محطات
السيدة الحـديدية
تاريخ النشر : الثلاثاء ١٤ فبراير ٢٠١٢
بدأ مؤخرا عرض فيلم «السيدة الحديدية» الذي تدور أحداثه حول رئيسة الوزراء البريطانية الأسبق مارجريت تاتشر. إن أهم سمة يمتاز بها هذا الفيلم هو أنه كل من يشاهده سواء من مؤيدي تاتشر أو من مناهضيها يخرج مشوشا أكثر من ذي قبل لما واجهه من إشكاليات يطرحها الفيلم. أما أولئك الذين لا يعرفون شيئا عن السيدة الحديدية أو أولئك الذين لا يكترثون بها البتة فإنهم سيخرجون بعد مشاهدة الفيلم أيضا مشوشي الفكر والذهن، لكن لأسباب أخرى مختلفة. إن كل من عاش في فترة الثمانينيات من القرن العشرين أو كان يواظب على قراءة الصحف أو يستمع بانتظام لأغاني موسيقى البوب في العالم الغربي كان له موقف من رئيسة الوزراء البريطانية. لقد كان أتباع اليمين الايديولوجي يرون في تاتشر في تلك الحقبة التي سبقت نهاية الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار المعسكر الشيوعي بطلة حقيقية، بل إنهم كانوا يعتبرونها أكثر بطولة من الرئيس الأمريكي الأسبق الذي عاصرها في تلك الفترة رونالد ريجان. أما أتباع التيارات اليسارية سواء في المملكة المتحدة أو في الغرب فقد كانوا يرون في مارجريت وحشا حقيقيا. قد تكون هناك بعض المشاعر المتباينة بين هذين الموقفين المتباعدين غير أن تاتشر نفسها لم تكن تأبه كثيرا لمنتقديها. رغم إبداع الممثلة ميريل ستريب في لعب دور البطولة فإن النقاد يعتبرون أن الفيلم لم يرسم صورة ذات مصداقية للسيدة الحديدية مارجريت تاتشر. عندما سأل طبيب العجوز مارجريت تاتشر عن شعورها جاءته إجابة سريعة حيث ان السيدة الحديدية راحت تلقي على أسماعه محاضرة مطولة عن المشاعر المفرطة في الثقافة الحديثة كما أنها راحت تدافع عن قوة التفكير. أكدت تاتشر أن قوة الأفكار هي الشيء الأكثر أهمية، أعتقد أن الكثير من الناس من مختلف الشرائح العمرية قد يتفقون معها. تولت فيليديا الليود إخراج فيلم «السيدة الحديدية» الذي قامت ابي مورجان بكتابة السيناريو. رغم أن الفيلم يعطي الانطباع بأنه يهتم بما تقوله مارجريت عن أهمية قوة الفكر في حياة الانسان فإن التركيز كان بالدرجة الأولى في الجوانب الدرامية من حياتها الشخصية، فالفيلم يظهر مارجريت تاتشر كأنها مصابة إلى حد ما بالخرف وهي تحن بين الحين والآخر إلى أمجاد الماضي وآلامه.
اعتمدت المخرجة على تقنية «الفلاش باك» من أجل تتبع مسيرة تاتشر منذ بداياتها الأولى المتواضعة حيث تستخدم في الفيلم عبارة «ابنة التاجر البسيط من ضاحية جرانثام» وهي لا تتوقف عن التعبير عن اعتزازها بجذورها المتواضعة في مسيرة قادتها إلى ترؤس الحكومة البريطانية وحزب المحافظين أعواما طويلة. لا شك أن هذه الجوانب تؤثر في كل من يشاهد الفيلم.
لقد تألقت النجمة السينمائية الأمريكية الكبيرة ميريل ستريب إلى حد كبير في تقمص شخصية مارجريت تاتشر حتى انها حاكتها في مشيتها البطيئة وخطواتها ومكياجها المحتشم الذي يناسب سنها وقد أكدت مرة أخرى علو كعبها في تمثيل مختلف الأدوار السينمائية الدرامية وتقمص مختلف الشخصيات المثيرة للجدل. تألقت ميريل ستريب فساعدت المشاهد على الغوص في داخل السيدة الحديدية. إن الفيلم هو قبل كل شيء عمل سينمائي متميز يروي قصة سيدة أرملة وأم شبه مهجورة كما أنها كانت في فترة الثمانينيات من القرن العشرين واحدة من أقوى النساء في القرن الماضي بأكمله.
هل كان يمكن للمخرجة أن تصور شخصية رجالية بمثل هذه الطريقة؟ أعتقد أن المخرجة فيليديا الليود وكاتبة السيناريو ابي مورجان قد أرادتا أن تمسكا بالعصا من النصف، فقد حرصتا من ناحية أولى على إبراز شخصية السيدة الحديدية مارجريت تاتشر وتصويرها أنها بطلة وسياسية محنكة غير أنهما من جهة ثانية تصورانها رغم ما بلغته من شهرة ومكانة امرأة غير مكتملة بالمقاييس الغربية للأنوثة. في أول يوم لها كعضو في البرلمان تظهر مارجريت تاتشر في مشهد وهي تغادر منزلها على متن سيارتها فيما يلاحقها أطفالها ويترجونها ألا تذهب وأن تبقى معهم، غير أنها لم تأبه لهم. لقد أرادت المخرجة وكاتبة السيناريو أن تقدما لنا السيدة الحديدية في الحياة العائلية قبل أن تصبح السيدة الحديدية في الحياة السياسية. بعدها تعلن مارجريت تاتشر أنها تنوي الترشح لتولي زعامة حزب المحافظين في اليوم نفسه الذي تمتحن فيه ابنتها كارول في اختبار السياقة كما أن زوجها وبخها لأنها انجرفت وراء السياسة ووضعت مصالحها الخاصة قبل أسرتها.