زاوية غائمة
الحبيب لا يضرب
تاريخ النشر : الخميس ١٦ فبراير ٢٠١٢
جعفر عباس
العسيرات بلدة صغيرة في محافظة سوهاج بجنوب صعيد مصر، وقد كانت مسرحا لمعركة بالأسلحة البيضاء والعصي والحجارة، أسفرت عن سقوط سبعة جرحى، ولولا تدخل الشرطة لارتفع عدد المصابين الى العشرات، لان المعركة كانت بين عائلتين كبيرتين، واشترك فيها العشرات من كل جانب، (هذه الواقعة كانت قبل سقوط نظام زوج سوزان، وتعمد الشرطة جعل الأوضاع الأمنية فالتة لأن ثورة 25 يناير جردتهم من سلطة البطش واللطش والشلوت والنبوت) وتسبب في القتال الضاري حمار، نعم ذلك الحيوان الذي يوصف بالغباء وينهق بصوت منكر، وما فعله ذلك الحمار هو انه عض حمارا آخر بدون مبرر مقبول، ومثل هذا الاعتداء يحدث حتى بين بني البشر، فالمعروف ان ابن آدم والعنكبوت فقط هما الكائنان اللذان يقتلان كائنا من جنسهما بلا سبب أو مبرر، في حين ان بقية الكائنات تقتل بني جنسها أو غيرها طلبا للطعام أو دفاعا عن النفس!! المهم الحمار عضّ الحمار، فما كان من أحد أفراد العائلة التي تملك الحمار المجني عليه، إلا ان قام بضرب الحمار الجاني، فتصدى شخص من عائلة الحمار الذي أشعل الفتنة، وضرب الشخص الذي ضرب الحمار الذي عض حمار العائلة الأخرى، وطبقنا طبق طبقكم يقدر طبقكم يطبق طبقنا زي ما طبقنا طبق طبقكم؟ وعندئذ انضم الى الشخصين أفراد عائلتيهما وبدأ الكر والفر، مما ادى الى سقوط عدد من الجرحى كانت حالة بعضهم خطرة، وأول ما يتبادر الى الذهن، هو انه ليس من المستغرب ان يروح بشر ضحايا خلافات بين حمارين طالما ان أولئك البشر صعايدة!! ولكن المنصفين فقط هم من سيقرأون بين السطور ويقولون ان الصعيدي لا يحب ما نسميه في السودان «الحقارة»، أي التعرض للإذلال والهوان، ولا يسكت على الحال المائل، فصاحب الهمة والكرامة يدافع عن ممتلكاته بنفس حماس دفاعه عن نفسه، ولهذا فان ابطال العبور في اكتوبر من عام 1973 كانوا من الصعايدة الذين كانوا يعرفون ان وجود الاسرائيليين في الضفة الشرقية من قناة السويس «عيب» لأنه ينتهك كرامة وشرف وسيادة مصر ولا يعرفون اكثر من ذلك أي أنهم لم يسمعوا بوعد بلفور ولا ذاقوا «البيتي فور».
والشاهد هو ان قبول الهوان الجزئي يؤدي الى قبول الهوان الكامل، وتعجبني مقولة الزعيم الشيوعي فلادمير لينين ان «من يسقط يسقط عموديا»، يعني من باع ذمته - مثلا - متعللا بأنه كان مزنوقا، سيبيعها مرارا، لأنه كما قال الشاعر: من يهن يسهل الهوان عليه / ما لجرح بميت إيلام!! ومن لا يردّ على من يبصق عليه يتعرض للصفع من الباصق، ومن يقل ان ضرب الحبيب ألذ من الزبيب فهو خانع وخائب وفاشل وذليل، فلو كان الضارب يستحق مسمى حبيب لما قام بالضرب أصلا، ولنفترض انك مخطوب لواحدة وضربتك واستمتعت بالضرب بحجة الحب، ولأن ذوقك تالف وتعتقد ان الزبيب لذيذ، ماذا تتوقع منها بعد الزواج؟ وتخيل انك كنت تجلس مع اصدقاء في مقهى تشفط دخان الشيشة فجاءت زوجتك التي تحبها جدّا وامسكت بخرطوم الشيشة ونزلت به على رأسك!! هل ستصيح: الله الله تاني كمان يا ست الحبايب؟ الخلاصة هي ان مقولة ان ضرب الحبيب لذيذ تجسد انهزاميتنا، وكم من زوجة تسكت عن عدوان الزوج لتستر عائلتها وهي تعلم ان ضرب الحبيب المفترض أسوأ طعما من الصبار المخلوط بزيت الخروع، وكم مرة داست فيها امريكا وأخواتها كرامتنا فابتلعنا الإهانة ومعها كرامتنا بمنطق ان ضرب الحبيب ممتع؟؟
jafabbas19@gmail.com