الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٨٤ - السبت ١٨ فبراير ٢٠١٢ م، الموافق ٢٦ ربيع الأول ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


من أين لكم هذا..؟!





عدا كلب صيد وراء غزال، فالتفت إليه الغزال وقال: لن تدركني..! قال: لماذا..؟ قال الغزال: لأنك تركض لسيدك بينما أركض لنفسي..! وثمة في عالم السياسة كثيرون يركضون ويعملون لأسيادهم، وكثيرون غيرهم يركضون ويعملون لأنفسهم ولأوطانهم وشعوبهم.. والفرق بين هؤلاء وأولئك، أن الذين يركضون لأسيادهم يظلون عبيداً مهما أنجزوا ومهما توهموا الحرية والعزة، بغض النظر عن أية شعارات يطلقونها أو يستظلون تحت نيرها، بينما يبقى الذين يركضون لأنفسهم وأوطانهم وشعوبهم أسياداً حتى لو أخطأوا، أو كبت خيولهم، أو تعرضوا للمصاعب والابتلاء.

نسوق هذه المقدمة، ونحن نستعرض تصريحات مهمة جدا ولها دلالاتها العميقة صدرت هذا الأسبوع هنا في البحرين، وفي الخارج، ولكنها تشترك فيما بينها لتؤشر إلى بعض ما يجري على الساحة البحرينية وما يحيط بها من مؤثرات وعوامل.. ففي بداية الأسبوع الماضي، قرأنا تصريحات السيد حسن نصرالله، وهو يؤكد تمويل إيران لحزبه منذ أكثر من ٢٥ سنة. وأن ولاءه بالتالي لإيران، وبرنامجه مرتبط بإيران، ووجوده من وجودها..! والواقع أن نصرالله لم يكن بحاجة للتأكيد أن ولاءه لإيران، ففي عالم السياسة ثمة قانون حاسم هو: (من يدفع يأمر.. ومن يقبض يُنفذ ويطيع)..! وبالطبع فثمة نماذج عديدة خارج لبنان وفي دول خليجية تحديداً، تنطبق عليها كل معطيات النموذج اللبناني، من حيث التمويل والقبض وتنفيذ الأوامر والأجندات.. والفرق الوحيد، أن السيد حسن بلغ من القوة والنفوذ ما يسمح له بكشف هذه الحقيقة من دون أن تطوله يد القانون أو العدالة اللبنانية.. في حين أنه كان يُنكر في السابق حصوله على أي تمويل إيراني، تماماً كما يُنكر آخرون الآن في البحرين والسعودية والكويت ودول الخليج العربي كافة حصولهم على تمويلات إيرانية.. وأمريكية.

التصريح الآخر، صدر من البحرين، على لسان القائد العام لقوة الدفاع المشير الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة، عندما كشف لإحدى الصحف المحلية عن تورط ١٩ منظمة أمريكية و ٣ منظمات ومراكز لها مقرات في دول خليجية (!)، في التخطيط والتمويل والتدريب للانقلاب في البحرين. وهي معلومة تشترك مع ما كشفه السيد حسن في لبنان بذات مفاعيل القانون (من يدفعْ يأمر.. ومن يقبضْ يُنفذ ويطيع)..! والفارق الوحيد هو أن حزب الله اللبناني يركض ويمد يده ويخضع لأوامر وتعليمات سيد واحد؛ هو السيد الإيراني. أما في البحرين فالسادة الممولون كثيرون. والذين يقبضون منهم ويخضعون لتعليماتهم أكثر.. والعياذ بالله..!

والمفارقة الكبرى هنا، أن هؤلاء؛ الذين يقبضون التمويلات الأجنبية والذين يقدمونها، يطالبون الحكومات بالشفافية، فيما يحرصون على سرية ما يقبضون وما يدفعون.. ويطالبون الحكومات بالتعددية والديمقراطية وحرية الرأي، فيما يصفون كل من يخالفهم بالخيانة والعمالة..! وفوق هذا وذاك فإنهم يُصرون على الزعم بأن أجنداتهم وطنية، وهي أبعد ما تكون عن الوطن وهمومه وقضايا أهله. ليس فقط لأنها لا تتقاطع مع هذه الهموم والقضايا، بل لأنها تأتي دائماً في سياق شعارات براغماتية تنقلب فيها المعادلات والمبادئ، وتنعكس فيها السلوكات والقيم..! إنها البراغماتية التي تسمح لنفس الأشخاص والجمعيات بالهتاف ضد أمريكا ووصفها بالشيطان الأكبر في أول النهار، والالتقاء معها آخر الليل في غرف مغلقة لتلقي التمويلات والتعليمات ورسم الأجندات والبرامج المشتركة..! وإنها الميكافيللية السياسية التي ترى أن الغاية تبرر الوسيلة.. وأن جمال وقوة الشعار المرفوع تعفي أصحابه من المساءلة عن مدى قانونية وسلامة الممارسة.

لقد رفع كثير من هذه الجمعيات والناشطين والسياسيين في السابق شعار (من أين لك هذا؟) وطالبوا باعتماده منهاجاً للمساءلة السياسية.. والرأي العام البحريني اليوم مطالب بتوجيه ذات السؤال إلى هذه الجمعيات والناشطين وأصحاب الشعارات الحقوقية والديمقراطية: من أين لكم هذا..؟!

في الشأن الوطني: المصالحة الوطنية.. غزارة في الإنتاج وسوء في التوزيع

كان الكاتب الإيرلندي برنارد شو يسخر من كثافة شعر لحيته وندرة شعر رأسه بالعبارة الشهيرة (غزارة في الإنتاج وسوء في التوزيع).. ويبدو أن قضية المصالحة الوطنية لدينا تعاني نفس معاناة برنارد شو. إذ تكاثرت الوثائق والبيانات والتصريحات الداعية إلى المصالحة الوطنية، بينما لم تصدر حتى الآن أي مبادرة حقيقية وعملية من أجل هذه المصالحة..! والأدهى أن غالبية هذه الوثائق والبيانات تتوجه إلى الدولة والحكومة، في حين أنها يجب أن تتوجه إلى الشعب..! وذلك على عكس المبادرات الملكية التي تضع الشعب ومصالحه دائماً نصب عينيها. إن المصالحة الوطنية لا تتم بقرار حكومي، ولا تحدث بمفاوضات سرية وراء أبواب مغلقة، كما أنها لا تغدو مصالحة وطنية إذا ما كانت بين طرف حزبي وطرف حكومي.. المصالحة الوطنية هي عمل شعبي يتطلب نوايا حسنة وخطابا إيجابيا وقبل كل شيء نبذا للعنف وتوقفا عن التصعيد والتخريب.







































.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة