يوميات سياسية
الإرادة الوطنية وإرادة الإرهاب الأمريكي
تاريخ النشر : الاثنين ١٣ فبراير ٢٠١٢
السيد زهره
عرضت في المقال السابق للتطورات الأخيرة في قضية تمويل المنظمات الأجنبية في مصر، وما كشفت عنه التحقيقات من قيام المنظمات الامريكية خصوصا بانتهاك السيادة المصرية، ومن انشطة تهدد مباشرة الامن القومي المصري، وتعتبر من أعمال التجسس الصريحة، وهو ما دفع السلطات المصرية الى احالة القضية الى القضاء وتقديم المتهمين الى المحاكمة من بينهم 19 أمريكيا وأجنبيا.
الآن، ماذا كان رد الفعل الامريكي على هذه التطورات؟
رد الفعل الأمريكي كما عبر عنه المسئولون الامريكيون في الخارجية والبيت الأبيض ووزارة الدفاع والكونجرس، اتخذ أبعادا محددة.
بداية، شن الامريكيون هجوما عنيفا على الحكومة والسلطات المصرية والاجراءات التي اتخذتها، واعتبروا ان ذلك بمثابة «حرب على المجتمع المدني» وتهديد للديمقراطية والحريات.. إلى آخر هذه الشعارات الفارغة.
من ناحية أخرى، تعامل المسئولون الأمريكيون مع الحكومة المصرية كما لو كانت قد ارتكبت جريمة لا تغتفر بشكل عام، وفي حق العلاقات مع امريكا بصفة خاصة. نواب في الكونجرس اعتبروا ان ما قامت به السلطات المصرية «صفعة للأمريكيين». وأحد النواب قال: «هذه ليست طريقة يعامل بها حليف».. وهكذا.
وبالطبع، ترافق مع هذا اطلاق تهديدات يومية تقريبا بـ«قطيعة» بين البلدين، وبوقف المساعدات الامريكية لمصر.
وما الذي يريده الأمريكيون؟
يريدون من السلطات المصرية ببساطة ان تلغي كل الإجراءات القانونية والقضائية التي اقدمت عليها، والتي اتخذت بحق المنظمات الامريكية والامريكيين المتهمين، وان تلغي قرار حظر سفرهم، وتسمح لهذه المنظمات باستئناف عملها وكأن شيئا لم يكن.
ماذا يعني هذا الموقف الأمريكي؟ ما الذي يكشف عنه؟
قبل كل شيء، الموقف الأمريكي على هذا النحو يفضح كل دعاوى امريكا المتعلقة بالحرص على الديمقراطية، وبترسيخ القيم الديمقراطية وما شابه ذلك.
الذي تطلبه امريكا من السلطات المصرية هو ان تدوس ببساطة على القانون وعلى القضاء المصري فقط لأن أمريكا تريد ذلك.
احترام القانون وسيادة القضاء وأحكامه هي في صلب قيم واسس الديمقراطية. لكن هذا بالضبط هو ما لا تريده امريكا.
وما تطالب به أمريكا على هذا النحو هو في حد ذاته يؤكد ان التهم التي وجهتها السلطات المصرية الى المنظمات الامريكية والعاملين فيها هي تهم صحيحة تماما.
فكما سبق أن كتبت بهذا الخصوص، لو لم تكن هذه المنظمات مدانة، ولو لم يكن العاملون فيها متورطين في قضايا يجرمها القانون، ما الذي يضير امريكا في ان يخضعوا لمحاكمة عادلة تدينهم او تبرئهم؟
ولا تخفى بالطبع الغطرسة والعنصرية الامريكية الكريهة التي ينطوي عليها موقف المسئولين الامريكيين على هذا النحو.
امريكا ببساطة بموقفها هذا ومطالبها هذه تريد ان تضع منظماتها المشبوهة المتآمرة، وتريد ان تضع الامريكيين العاملين فيها والمتورطين في الجرائم التي حددتها السلطات المصرية، فوق القانون المصري وفوق القضاء المصري وفوق السيادة الوطنية المصرية وخارج أي حساب او عقاب مهما ارتكبوا من جرائم.
وفي المحصلة النهائية، تريد امريكا من الحكومة والسلطات المصرية ان ترضخ وان تقبل بأعمال اجرامية، وانتهاك فاضح للسيادة المصرية، بل بتآمر صريح وأنشطة تجسس تنال من امن البلاد ووحدتها. تريد من الحكومة المصرية ان تقبل هذا فقط تحت ضغط التهديد والابتزاز السياسي، أي بالارهاب السياسي الصريح.
بطبيعة الحال، موقف امريكا وتصرفها على هذا النحو هو بمثابة اختبار ارادات. تريد ان تختبر ارادة السلطات المصرية الجديدة في العهد الجديد بعد ثورة 25 يناير.
بعبارة أخرى، هذه القضية اصبحت اليوم اختبارا للصراع بين ارادتين.. ارادة الارهاب الامريكي بفرض التآمر وانتهاك السيادة على السلطات المصرية.. والارادة الوطنية المصرية.. ارادة الاستقلال والاصرار على حماية السيادة والأمن الوطني والمصلحة الوطنية المصرية.
الأمر الجيد جدا انه حتى الآن رفضت الحكومة والسلطات المصرية الرضوخ لكل هذا الارهاب السياسي الذي تمارسه امريكا وكل الضغوط التي تمارسها و التهديد بوقف المعونة الامريكية وما شابه ذلك من تهديدات، وتصر على المضي في القضية حتى النهاية وفتح كل ملفات هذه المنظمات وفضح ما تفعله.
هذا هو النهج الوطني الواجب اتباعه. فحين يتعلق الأمر بقضايا تمس السيادة وتهدد امن البلاد الوطني، ليس مقبولا الرضوخ لهذا الارهاب السياسي الامريكي.