من ذاكرة السينما مدينة مايكل مان المأزومة
تاريخ النشر : الثلاثاء ١٤ فبراير ٢٠١٢
حسن الحداد
في فيلم (Collateral) يقدم لنا المخرج الأمريكي «مايكل مان» مدينة لوس أنجلوس، كمكان صاخب بالأنفاس المشغولة بجمع المال، يلتقط شخوصاً بكاميرته المشحونة بالتفاصيل، ويأخذنا في جولة ليلية قاتمة مزينة بأضواء النيون ومصابيح الشوارع.. حيث يملؤها بالعنف والخراب.
يتناول هذا الفيلم شخصيتين يقودهما القدر إلى ذلك اللقاء العفوي.. الأولى هي ماكس (جيمي فوكس) سائق التاكسي الأسود والحالم بالهرب من المساحة الخانقة في هذه المدينة الكبيرة.. أحلام بإنشاء مشروع سياحي في جزيرة صغيرة.. ويهيئ نفسه لتصميم مشروع حلمه بامتلاك شركة ليموزين فارهة.. حلم شاب فقير في مدينة كبيرة.. بل أحلام طبقة واهمة، حيث يبلغنا الفيلم بأنها أحلام مستحيلة، لن يستطيع هذا البسيط تحقيقها، ولن يكف هو أيضاً عن حلمه هذا لكونه حالما يائسا يدخر كل دولار يكسبه من صنعته هذه. وبلقائه الصدفوي بالمحامية السوداء عندما يقلها في سيارته التاكسي ويحدث بينهما ألفة سريعة، يتأكد لديه هذا الإحساس بالتفاؤل، هذا اللقاء مع العابرة ليلاً شوارع المدينة الكبيرة يفشي بنوع من الغموض والتوتر للسائق البسيط.. هذا بالرغم من أنه يأمن ويألف لقاء العابرين.
الشخصية الأخرى هي لفنسنت (توم كروز).. هذا القاتل في ليل لوس أنجلوس، والذي يحمل ملامح جامدة، يستقل صدفة تاكسي ماكس البسيط، لتبدأ رحلة كابوسية للشخصيتين.. ماكس السائق، وفنسنت القاتل المحترف.. يستقل ماكس وسيارته لتوصيله إلى خمسة عناوين في هذه المدينة المأزومة.. عناوين يسكنها ضحاياه المنتظرين موتهم على يده، لم يشك ماكس في نواياه حتى تسقط من السماء أولى الجثث المفترضة فوق سقف سيارته، ليدرك ما ينتظره في تلك الليلة المشئومة.. وتتأكد لديه نوايا هذا القاتل عندما يرغمه على مواصلة هذه الرحلة الليلية الدموية.. حيث نرى أن شخصية ماكس قد أحبها فنسنت وراقت له.
هنا نستشف بأن الشخصيتين (ماكس) و(فنسنت) وجهان لعملة واحدة، أو لنقل لمدينة واحدة.. بطلان وحيدان يعيش كل منهما عزلته على طريقته، وليصبحا متلازمين ومتوازيين قسرياً. ومن خلال أحداث مليئة بالحركة والعنف والتشويق، يأخذنا مايكل مان للبحث عن مكنونات شخصياته التي يحملها أبعاداً إنسانية وسيكولوجية، أبعاد مليئة بالمشاعر، وليست مجرد آلات قتل جامدة.. نرى كيف تتطور علاقة الشخصيتين.. تتأزم وتسترخي في سجال كوني استثنائي.
أفلام الأمريكي مايكل مان لها طابعها المميز دوماً.. فهو ينقل لنا هذا الكم من العنف، عبر كاميرا محمولة للمشاهد الخارجية، يحملها بنظرة تجريدية شاعرية في آن واحد، وتنجح في تقديم تفاصيل صغيرة ولكنها مهمة تؤكد ضرورة تألق شخصياته الرئيسية.
في (Collateral) يتألق جيمي فوكس أمام توم كروز، ليقدم أحد أفضل أدواره في فيلم مليء بالجاذبية عبر تلك الرحلة الليلية المشحونة بالمعاني والدلالات في تلك المدينة الصاخبة.