الجريدة اليومية الأولى في البحرين


عالم يتغير




تصريحات المشير

تاريخ النشر : الأحد ١٩ فبراير ٢٠١٢

فوزية رشيد



} تصريحات المشير الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة لصحيفة «الأيام» تحمل الكثير وخاصة في ظل الوضع الراهن الذي يكتفي فيه البعض بقراءة الظواهر من دون سبر غور البواطن، ويستعجل كشف الأمور في وقت قد يضر فيه الكشف أداء الدولة في معالجتها للأمور التي تمتلك حولها الجهات الأمنية معلومات استخباراتية وأمنية كثيرة ومختلفة، وربما تضع ميزانا دقيقا للتعامل معها وللإفلات من مطباتها التي تضعها قوى مختلفة سواء بالداخل أو بالخارج، ولكن هل وضع المشير النقاط على بعض الحروف فقط؟ وماذا عن حروف أخرى في أبجدية الأزمة التي مرت ولاتزال توابعها مستمرة بعد مرور عام وعناوينها تشكل غموضا وربما إرباكا لوعي كثير من المواطنين؟
وبغض النظر عن حجم ما كشفه المشير، إن كان قليلا أو كثيرا، إلا أن الصورة أصبحت أكثر وضوحا من ذي قبل وخاصة ما يتعلق بأداء الدولة وحيث تصريحاته نفسها كانت تحمل في طياتها رسائل إيحائية حتى إن اكتنفها بعض الغموض أيضا.
} للسلطة في البحرين لغتها الخاصة وطريقتها الخاصة في التعامل مع الأزمات لأنها تعرف جيدا حجم التغول الخارجي عليها وانها في النهاية بلد صغير تلاحقه حيتان البحر الكبيرة لتبتلعه، ولكن هذا البلد الصغير له سر خاص به بما أصبح يمثل لغزا لتلك الحيتان، وكيف أنه يجابه بكل شرف وحكمة حجما هائلا من المخططات ومن تبادل الأدوار بين دول كبرى إقليمية ودولية وأتباع في الداخل وفي الخارج، بما لم تتمكن من مجابهتها دول عربية كبيرة (7 دول تتبادل الأدوار في الضغط على البحرين: أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والسويد وسويسرا وبلجيكا)، هذا ما قاله المشير وهو يشير بوضوح إلى أننا نعرف من يلعب على الفتنة في بلادنا، ونعرف ما تفعله المنظمات الدولية المشبوهة جيدا (19 منظمة غير حكومية تعمل في أمريكا و4 في دولة خليجية) وجميعها تابعة لأمريكا.
بل شكك المشير ولمح بوضوح إلى أن التهديدات الإيرانية بغلق مضيق هرمز لا يستبعد أن تكون جزءا من اللعبة مع بعض تلك الدول.
ألا يوحي ذلك أيضا بأن اللعبة أمريكية - إيرانية؟ والذي يتحدث هنا رجل يمتلك الكثير من المعلومات الاستخباراتية والتحليلات السياسية والأمنية وليس كاتبا أو صحفيا أو محللا سياسيا.
باختصار فإن حجم ما تواجهه البحرين كبير جدا، وحجم جهود الدولة لمواجهته كبير، وليكن السر الرباني محفوظا في صندوق الغيب، حتى لا يتم إفساد طرائق وأساليب بلادنا في مواجهة الرياح المسمومة والحيتان الفاغرة الفم، هذا ما أشعرنا به حديث المشير.
} في شخصية المشير شيء كثير مما يوحي بالثقة والطمأنينة معا، وما ان يتحدث حتى يكون لحديثه نكهة خاصة تجمع بين القوة والتواضع والقدرة على توضيح أعقد الأمور بالطريقة التي أسميها (الطريقة البحرينية)، ولعل هذا ما يجعلنا حين نسمعه نشعر بأننا بخير، رغم القلق الذي يلف قلوبنا ومن دون أن نتجاهل حقيقة التحديات، والضغوط، ولعبة الأمم الكبيرة التي يشير إليها بإيجاز، وإيحاءه الخفي بأن الدولة تعرف ما يدور حولها، وبأن ما نحن منشغلون به اليوم كثيرا حول جماعات التخريب والعنف وجمعيات التأزيم مثلا يقول لنا المشير حوله بثقة: (المجموعات التخريبية على الأرض في البحرين قد اندحرت سياسيا وميدانيا وهي في الرمق الأخير، ولا يمكن أن تشكل خطرا على البحرين)، وهي رسالة توضح أن أوراق من وراء العنف والتخريب قد احترقت وان الدولة قادرة على التعامل مع القليل الذي تبقى من تلك الأوراق.
} وحديثه يبعث رسالة أخرى إلى الشعب البحريني المخلص والحريص على أمن وطنه واستقراره لكأنه يقول: (ركزوا وعيكم الآن فيما هو أهم، فهؤلاء نحن كفيلون بالتعامل معهم بعد أن أفشلنا حراكهم)، ولكأنه يقول أيضا بأسلوبه الخاص الذي يكتنفه أيضا بعض الغموض: ربما المطلوب حاليا أن الدولة تعرف جيدا ما يدور وبطريقتها هي تعالج تلك الأمور حتى لو لم تعجب هذه الطريقة الكثيرين من المخلصين ولكن والآن بعد مرور عام فالبحرين لاتزال بخير قياسا بحجم ما كان يراد لها به، وهذا هو المهم حتى إن لم يكتشف شعبنا ماهية لعبنا أو استراتيجيتنا، بل انتقد الكثير من خطواتنا في تلك المعالجة، فذلك لأننا لا نستطيع في هذه المرحلة أن نكون واضحين أكثر في طريقة لعبنا. اكتفوا اليوم بالنتائج وما ان ننتهي من إرباك أكثر للمخطط أو جزء آخر منه فسنقول إننا فعلنا ونجحنا، وهذا يحتاج إلى نفس طويل وليس إلى إعلانات سريعة أو خطابات منفعلة أو استعراضات قوة.
} هكذا تعمل الدول ليس من المهم في مرحلة زمنية معينة أن يعرف الناس كل شيء أو أن يرضوا عن كل شيء، وربما يعتقد الكثير منهم أن الهدوء والغموض لا يتناسبان مع حجم الحدث أو نوعه، ولكن العقل هو وحده ما يحتاج إلى هدوء الأعصاب ليتصرف بحكمة، ولا يمكن لدولة تعمل في وسط معركة كبيرة أن تطل كل لحظة لتشرح كيف هي تلعب، ولكن ما ان تنجح في إحدى جولات اللعبة حتى يرى الناس جميعا ذلك وحتى من دون أن تشرح الأمر بعدها.
ولأن اللعبة كبيرة وتديرها دول كبرى فإن السرية في الأداء والغموض ربما وعدم كشف الأوراق هو جزء أساس من طرائق اللعب والمواجهة وخاصة ما يتعلق بكيفية التصرف حيال معلومات استخباراتية خطرة أو مهمة أو سرية، فليس كل وقت صالحا لكشفها وفي النهاية فإن الله هو الحافظ.
} ها قد جاء 14 فبراير بعد مرور عام على الأحداث الأليمة ورغم التوعدات الهائلة والوهجين الإعلامي والإعلاني الهائلين من فضائيات الطائفية ورغم وجود نشطاء أجانب مشبوهين من منظمات دولية مشبوهة شاركوا في بعض المظاهرات فقد سارت الأمور بخير.
لكأن المشير يقول أيضا بعد ذلك: هنا نحن لا نستعرض قوتنا، ولا نستخدم صوتنا العالي، وإنما نعمل بعقلنا، لا يهمنا أن يعتقد الفاشل أنه منتصر، فربما ذلك في صالحنا حتى تأتي لحظة الحقيقة الحاسمة ليدرك الذي توهم الانتصار أنه قد فشل. لكي نصل إلى مثل هذه النتيجة هناك إذاً ما يعتقده البعض غموضا في العمل أو ألغازا في التحركات، ولكنه عدم كشف الأوراق.
القوي من لا يُظهر قوته ولكن يعمل بها، أما الذي يتوهم أنه قوي فإنه يتحدث كثيرا عن انتصاراته وبطولاته ثم تأتيه الصدمة تلو الصدمة، فيدرك بعدها أن القوة في الآخر رغم أنه أظهر الضعف الذي صدقه الآخر.
وللحديث صلة ولنا بعدها تعليق.