الجريدة اليومية الأولى في البحرين



.. فأي نهضة نحقق؟!

تاريخ النشر : الاثنين ١٣ فبراير ٢٠١٢

صلاح عبيد



أرسل إلى أحد الأصدقاء يقول: ((الفرق بين البلدان الفقيرة والغنية لا يعود إلى قدمها في التاريخ، فمصر والهند يفوق عمر كل منهما 5000 عام وهما دولتان فقيرتان، بينما كندا واستراليا ونيوزيلندا لم تكن موجودة قبل 150 سنة لكنها على الرغم من ذلك دول متطورة وغنية. ولا يمكن رد فقر أو غنى الدول إلى مواردها الطبيعية المتوافرة، فلليابان مساحة محدودة حيث إن 80 في المائة من أراضيها عبارة عن جبال غير صالحة للزراعة أو لتربية المواشي، لكنها تمثل ثاني أقوى اقتصاد في العالم، فهي عبارة عن مصنع كبير عائم، يستورد المواد الخام لإنتاج مواد مصنعة يصدّرها إلى كل أقطار العالم. مثال آخر هو سويسرا، فعلى الرغم من عدم زراعتها للكاكاو فإنها تنتج أفضل شوكولاتة في العالم، ومساحتها الصغيرة لا تسمح لها بالزراعة أو بتربية المواشي لأكثر من أربعة أشهر في السنة إلا أنها تنتج أهم منتجات الحليب وأغزرها في العالم. إنها بلد صغير ولكن صورة الأمن والنظام والعمل التي تعكسها جعلتها أقوى خزنة في العالم)).
وأضاف: ((لم يجد المديرون في البلاد الغنية من خلال علاقاتهم مع زملائهم من البلدان الفقيرة فروقا تميزهم من الناحية العقلية أو من ناحية الإمكانات عن هؤلاء في البلاد الفقيرة. اللون والعرق لا تأثير لهما، فالمهاجرون المصنفون كسالى في بلادهم الأصلية هم القوة المنتجة في البلاد الأوروبية!.. أين يكمن الفرق إذاً؟.. يكمن الفرق في السلوك المتشكل والراسخ عبر سنين من التربية والثقافة. عند تحليل سلوك الناس في الدول المتقدمة نجد أن الغالبية يتبعون المبادئ التالية في حياتهم: أولا: الأخلاق كمبدأ أساسي، ثانيا: الاستقامة، ثالثا: المسئولية، رابعا: احترام القانون والنظام، خامسا: احترام حقوق باقي المواطنين، سادسا: حب العمل، سابعا: حب الاستثمار والادخار، ثامنا: السعي إلى التفوق والأعمال الخارقة، تاسعا: الدقة)).
واستطرد قائلا: ((في البلدان الفقيرة لا يتبع هذه المبادئ سوى قلة قليلة من الناس في حياتهم اليومية. نحن لسنا فقراء بسبب نقص في الموارد أو بسبب كون الطبيعة قاسية معنا، بل نحن فقراء بسبب عيب في السلوك، وبسبب عجزنا عن تعلم المبادئ الأساسية التي أدت إلى تطور المجتمعات وغناها)).
واختتم رسالته بالقول: ((إذا لم ترسل هذه الرسالة إلى شخص آخر فلن يحدث لك شيء تكرهه، إذ لن ينقص شيء من حياتك ولن تمرض ولن تموت، لكن إن كنت تحب بلدك دع هذه الرسالة قيد التداول بين أكبر عدد من المواطنين، لعل هذا يدعوهم إلى التفكير ومن ثم العمل والتغيير)) انتهت.
أقول: كل ما ورد في هذه الرسالة صحيح ويجب علينا أخذه بعين الاعتبار والاهتمام إذا أردنا أن نتقدم حضاريا وإنسانيا، لكن أيضا يجب علينا أن نضيف إلى ما سبق أن بين أيدينا ما ليس لدى الأمم الأخرى وهو ديننا الإسلامي الذي يضبط السلوك ويقوّم الأخلاق ويأمر بالجد في العمل وبالإخلاص والتفاني فيه، ويكفل حقوق البشر كافة، من دون نقصان، ويضع حدودا تمنع تعدي أي شخص على حقوق الآخرين، ولو أننا تمسكنا بمبادئه القويمة وتعاليمه الرفيعة لاستقام أمرنا كله في الدنيا والآخرة. شيء آخر مهم جدا يجب أن نضعه في اعتبارنا، هو أن الأمم المتقدمة لم تصل إلى ما وصلت إليه إلا بعد أن وضعت لنفسها مشروعا وطنيا عمليا هدفه الارتقاء بمستواها وبمستوى شعوبها، وهو مشروع نهضوي شامل لكل قطاعات الحياة وفي مقدمتها التعليم والاقتصاد والبحث العلمي، فهذا الثالوث هو الأساس الذي تقوم عليه نهضات الأمم، ومن المؤسف أن دولنا العربية والإسلامية لا تملك مشروعا حضاريا وطنيا تلتف حوله جماهير الشعوب، ولا تهتم بالتعليم ولا بالبحث العلمي، ولا تهتم بنقل التكنولوجيا وتوطينها في ديارنا، ولا توجه استثمارات أموال صناديقها السيادية لتنمية ودعم اقتصادات بلداننا إنما توجهها لدعم وتنمية اقتصادات الدول المتقدمة!.. فأي نهضة يمكننا أن نحقق؟!



salah_fouad@hotmail.com