم.
ثالثا: الصدام الداخلي: ستشهد المرحلة المقبلة تصاعدا في التأزيم قد يكون ميدانيا وقد يكون خطابا سياسيا مؤججا ولاسيما بعد إعلان الاتحاد الخليجي وموافقة البحرين العاجلة على الانضمام اليه، ولمواجهة هذا التصعيد أرجو أن تأخذوا الحذر وتعاونوا أكثر مع الجهات الرسمية للمعالجة الأمنية، انتم كأفراد وقوى مجتمعية يجب أن تمارسوا دوركم الرقابي فقط، ولا تعرضوا أنفسكم لمصادمات مفتعلة مبنية على سيناريوهات مسبقة يراد بها تقويض البلد. كونوا أداة عون لرجال الأمن وليس عالة عليهم وتحمليهم وزرا مضاعفا، وتنبهوا للفتن.
اعلم أننا نمر بامتحان عسير، واجتيازه ليس بالسهل، لكن ضعوا ثقتكم في الله وحده ثم في نواياكم لخدمة البحرين وصونها، وأكرر أن ما قلته في السطور أعلاه رؤى شخصية بحتة بنيتها على معطيات الواقع واستقراء للنتائج، متمنية للرسالة أن تصل.
حفظ الله البحرين وحفظكم أبناء شعبي
.