الثورة السورية
ليست سحابة صيف
 تاريخ النشر : الجمعة ١٧ فبراير ٢٠١٢
بقلم : محيي الدين بهلول
الشعب السوري اليوم يصارع الجبال بصدور مفتوحة وهذه الجبال من ورائها وديان والمعنى في الجبال والوديان دبابات وطائرات مقابل هتافات ومطالب مستحقة وبالمقابل من دون شفقة ينطلق رصاص قاتل وهدم بيوت وملاحقة لأي شيء يتحرك، كل هذا من اجل أن يتلذذ بعنفوان السلطة من يدعي انه حبيب الشعب، وساهر الليل على خدمته، كأن من يخاطب الشارع بمعدل دقائق ضمن النصر، وكأن عبارة الله اكبر عندما يطلقها معتقدا في قرارة نفسه انها ستكون له المنقذ، ولكن تبقى عبارة الله اكبر هي خير معين للذين إيمانهم بالله واعتمادهم عليه، لأنها دعوة للمظلوم وليست العكس.
أربعة عقود والجولان محتلة من دون أن تطلق رصاصة واحدة لتحريرها، وفي سوريا اليوم أعناق الناس على حد السكين وأياد مقيدة من الخلف، ووطن سلبت فيه الأصوات الجميلة وبساتين تبكي ثمارها حسرة، ومدن وقرى حولتهما الوحشية إلى أطلال ودم وبكاء، ورجال ونساء وأطفال يواجهون الموت في كل لحظة، قتلت النساء واصبحت أخريات أرامل والأطفال أصبحوا يتامى حتى ثيابهم مزقت، ثم الا يعلم هذا النظام انه استباح ارواح الأطفال واغتال براءتهم رغم طهارتهم، ونقاوتهم؟ فليس هناك شعب في العالم يرفض براءة الأطفال وليعلم كل من تسول له نفسه ان نهايته ستكون خارج اسوار الانسانية، عندها ستحسون ان ثمة شيئا في سوريا يتفاعل ويغلي ليقول لكم افتحوا الأبواب للحقيقة والواقع وأزيحوا جدار الصمت الذي انتم سبب في إقامته وتشييده فهل من مغيث لدمشق الفيحاء قلب العروبة النابض؟
الآن دعونا نذهب قليلا لنتحدث عن مدينة دمشق العاصمة الحالية، وعاصمة الامويين التاريخية، فقبل الفتح الاسلامي العظيم، عرفها العرب باسم دمشق وكان سكانها الاراميون، قد اطلقوا عليها (دار ميسق) لفظتان تعنيان الدار المسقية أو الأرض المسقية، وحور اليونان الاغريق والرومان، الذين احتلوها حينا من الدهر، اسمها إلى (داماسكس) كما ظهر في الاكتشاف الاثري الذي تم في سوريا عام ١٩٧٥م في موقع (تل مرديخ) قرب حلب، فتمت عن طريقه معرفة المزيد والمدهش من المعلومات عن (مملكة ايبيلا) تلك التي يعود تاريخها إلى ما قبل الفي عام قبل الميلاد والتي ورد ذكر اسمها عند اكتشافها على النحو التالي (ريماشكى) وهذا الاسم على مر التاريخ لم يتغير مع ان أهل سوريا دأبوا على أن يطلقوا على دمشق في حياتهم اليومية (الشام) التسمية ذاتها التي عرف بها العرب البلاد كلها، والمنتمي إلى دمشق هو (شامي) والجمع (شوام).
تحيط بدمشق من الغرب كتلة جبلية ومن شرقها صحراء (هي بادية الشام) ودمشق ما كان لها أن تتحول إلى رياض غناء لولا (نهر بردى)، فمنذ الألف الثالث قبل الميلاد ظهرت البيوت في هذه البقعة التي يسقيها (نهر بردى الصغير الرقراق) فلما انبعث الصوت الجديد الهادي في صحراء (مكة) وترددت أصداؤه في الجزيرة العربية كان قد آن لبلاد الشام أن ينطق لسانها بالعربية وان ينبض قلبها بالاسم العربي.
ولقد عانت دمشق كثيرا ويلات الحروب التي دارت على ساحاتها بين (الفرس والبيزنطيين) فهزم المسلمون الحكام الروم في جولة أولى، في معركة (اليرموك) الحاسمة وساروا بقيادة (أبي عبيدة بن الجراح) إلى دمشق منتصرين، فكان خالد بن الوليد قد نزل بجيشه على الباب الشرقي لدمشق ونزل عمرو بن العاص على باب توما وأما أبوعبيدة فقد نزل على باب الجابية غربا ونزل كل قائد على باب من أبواب دمشق الأخرى، ولما رأى قادة الروم ذلك قرروا طلب الصلح على الفور وطلبوه من أبي عبيدة الرابض بجيشه تجاه باب الجابية، فقبله القائد العربي وفتحت أبواب دمشق جميعها للمسلمين، فقد دخل خالد بن الوليد دمشق عنوة، ودخلها أبوعبيدة صلحا وكان ذلك يوم الأحد ١٥ من رجب عام ١٤ للهجرة.
إن من أروع ما شيده الأمويون في دمشق وخلده الزمن (كان الجامع الأموي) كما أنشأ المسلمون (سوق الحميدية) التي ذاع صيتها ولايزال. كما بينت (الكنية الحميدية) نسبة إلى السلطان عبدالحميد التي أصبحت فيما بعد نواة للجامعة السورية، ولاتزال فيها كلية الحقوق، كما بنى والي دمشق (ناظم باشا) قصرا له في المهاجرين (هو ما يسمى اليوم القصر الجمهوري العتيق) وتاريخ دمشق طويل لا ينتهي يحتاج إلى صفحات وصفحات، وان سوريا اليوم وما تعانيه من عدوان داخلي على شعبها بحاجة أولا إلى الحرية فهي تمثل حقوق الشعب وأقدسها والحرية بمعناها الواسع، الحرية من الذل والمهانة والاستعباد فالحرية تشمل كثيرا من الأمور التي تعنى بالإنسان كحرية الكلام والكتابة، ولا تختلف عن المساواة فهي متصلة بكرامة كل المواطنين والآن لابد لنا من العودة للحديث عن سوريا وما يجري بداخلها وحولها، شمالها وجنوبها، شرقها وغربها، فالثورة السورية اليوم تحمل سمات التغيير وهذا آت لا محالة حيث باتت الرؤى واضحة، وها هي اليوم الثورة السورية ترتكز مطالبها على التغيير الرامي في النهاية الى الإسهام في تحرير كرامة الإنسان العربي في سوريا.
إن الصورة المرئية اليوم هي ذات الصورة التي يريد المواطن السوري التغلب على مرارتها وحرقتها من اجل أمل واحد هو اشراقة المستقبل.
إن كفاح الشعب السوري هو رحلة نبيلة فيها من الشجاعة ما يشبه من يصمم على الصعود إلى قمة الجبل، وفق الله أبناء الشام رجالا ونساء وأطفالا وزادهم صبرا يتلوه نصر من اجل أن تعود سوريا الحقيقية للركب العربي كما كانت ابان الخمسينيات والستينيات.
.