الجريدة اليومية الأولى في البحرين


قضايا و آراء

رسالة مهمة من قضاة مملكة البحرين تعرض:

رؤية حول مستقبل القضاء البحريني

تاريخ النشر : الاثنين ١٣ فبراير ٢٠١٢



تلقت «أخبار الخليج» رسالة مهمة موقعة من قضاة مملكة البحرين، وهي تحتوي على رؤيتهم بشأن كيفية تعزيز استقلالية القضاء في البحرين في المستقبل المنظور، وتدعو الرسالة السلطة التشريعية ممثلة في البرلمان بغرفتيه (النواب والشورى) إلى العمل على إصدار التشريعات اللازمة لتأكيد استقلالية القضاء في البحرين، تعزيزاً لمبدأ الفصل بين السلطات، وتأكيداً لتوجهات قيادة البلاد في تدعيم استقلالية القضاء البحريني.
ونظراً لأهمية هذه الرسالة تنشر «أخبار الخليج» نصها كاملاً كما ورد إلينا فيما يلي:
إن قضاة مملكة البحرين إذ يدركون أنهم ظل الله في أرضه وهم حماة الحق فلا يحيدون عنه ولا سلطان عليهم إلا ضمائرهم والقانون، وأن المشروع الاصلاحي لجلالة الملك وبقيادته الحكيمة قد أرسى دعائم أساسية في نهضة البحرين وعلو مكانتها الدولية، وان استقلال القضاء الكامل لهو إحدى ركائز هذا المشروع، وما فتئ جلالته في كثير من المناسبات يؤكد دعم السلطة القضائية والحرص على استقلالها وعدم التدخل في شئونها، كما يدركون أن العدل وشرف القضاة ونزاهتهم هي أساس الحكم وان استقلال القضاء الكامل هو أساس العدل وركيزة التنظيم الدستوري، بل هو الضمانة الحقيقية للمتقاضي قبل القاضي وحارس الحقوق والحريات والأمين على الشرعية الدستورية والقانونية والنظام العام للبلاد، وان تحقيق العدل هو جوهر رسالة القاضي، وهو لا يتحقق إلا بتوفير ضمانة استقلاله في أدائه لرسالته وحياده ونزاهته، فهو المكلف بعد الله سبحانه باتخاذ القرار الأخير بشأن حياة المواطنين وحرياتهم وحقوقهم، وواجباتهم وممتلكاتهم، إلا أنه وبالرغم من ان استقلال كيان القضاء هو تفعيل لمبدأ الفصل بين السلطات ووقوفها جنباً على قدم المساواة، كما أنه استحقاق دستوري ومقصد رئيسي له، وقد أجمع المتحاورون عليه في حوار التوافق الوطني، فضلاً عن أنه التزام وطني ودولي، فإنه حتى الآن لم يكتب لكيان السلطة القضائية هذا الاستقلال المنشود، ومازالت تتبع السلطة التنفيذية ماليا واداريا بالمخالفة للدستور، وليس من شك في أن ادارة العمل جزء من التدخل في شئونه، وعليه فإن رؤية القضاة لمستقبل القضاء البحريني تتلخص في الآتي:
أولا: بالنسبة إلى السلطة القضائية (مؤسسة القضاء):
1) العمل وعلى وجه الاستعجال بتنفيذ الاستحقاق الدستوري بكفالة القانون استقلال القضاء التام، وذلك بتعديل قانون السلطة القضائية على نحو يجعل من القضاء العادي هيئة قضائية مستقلة بكيانها وقائمة بذاتها وان تتوافر لها الموارد المالية اللازمة، وذلك تفعيلا لنص المادة 104/ب من الدستور، وما توافق عليه المتحاورون في حوار التوافق الوطني بالمرئية رقم (43) من التقرير النهائي للحوار، وما جاء في قراري الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن السلطة القضائية رقمي 40/32 و40/146 المؤرخين في 29 نوفمبر و13 ديسمبر لسنة 1985م، وما أكده تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، وان ينشأ قصر للعدل يليق بمكانة البحرين ويواكب متغيرات العصر، ليخدم المتقاضين ويضفي الهيبة على الدولة.
2) من حيث انه قد سبق ان خاطبت أغلبية القضاة رئيس حوار التوافق الوطني وأبدوا ملاحظاتهم حول بعض القضايا المتعلقة بهم ومنها المادة رقم (69 فقرة ج) من المرسوم بقانون رقم 35 لسنة 2010 الصادر وفقاً للمادة (38) من الدستور وأوضحوا أن هذا التعديل الذي جعل عضوية باقي أعضاء المجلس الأعلى للقضاء عدا رئيس محكمة التمييز والنائب العام بالتعيين، بل من خارج السلطة القضائية من أعضاء فقدوا ولاية القضاء وفي مخالفة لمبدأ دستوري مهم هو الفصل بين السلطات الذي انتهجه دستور البلاد، وأنه تراجع وليس بخطوة متقدمة إلى الأمام، وقد اقترحوا أن تكون عضويتهم بالانتخاب فهو التمثيل الحقيقي والشرعي للقضاة والسلطة القضائية، إلا أن المرسوم السالف البيان والمعروض حاليا على مجلس الشورى وفقاً للمادة (38 فقرة 2) من الدستور لم يساير المشروع الإصلاحي وسنة التطوير، وذلك بتراجعه خطوات للخلف إذ لم يكن هناك من الأساس أي ضرر أو شكوى من تشكيل المجلس وفقاً للمنصب طبقاً لقانون السلطة القضائية المعدل عليه، ومن جانب آخر فقد كرس هذا المرسوم إدماج السلطات لا فصلها، بما لا يصب إيجاباً في مصلحة البلاد وتنفيذها للمعايير الدولية بشأن استقلال السلطة القضائية.
ثانيا: بالنسبة إلى ضمانة حياد القاضي ونزاهته واستقلاله في ولايته للقضاء وضمانة عدم قابليته للعزل:
إن المادة (47 فقرة 2) من ذات المرسوم اجازت للمجلس الأعلى للقضاء إحالة القاضي الذي يحصل على تقريرين متتاليين بدرجة أقل من المتوسط الى مجلس التأديب، وعقوبات هذا المجلس وكما هو معروف هي اللوم أو العزل، وهذا النص فيه مخالفة صريحة للمادة (104 فقرة 2) من الدستور لما فيها من الاخلال بضمانة المتقاضين بعدم قابلية القاضي للعزل ومخالفة كذلك للمبادئ الأساسية لاستقلال القضاء الصادرة بقراري الجمعية العامة للأمم المتحدة سالفي البيان، إذ ان هذه المادة قد ساوت في المركز القانوني ما بين القاضي الذي انخفض مستواه رغم ان انخفاضه ليس بجرم ولا عمد فيه وربما يكون أحد أسبابه عدم قيام المعنيين بالتدريب اللازم، وبين القاضي المتهم بجرم أو انحراف المسلك عمداً فكلاهما ينالان العقوبة نفسها، وهذا الأمر لا يستقيم إذ انه وعلى فرض حصول انخفاض المستوى فإنه يؤدي إلى الاحالة للتقاعد او النقل لوظيفة غير قضائية بذات المزايا المالية حسب الاحوال وليس اللوم أو العزل، وهذا ما نصت عليه قوانين السلطة القضائية في اغلب الدول ومن بينها مصر، ان القاضي على هذا النحو قد أصبح مهدداً في أي وقت بهذين التقريرين ومن ثم العزل بإجراءات تحتمي وراء نصوص قانونية وهو ما يؤثر سلباً في ضمانة المتقاضين بالدرجة الأولى وبالتالي فإن حقوقهم أضحت بين يدي قاض يرتعش قلمه.
إننا نرى السلطة القضائية والقضاء البحريني في مفترق طرق، ونحن إذ نأمل أن يكون قضاؤنا شامخا ومحل إشادة محليا ودوليا فإننا نأمل في إجراء التعديلات اللازمة في قانون السلطة القضائية بما يكفل استقلالها الكامل وتحقيق ضمانات المتقاضين.
ان القضية وفي المرتبة الأولى قضية وطنية وعلى الجميع تحمل مسئوليتهم، وان القضاة وقد اعلنوا رؤيتهم التي لا تنظر الى اشخاص او واقع بل تنظر إلى المستقبل وحماية حقوق المتقاضين، ليحملون السلطة التشريعية ممثلة في المجلسين والشعب بأكمله مسئولية تراجع السلطة القضائية وهي محل العدل الذي هو أساس الحكم والملجأ والحصن الاخير لأصحاب الحقوق، كما يحملونهم مسئولية التفريط في ضمانات المتقاضين الدستورية، وذلك فيما لو أسبغت الشرعية القانونية على المرسوم السالف البيان.
ان القضاة وهم في هذا المنعطف التاريخي الخطر وقد قالوا كلمة الحق وصانوا اليمين التي اقسموا عليها وذلك من منطلق حقهم المكفول في ابداء الرأي والتعبير، ليفوضون امرهم الى الله سبحانه فهم لا يرجون إلا ان يكونوا قضاة الجنة لا أصحاب مال وجاه، ويؤدوا رسالتهم ليوم يكون الأمر بيده وحده تعالى.
قضاة مملكة البحرين