الجريدة اليومية الأولى في البحرين


قضايا و آراء


القمة العربية في بغداد..
عدوان جديد على العراق

تاريخ النشر : الجمعة ١٧ فبراير ٢٠١٢



تعددت الروايات واختلفت التفاسير عن مغزى ومعنى انعقاد مؤتمر القمة العربية المقبل في بغداد، غير ان الشيء المؤكد في سياق هذه القضية الملتبسة، ان عقدها في العاصمة العراقية وفي هذا الوقت بخاصة يمثل عدوانا صارخا على عرب العراق الذين يحكمهم ويتحكم في مصيرهم شرذمة من الجلادين واللصوص والافاقين الذين جاءت بهم امريكا بوش الابن ونصبتهم رؤساء ووزراء ومسئولين وقادة اجهزة وجيوش وميليشيات وفرق موت، في تواطؤ مكشوف مع ايران خامنئي استهدف تدمير العراق وتقويض دولته الحديثة التي شادها العراقيون الاصلاء لبنة لبنة منذ عشرينيات القرن الماضي، وبذلوا في سبيلها الدم والجهود والتضحيات، ولاحظوا كيف يعمد الوافدون على العراق والمستوطنون في ارضه الى تغييب أسماء قادته وشخصياته ورموزه حتى ان احتفالات عيد تأسيس الجيش العراقي في السادس من يناير الماضي خلت من ذكر مؤسسه وقائده الاول الفريق جعفر العسكري او مجرد الاشارة إليه، بينما ظهر فيها نوري المالكي رئيس الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة وهو أقرب الى هيئة ديك منتوف الريش يتصنع المهابة علما انه - وهذه حقيقة مثبتة وموثقة في دائرة تجنيد مدينة «طويريرج» المنسوب اليها - متخلف عن أداء الخدمة العسكرية وسجله اسود باعتباره هاربا الى دولة العدو الايراني في نهاية عام 1980 باعترافه شخصيا والتحاقه بمعسكر الصدر في الاحواز الذي أسسه حرس الخميني لعملاء ايران والفارين إليها وتجنيدهم للقتال ضد العراق خلال سنوات الحرب الايرانية على العراق 1980ـ .1988
ثمة قوانين وتشريعات تتعامل بها جميع الدول المتقدمة والنامية حتى المتخلفة تنص على محاكمة كل من يخون بلاده في زمن الحرب او يلتحق بجيش العدو ويخدم فيه بأي شكل من الاشكال، غير ان هذه القوانين غيبت وشطب عليها بالحبر الاسود منذ احتلال العراق قبل تسع سنوات حيث تحول الخونة والعملاء والجواسيس والمقاتلون في الجيش الايراني الى حكام وسلطة والا كيف يصبح أبوإسراء وجواد المالكي سابقا ونوري المالكي حاليا رئيسا للوزراء وقائدا عاما للقوات المسلحة؟ وكيف يصير علي زندي الذي يلقب نفسه الان بـ «الاديب» تارة والحسيني تارة اخرى وزيرا للتعليم العالي؟ وكيف ينتقل هادي العامري قائد فيلق بدر الايراني التأسيس والتجهيز والتمويل الى وزير للنقل ؟ علما ان اربعة من قادة معسكر الصدر في الاحواز والمشرفين عليه يتولون اليوم ارفع المناصب ويعيشون كالاباطرة من كثرة الاموال والقصور والخدم والحشم والمرافقين، وهؤلاء الاربعة هم ابراهيم الجعفري الذي يشغل اليوم رئاسة التحالف الشيعي الطائفي، وعبدالحليم الزهيري المستشار السياسي الاقدم للمالكي، وابوعلي البصري المستشار الأمني للمالكي، والملا حسين الشامي او الموسوي الذي استولى على اكاديمية البكر للعلوم العسكرية وتصرف بأرضها التي مساحتها بحدود ستين الف متر مربع وحول منشآتها وأبنيتها ومختبراتها الى جامعة شيعية باسم الباقر مهمتها تخريج «اللطامين والملالوة» وتدريبهم وتوزيعهم على الحسينيات، وتولى هو رئاستها وكل مؤهلاته العلمية انه خريج مركز مكافحة الامية في قضاء الشامية في السبعينيات.
وعندما تتردد معلومات نشر بعضها بأن القمة العربية المقبلة ستعقد اجتماعا واحدا في بغداد هو الجلسة الافتتاحية والختامية في وقت واحد وقد تستغرق ثلاث ساعات فقط، فان السؤال الذي يقفز الى الذهن هو: إذاً ما جدوى مثل هذا الاجتماع وماذا سيبحث في جلسته اليتيمة؟ والجواب لا يحتاج الى عناء في التفكير والتفسير، انه محاولة من نوري المالكي لتسويق نفسه كزعيم وهو الذي اخفق طوال السنوات الست المنصرمة وهو رئيس وزراء وقائد عام للقوات المسلحة في اقناع غالبية العراقيين بأنه زعيم وقائد وعبقري زمانه، والنكات والحكايات الطريفة عنه في الشارع العراقي تتزايد ولا نستطيع نشر أو إيراد جزء منها احتراما للذوق وأكثرها حقيقية وليست من انتاج الخيال الشعبي كما تسعى بطانته إلى تصويرها، والمسألة لا تقتصر عليه فقط وانما تشمل مسئولي وموظفي مكتبه ايضا، واسمعوا هذه الحكاية:
قبل الانتخابات الاخيرة ذهب الى زيارة المالكي في مكتبه الرسمي بالمنطقة الخضراء الدكتور صالح المطلك نائب رئيس الوزراء حاليا يصحبه حامد الملا النائب الحالي، وكحالة متبعة مع ضيوفه وزواره فان مرافقيه واعضاء مكتبه يعمدون الى انتزاع الهواتف الجوالة منهم وهو ما حدث مع المطلك والملا، وعند انتهاء الاجتماع معه وعاد الاثنان الى فندق الرشيد حيث كانا يقيمان فيه، تلقى المطلك اتصالا هاتفيا من المالكي وتوقع صالح ان «نوري» يريد استكمال الحديث الذي دار بينهما قبل قليل غير ان المفاجأة التي صعقت المطلك ان رئيس الحكومة يعاتبه ويلومه على اصطحاب الملا معه لمقابلته، ولما استفسر صالح منه عن سبب عتبه ولومه قال له المالكي: ان ربعي ـ يقصد مسئولي مكتبه ـ اكتشفوا ان (موبايل) حيدر الملا جهاز لاسلكي وانه كان يرسل ذبذبات رغم انه مقفل، وضحك المطلك وقال للمالكي: وهل صدقت؟ فرد نوري: ولماذا لا أصدق وجماعتي اكدوا ذلك؟ فقال له صالح: طيب لنفترض ان هاتف حيدر يُرسل ذبذبات فإلى أي جهة يرسلها؟ هل إلى الأمريكان وهم أصحابك ويسيطرون على فضاء وأجواء العراق بأقمارهم وأجهزة راداراتهم وادوات استشعارهم عن بعد؟ وسكت المالكي وهو يقول: «جا... والله ما أدري، هيجي كالولي ربعي».
ثم ان المسئول او الممثل العربي الذي سيغامر ويأتي الى بغداد مشاركا في جلسة او جلسات القمة، كيف يأمن على نفسه وحياته وسط ميليشيات مسلحة ستتولى خدمات المرافقة والحماية وأغلب عناصر وافراد هذه الميليشيات منحوا رتبا عسكرية اعتباطية ويسمون في بغداد رسميا «قوات الدمج» ويتألف منها اللواء 56 ويسمى ايضا لواء بغداد المسئول عن حماية المنطقة الخضراء وفيها قصر المؤتمرات الذي ستقعد فيه اجتماعات القمة وفندق الرشيد المخصص للوفود، في الوقت الذي يتولى اللواء 54 ويسمى لواء المثنى حماية مطار بغداد الدولي، واللواءان هما جزء من فيلق قدس الايراني ويشرف عليهما الجنرال قاسم سليماني من خلال ضباط اتصال وارتباط موزعين في السفارة الايرانية ببغداد وهيئة للتنسيق في مكتب القائد العام للقوات المسلحة يديرها ابوعلي البصري المستشار الأمني للمالكي وهو من اصول ايرانية أعيد الى بلده ايران مع عائلته في عام 1980 عندما كان يقيم ويسكن في حي الحيانية بالبصرة؟
وعلى ذكر مطار بغداد والعاملين فيه نقل عن وزير يتبع القائمة العراقية انه اثناء وجوده في صالة كبار المسئولين في المطار مسافرا الى الخارج، طلب فنجاة قهوة من النادل في الصالة وعندما جيء بطلبه اراد الوزير ان يمازح النادل فقال له ضاحكا: ارجو الا يكون فنجان القهوة فيه شيء مما استورده علي الشلاه، وكان الوزير يشير الى حادثة احتجاز السلطات السويسرية في مطار زيورخ للشلاه النائب والمقرب الى المالكي الذي ثبت انه يحمل مادة سامة في حقيبته وقد نشرت الحادثة في حينه صحف سويسرية والمانية، فرد النادل بالنفي وهو يبتسم. ومضت فترة اسبوعين على ذلك وعاد الوزير من سفره وذهب الى اجتماع لمجلس الوزراء وجاء المالكي لرئاسته وقبل ان يبدأ بعرض جدول اعمال المجلس التفت الى الوزير المعني وقال له امام الوزراء والوكلاء باللهجة العامية: هاي اشبيك تخاف من فنجان قهوة؟ ودهش الوزير وقد نسي الحادثة او كاد وقال أي قهوة؟ فرد عليه المالكي ساخرا: قهوة علي الشلاه بالمطار، وبدأ يسرد الحادثة للوزراء وهو يتهكم على الوزير الذي صار بعد الذي قاله المالكي يفزع من منظر مطار بغداد ويجزع من صالاته وممراته.
من يضمن ان واحدا من الرؤساء او الوزراء العرب الذين سيحضرون القمة خصوصا اولئك الذين تعادي ايران بلدانهم وتتحين الفرص لاغتيالهم سيفلت من الكمائن التي ستنصب لهم وسط انهيار أمني وفوضى ضاربة وهيمنة أمنية ومخابراتية ايرانية كاملة وانتشار فرق الموت والميليشيات الشيعية الطائفية في كل مكان، والعالم كله شاهد كيف ان المالكي اطلق سراح قيس الخزعلي قائد ميليشيات «عصائب اهل الحق» الذي اعترف بخطف الخبير المالي البريطاني بيتر مور واربعة من مرافقيه من وزارة المالية التي كانت قد تعاقدت معه واستقدمته رغم ان الخزعلي اعترف بجريمته وحكم عليه بالاعدام وخفف الحكم الى السجن المؤبد ثم الى الافراج عنه بالتواطؤ مع البريطانيين والامريكيين الذين تسلموا رفات اربعة تم قتلهم، والخزعلي اليوم يسرح ويمرح في بغداد وعينه المالكي مساعدا له لشئون ما يسمى «المصالحة الوطنية» وقد دشن الخزعلي مهمته الجديدة بعقد مصالحة مع شخص مخبول يدعى مهدي الصميدعي يزعم انه قيادي في حركة سلفية ومن اتباع محمود المشهداني رئيس مجلس النواب الاسبق الذي لا يحتاج الى شرح وتعليق، وقد تبين ان الجنرال الايراني سليماني هو الذي رتب عودة الصميدعي الى بغداد من دمشق التي امضى فيها العامين الماضيين ضمن عمليات التعاون والتنسيق بين اجهزة المخابرات الايرانية والسورية والحكومية العراقية، وآخر المعلومات عن هذا الصميدعي المأجور ان المالكي عينه مستشارا في مكتبه بديلا للملا ناظم الجبوري الذي لقي حتفه وهو خارج من عند نوري بعد اجتماعه به في الشهر الماضي، والطيور على اشكالها تقع.
ان عقد اجتماعات القمة العربية في بغداد في ظل رعاية كائن خرافي يدعى نوري المالكي المهووس بالعداء للعروبة والعرب والمتيم بعشق ايران، رغم ادراكنا أن القمة لن تحرز شيئا ملموسا بالتأكيد، يسيء الى العرب انفسهم لما يحمله الحضور من رمزية وخطورة المشاركة في اجتماع يرأسه هذا الشخص الذي يفهم في قضايا القتل والاغتيال واللصوصية ولا يعرف ألف باء السياسة، وعيب ومهانة لكل من يدعي انه عربي أن يقبل لنفسه ان يجلس الى جوار هذا العميل الايراني الامريكي المزدوج او يستمع الى أحاديثه الجوفاء.
* كاتب وسياسي عراقي.