التحقيقات
بسبب الأحداث.. مشاريع معلقة.. وأخرى معوقة
تاريخ النشر : الثلاثاء ١٤ فبراير ٢٠١٢
تأثر الوضع الاقتصادي البحريني كثيرا خلال الأحداث الأخيرة في عام 2011 مما أدى إلى انخفاض تدفقات الاستثمارات الأجنبية وعدم قدرة الاقتصاد على تحقيق معدلات نمو مقارنة بالتي تحققت في السنوات السابقة حيث انخفضت نسبة الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة من 6,7% في عام 2006 إلى 4,5 في عام 2010 بالإضافة إلى انخفاض التصنيف الائتماني للبحرين من (إي) إلى (بي بي) مع زيادة كلفة الإقراض.
وقد أكد وزير المالية الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة أن البحرين قامت بالأخذ بحزمة من السياسات والتدابير الاحترازية من شأنها الحفاظ على معدلات جدية للنمو الاقتصادي وضمان سلامة واستقرار البلاد المالي. وأهمها قيام مصرف البحرين المركزي بدوره الرقابي على المؤسسات المالية في الوقت الحالي للتأكد من الاستقرار المالي للملكة، عن طريق إعداد التقارير الداخلية للمصرف، وزيادة الإنفاق الحكومي لتغطية تراجع استثمارات القطاع الخاص واخذ الحيطة والحذر والعمل على السيطرة والتحكم في الإنفاق العام وعدم زيادة المديونية وخاصة مع زيادة كلفة الإقراض.
وقد أكد الاقتصاديون ورجال الأعمال لـ «أخبار الخليج» أهمية الإنفاق على مشاريع البنية التحتية لما لها من أهمية على المجتمع البحريني وترشيد الإنفاق على مصاريف بعض كبار المسئولين المعتمدة على البذخ وخاصة في الشركات الحكومية، بالإضافة إلى أهمية إنشاء شركات صغيرة ومتوسطة ودعم القطاع الخاص من اجل تهيئة فرص عمل وتعويض خسارة تدفق المستثمرين الأجانب للبحرين، بينما اعتبر البعض أن الحذر في الإنفاق يؤخر عجلة التقدم التي يجب أن تستمر في الوقت الحالي، ويجب تدريب الكوادر البحرينية وإنشاء المشاريع التي تعمل على إنعاش السوق البحريني ومراقبة الوضع المالي للسوق وإصدار تقارير تطمينية للمستثمرين ومنحهم كثيرا من التسهيلات للانخراط في السوق بقوة جاء ذلك خلال التحقيق التالي.
ترشيد مصاريف المسئولين
د. جعفر سبت (خبير مصرفي واقتصادي) يقول: من الطبيعي أن أي دولة تعاني عدم الاستقرار السياسي يتأثر اقتصادها بموجة هبوط معينة ولا يمكن أن نستثني البحرين من هذه الظاهرة، التي تواجه حالة اضطرابات اجتماعية سياسية، لكن التخوف من تأثر الخدمات التي تقدمها الحكومة إلى المجتمع مثل الخدمات الصحية والتعليمية والمعيشية وغيرها من مشاريع البنية التحتية لان ذلك سيفاقم المشكلة نتيجة التبعات التي تنتج عن سوء الخدمات الصحية أو التعليمية أو الاجتماعية والبلديات.
وذلك يجعل كثيرا من المشاريع إما معلقة أو معوقة ولكن تصريح وزير المالية بأنه سيكون هناك استمرار وزيادة الإنفاق الحكومي على البرامج الداعمة للأسر المحتاجة والمرافق الحيوية ومشاريع البنية التحتية ولكن بحذر للتحكم في الإنفاق وعدم زيادة المديونية يدل على تصرف وزير المالية الحاذق في مجال الاقتصاد من أجل ترشيد الإنفاق وحل المشاكل الاقتصادية بذكاء.
كذلك يمكن ترشيد الإنفاق من خلال التقليص في المصاريف الخاصة بكبار موظفي الدولة فيما يخص تجهيزات مكاتبهم أو سفراتهم غير الضرورية لانها تصرف عليها مبالغ هائلة وهذا بحد ذاته يؤثر على أداء المسئول الذي ينشغل بالمكوث بمكتبه بدلا من متابعة مشاكل الناس عن كثب.
كذلك يمكن أن يؤثر معدل الكفاءة بالإنفاق الحكومي على ميزانية الدولة بحيث يتم الإنفاق على مشروع معين بصورة صحيحة في الوقت المحدد وتسليم المشروع في الوقت المناسب لإدخاله عجلة الإنتاج، فمثلا هناك بعض الشركات الحكومية امتهنوا القائمين عليها بإعداد دليل موارد بشرية خاصة بهم بكوادر ورواتب خاصة عالية جدا تقارن بالوزراء نتيجة البذخ الحكومي في هذه الشركات وظهور تقارير ملمعة لا تظهر نجاح عمليات الربح.
وأضاف سبت: كذلك يجب على البنك المركزي أن يراقب البنوك التجارية التي تمتلك مخالفات عديدة، منها عدم توافر السعر الواحد للخدمات المقدمة للمواطن مثل سعر دفتر الشيكات الذي يباع في أحد البنوك بـ10 دنانير والآخر بـ5 دنانير والأخير بـ3 دنانير، ونسبة الاقتراض التي تتراوح في البنوك من 1 إلى 2 أو 3%، كذلك بعض البنوك تتعاطى أقساطها قبل موعدها المحدد بينما العقد يجب أن يكون من بداية أول شهر بينما أحيانا تأخذه قبل 9 أيام وهذا يعتبر في صالح البنك لأنها تأخذ فائدة سنتين أكثر من دون وجه حق من المواطن.
استمرار عجلة التقدم
وأكد علي المسلم: (رجل أعمال) استمرار عجلة التقدم والتطور وعدم التخوف من المستقبل لأن الأسعار التي كانت في الماضي بمعدلات معينة ارتفعت 3 أضعاف في الوقت الحالي، لذلك يجب على الحكومة عدم التخوف من الدين المستقبلي وان نغتنم الفرص ونعمر بما لدينا من أموال، لان المواد الاستهلاكية ستتضاعف أسعارها في المستقبل، ويجب عدم التخوف من الدين المستقبلي لان كل شيء سيعالج في أوانه، والدولة التي طورت من نفسها في القرن الماضي، أصبحت في حال أفضل في الوقت الحالي، بدلا من الدول التي احتفظت بأموالها خوفا من المستقبل، على سبيل المثال دولة الإمارات العربية المتحدة، التي كانت تصرف الأموال على مشاريعها في الأزمة المالية حتى أصبحت بحال أفضل في الوقت الحالي.
كذلك الحالة المعيشية يجب تحسينها وعدم التوقف والاستمرار بما لدينا من طاقات حتى لا تتعثر الدولة وخاصة في ظل وجود الاتحاد الكونفدرالي مع المملكة العربية السعودية.
كذلك طالب المسلم الحكومة بدفع مستحقات المقاولين والنظر بنظرة تجارية للمستخدمين والمطورين البحرينيين وغيرهما ودفع مستحقاتهم خلال 3 أشهر وليس 9 أشهر. لان المقاول ملتزم بمصاريف أخرى يجب سدادها.
كذلك يجب فتح مشاريع جديدة وتدريب المواطن البحريني وعدم الاعتماد على الوافدين، وإنشاء صناعات جديدة لان هناك صناعات حقيقية يمكن أن تنشأ في هذه المنظومة. فاليابان لا تمتلك البترول ولكنها اهتمت بالموارد البشرية وصناعات أخرى مثل صناعة السيارات والماكينات.
وتساءل المسلم: لماذا اقتصرت الصناعة على الدول الأوروبية والدول المجاورة وأصبحت البحرين تعتمد على الغير؟ ولماذا لا نطور مناهجنا وأساليبنا في التعليم لتحدث قوة اقتصادية صناعية تعليمية على جميع المستويات؟
إما بالنسبة إلى تراجع تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى البحرين علق المسلم: اعتقد أن مساعدة المستثمرين البحرينيين للدخول في مجال الاقتصاد هو الأنسب والاستفادة من البيئة المحيطة في ذلك، مثل سنغافورة التي استفادت من البحر المحيط بها لإنتاج صناعات جديدة، لذلك يجب الاستفادة من البحر بالنسبة إلى البحرين لأنها رائدة في هذا المجال، ويمكن إنشاء مصانع صغيرة وورش صغيرة وتدريب المواطنين البحرينيين على تصنيع السفن ونحن نمتلك ورشة البحرين الهندسية ويمكن تدريب الطلبة فيها فهي تصنع لشركة بابكو وبعض الشركات كثيرا من الأمور، فلماذا لا تتطور وتكون نواة لصناعة السفن في البحرين وصناعة المكائن الصغيرة والمحركات ويجب دعم هذه الورشة حتى تخدم البلاد ويجب دعم المخترعين لإنشاء مشاريع صغيرة وكبيرة ومشاركة القطاع الخاص في ذلك.
إيجاد فرص عمل
د. خالد عبدالله (اقتصادي) علق قائلا: إن ما تطرق إليه وزير المالية من الإنفاق بحذر يدل على استيعاب الوزير للمشكلة التي تواجه البلاد مع حفظ زيادة الإنفاق، التي لن تكون في دعم الأسر المحتاجة، وفي ظل تراجع الاستثمار الخارجي نحن بحاجة إلى دعم الأنشطة التجارية والصناعات الصغيرة والمتوسطة في البلاد لما لها من دور في تهيئة فرص العمل ودعم المؤسسات التي تواجه صعوبات وينتج عنها أعداد ملحوظة من الوظائف. ومن المهم أن يكون هناك تمحيص في الإنفاق وكنت أتمنى أن يعلن كيف سيتم إنفاق الدعم الذي حصلت عليه البحرين من دول مجلس التعاون، لانه يجب أن تكون هناك أولوية في الإنفاق منها برامج الإسكان والبنية التحتية وإيجاد وظائف جديدة ليس للعمالة الوافدة فقط، ويجب أن تكون هناك تدخلات من الحكومة من خلال تمحيص الإنفاق ودراسة الفائدة التي تتمناها وتوفر فرص عمل جديدة للموا طنين، وتدعم القطاعات والورشات الصغيرة والمتوسطة التي بها نوع من الكثافة العمالية.
وأضاف: أعتقد أن الاستمرار في الاقتراض يزيد معدلات الدين العام ووجود زيادة في فترة السداد يوجد وضعا صعبا في المستقبل لذلك فضل الوزير الحذر من ذلك، وأتمنى خلال الفترة القادمة أن تكون هناك انفراجات تهيئ أجواء واستقرارا يرجع تدفق الاستثمارات الخارجية.
مراقبة الوضع المالي
ويقول عثمان الريس (الأمين المالي وعضو مجلس إدارة غرفة وتجارة وصناعة البحرين): إن وزير الإسكان يراقب الأوضاع عن كثب وهو موجود على أرض الواقع من خلال متابعته مصرف البحرين المركزي منذ بداية الأزمة المالية العالمية واعتقد أن استمرار الأوضاع بالنسبة إلى الأحداث التي بدأت من 2011 جعلت البحرين تكون حذرة في مراقبة الإنفاق الحكومي نتيجة العجز الموجود في الميزانية التي تم اعتمادها في 2011 و2012، إلا أن ارتفاع أسعار النفط التي أصبحت أعلى من معدل نقطة التوازن في المصروفات والإيرادات (سعر النفط في الموازنة اقل من السعر الحالي للنفط) يعتبر ايجابيا ومساعدا للحكومة ويمكن إن يحافظ على التصنيف الائتماني ومعدل النمو الاقتصادي وكذلك يمكن الاستفادة من العشر مليار دولار بمعدل مليار دولار سنويا لرفع الاقتصاد كذلك الدول الخليجية التزمت بنهجها بالنسبة إلى المشاريع التنموية والبنية التحتية وهذا بحد ذاته يساعد على التخفيف من لجوء البحرين إلى الاقتراض وتخفيض الدين العام، ومن المهم مراقبة الإنفاق الحكومي لتفادي الاقتراض لأن زيادة الاقتراض ستسهم في زيادة العجز في الموازنة وأيضا زيادة فوائد الدين العام للحكومة مما يشكل عبئا على البحرين، لذلك يجب تخفيف الدين العام، وبالنسبة إلى تراجع الاستثمارات الأجنبية يجب من الآن أن يكون هناك تفكير جدي وفرض الإجراءات الكفيلة بتسهيل دخول الاستثمارات من خلال إعطاء بعض الحوافز أيضا وعدم تصديق بعض القوانين أو إصدار قرارات تسهم في فرض تكلفة إضافية على المستثمر لتشجيع الكوادر البحرينية على الاستثمار وتوفير بيئة مشجعة للاستثمار وخاصة في ظل تأجيل بعض المستثمرين مشاريعهم نتيجة عدم وضوح الرؤية للمستقبل.
كذلك يجب على وزارة المالية والمصرف المركزي مراقبة الوضع الحالي في البلاد وإصدار التقارير عن الوضع المالي والتصنيف الائتماني لتوضيح الوضع للمستثمرين الخارجيين والمحليين من اجل تطمينهم على الوضع الحالي.
أما بالنسبة إلى وضع البنوك فلا اعتقد أنها تأثرت والدليل أنها تقدم فائدة متدنية للمودعين، وهذا يعني أن البنوك تمتلك سيولة جيدة وبالتالي ليست مضطرة إلى إعطاء فوائد كبيرة . وهذا عامل إيجابي ويجب على وزارة المالية والبنك المركزي الدفع في اتجاه منح رجال الأعمال تسهيلات لإقامة مشاريعهم المتوسطة والصغيرة.
تحسين الرواتب
عمران الموسوي (اقتصادي) يقول: أنا لا أؤيد القروض الاستهلاكية لأنها كالمرض الخبيث وتعتبر مسكنات وقتية لحل المشاكل، ولأن حل المشكلة آنيا ومؤقتا يخلق مشكلة دائمة وتداعيات الاقتراض سلاح ذو حدين الشق الأول مطمئن ومسكن، ولكن على المدى البعيد فهي خطوة فاشلة ولا تصب في مصلحة الناس، والمشكلة في البحرين تجعل الحكومة بين المطرقة والسندان إذا لم تساعد الناس لاموها وإذا وفرت السيولة من الاقتراض تتحمل أعباء جديدة على كلفة الاقتراض وقللت من تصنيف الاقتراض الائتماني، لذلك يجب على الحكومة ألا تعود الناس على الدعم والعلاوات والحوافز مما يجعل الشعب كسولا والحل في تحسين الرواتب وتوفير حياة كريمة للناس، لأن القروض مسكنات أثبتت فشلها في البحرين والخليج.
والحكومة في وضع لا تحسد عليه إذا قلت الاستثمارات الخارجية تعاني من شح السيولة وقلة الأعمال وتتآكل من الداخل، والحل الوحيد للخروج من الأزمة هو المصارحة بين الأطراف والبعد عن التمييز الطائفي وتشجيع ودعم المستثمر البحريني وإقامة المشاريع لإيجاد وظائف تستوعب الكوادر البحرينية المؤهلة والمتوسطة لأن النمو السكاني يفوق الناتج المحلي وبالتالي يكون هناك خلل في المجتمع.
تحريك القطاع الخاص
وأكد عبداللطيف جناحي (رئيس مجلس إدارة شركة الصفوة الدولية للاستشارات الاقتصادية) تضرر السوق البحريني كثيرا وقال: في البداية كنا نعتقد أن دعم الحكومة لتجار التجزئة هو الحل، ولكن بعد مرور سنة مازلنا في نفس المكان وتراكمت خسائر كبيرة على القطاع الخاص، ولو أجرى البنك المركزي إحصائيات لاتضحت الصورة أكثر، ولكن المشكلة هنا ذات شقين (هل تصرف الحكومة وتدعم، أو تنتظر والزمن لا يحل المشاكل، وخاصة أن تأثر الاقتصاد بالأوضاع الأخيرة يؤثر على أي بلد، لذلك صرح الوزير بضرورة الحذر في الإنفاق، ولكنه اتجه إلى الإنفاق على البنية التحتية، ولكن هناك مخاطرة لا يمكن تجاوزها من الناحية المالية، لذلك لا يمكنه أن يضخ السيولة بكرم لأنه خط إلا رجعة ولكنه يحتاج إلى برنامج لضخ السيولة بحسب الأهمية للضخ في القطاعات. فهناك قطاعات متعطلة منذ الأحداث.ظ
أما بالنسبة إلى تراجع تدفق الاستثمار إلى البحرين فهو يرجع إلى سوء النظرة الخارجية للبحرين نتيجة الأحداث الأخيرة وهذا يحتاج إلى جهد إعلامي من اجل تحسين صورة البحرين لجذب المستثمرين، ويجب تحريك القطاع الخاص وضخ المساعدات في شرايين الاقتصاد بطريقة صحيحة بحسب الأولويات وإنشاء صناعات خفيفة وإيجاد فرص عمل، لان كثير من الدول 85% من الأيدي العاملة تعمل بها في الصناعات الخفيفة والمتوسطة.