الثقافة السياسية
الحريات العامة والمساواة
 تاريخ النشر : الأحد ١٩ فبراير ٢٠١٢
قد يمارس الفرد في المجتمع سلوكاً يرى أن له الحق في القيام به من دون قيود أو ضوابط، ولكن في حقيقة الأمر هناك قيود وضوابط تحدد حدود تصرفاته وسلوكه. كيف يتم ذلك؟
مفهوم الحرية له دلالات واسعة، ولكن بشكل عام فإنه يتحدد وتكون حدوده النهائية عندما تتعارض الحرية الشخصية مع حرية شخص آخر، وهكذا. لذلك يجب على كل فرد احترام حرياته كي لا تمس وتتعارض مع حريات الآخرين.
كما ترتبط الحريات أيضاً بمفهوم المساواة التي تعني أن جميع الأفراد متساوون في حرياتهم، وحقوقهم وواجباتهم. وهذا لا يعني عدم وجود استثناءات كما هو الحال بالنسبة إلى بعض المجموعات في المجتمع التي لها وضع خاص وظروف استثنائية، كالعاملين في مختلف المؤسسات الأمنية والعسكرية، ومع ذلك فإن لهم أنظمة وقوانين وإجراءات خاصة تنظم حرياتهم الشخصية والعامة. المساواة في الحريات تتطلب كذلك تنظيماً دقيقاً في العلاقات بين الأفراد بعضهم بعضاً، وبين الأفراد ومؤسسات الدولة، وكذلك بين مؤسسات الدولة بعضها بعضاً.
من هنا جاء ميثاق العمل الوطني الذي تحتفل مملكة البحرين هذه الأيام بمناسبته السنوية ليحدد طبيعة الحريات العامة، ويقر مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات للجميع. وشكلت الرؤية الواردة في ميثاق العمل الوطني الصادر في فبراير ٢٠٠١ البداية لإجراء التعديلات الدستورية التي تم إقرارها بعد نحو عام في فبراير ٢٠٠٢. وبالتالي تحولت الحريات العامة والحقوق والواجبات إلى نصوص دستورية تتمتع باحترام كبير ويتم إخضاع القوانين المختلفة في الدولة لها، والتأكد من مطابقتها للحريات الواردة في ميثاق العمل الوطني والدستور، بل يصل الأمر إلى أن يكون المساس وتجاوز مثل هذه الحريات تجاوزاً للدستور والقوانين المنظمة لها.
المهم هنا هو استعراض مجموعة الحريات والحقوق التي أقرها ميثاق العمل الوطني وأصبحت لاحقاً جزءاً أصيلاً من بنود دستور مملكة البحرين. وتشمل الجنسية البحرينية التي منحها لكل المواطنين ويمنع إسقاطها عمن يتمتع بها إلا في حالة الخيانة العظمى، كما يحظر إبعاد المواطن عن البحرين أو منعه من العودة إليها.
وأقرّت المادة (١٨) من الدستور مبدأ المساواة ليكون مبدأ أصيلاً من مبادئ الدستور، حيث تنص هذه المادة على أن «الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، ويتساوى المواطنون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة».
ونظراً لارتباط المساواة بالحريات فقد جاءت المادة الدستورية التي كفلت الحرية الشخصية بعد مادة المساواة مباشرة، وتنص هذه المادة على أن الحرية الشخصية مكفولة وفقاً للقانون، وبالتالي فإن هذه الحرية ليست حرية مطلقة وإنما هي حرية منظمة بالقانون.
بعدها ينظم الدستور مجموعة كبيرة من الحريات في مجالات متعددة، حيث لا يجوز القبض على إنسان أو توقيفه أو حبسه أو تفتيشه أو تحديد إقامته أو تقييد حريته في الإقامة أو التنقل إلا وفق أحكام القانون وبرقابة من القضاء. كما لا يجوز الحجز أو الحبس في غير الأماكن المخصصة لذلك في قوانين السجون المشمولة بالرعاية الصحية والاجتماعية والخاضعة لرقابة السلطة القضائية. ويتصل بذلك عدم جواز تعرّض أي إنسان للتعذيب المادي أو المعنوي أو للإغراء أو للمعاملة الحاطة بالكرامة، كما يبطل كل قول أو اعتراف يثبت صدوره تحت وطأة التعذيب أو بالإغراء أو لتلك المعاملة أو التهديد بأي منها بحيث يحدد القانون عقاب من يفعل ذلك.
ومن الحريات والحقوق المتعلقة بالجرائم والعقاب أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على قانون، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة للعمل بالقانون الذي ينص عليها، كما أن العقوبة شخصية، والمتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة وفقاً للقانون. أيضاً يحظر إيذاء المتهم جسمانياً أو معنوياً، ويجب أن يكون لكل متهم في جناية محام يدافع عنه بموافقته باعتبار أن حق التقاضي مكفول وفقاً للقانون.
حدد الدستور العديد من الحريات الشخصية للمواطنين باعتبارها حريات مصانة دستورياً، مثل حرية الضمير التي وصفها بأنها «مطلقة»، وتكفل الدولة حرمة دور العبادة، وحرية القيام بشعائر الأديان والمواكب والاجتماعات الدينية طبقاً للعادات المرعية في البلد.
أيضاً حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما، وذلك وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، مع عدم المساس بأسس العقيدة الإسلامية ووحدة الشعب، وبما لا يثير الفرقة أو الطائفية. لذلك أكد الدستور أن حرية الصحافة والطباعة والنشر مكفولة بحسب الشروط والأوضاع التي يبينها القانون.
من الحريات الشخصية كذلك حرمة السكن، فللمساكن حرمة، ولا يجوز دخولها أو تفتيشها بغير إذن أهلها إلا استثناءً في حالات الضرورة القصوى التي يعينها القانون. وحرية المراسلة البريدية والبرقية والهاتفية والإلكترونية مصونة، وسريتها مكفولة، فلا يجوز مراقبة المراسلات أو إفشاء سريتها إلا في الضرورات التي يبينها القانون، ووفقاً للإجراءات المنصوص عليها فيه.
وأكد الدستور حرية تكوين الجمعيات والنقابات بحيث تكون على أسس وطنية ولأهداف مشروعة وبوسائل سلمية بشرط عدم المساس بأسس الدين والنظام العام، كما لا يجوز إجبار أحد على الانضمام إلى أي جمعية أو نقابة أو الاستمرار فيها. وكذلك للأفراد حق الاجتماع الخاص من دون حاجة إلى إذن أو إخطار سابق، ولا يجوز لأحد من قوات الأمن العام حضور اجتماعاتهم الخاصة. بالمقابل فإن الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، على أن تكون أغراض الاجتماع ووسائله سلمية ولا تنافي الآداب العامة. من الحريات المكفولة أيضاً حرية الفرد في مخاطبة السلطات العامة كتابة وبتوقيعه.
معهد البحرين للتنمية السياسية
للتواصل: info@bipd.gov.bh
.