الجريدة اليومية الأولى في البحرين


دراسات


التدخل الإيراني في اليمن: الأسباب.. الشواهد.. المخاطر

تاريخ النشر : الأحد ١٩ فبراير ٢٠١٢



مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية
يشكل التدخل الإيراني في اليمن مصدرًا من مصادر القلق البارزة على المستويين الإقليمي والدولي، وأيضا على المستوى المحلي داخل اليمن، وذلك بالنظر إلى ما يتركه هذا التدخل من توترات وحالة عدم استقرار سواء في اليمن ؟ الذي يبحث عن التعافي من أزمته وجني ثمار ثورته التي بذل من أجلها شعبه الغالي من دماء أبنائه ؟ أو بالنسبة لدول الجوار التي ترى في هذا التدخل خطرًا كبيرًا على أمنها واستقرارها، ولاسيما أنه لا يخلو من أهداف تخدم الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة، التي لا تنفصل بدورها عن دائرة صراعات إيران الإقليمية مع دولها، وكذا صراعها الأوسع مع العديد من القوى الدولية وتحديدًا الولايات المتحدة فيما يخص الهيمنة في المنطقة، الذي يبرز في أوضح تجلياته في أزمة البرنامج النووي الإيراني.
ولعل ثمة عدة تساؤلات تطرح نفسها فيما يخص الدور أو التدخل الإيراني في اليمن أولها يتعلق بطبيعة الأسباب التي تدعو إيران إلى هذا التدخل.. وثانيها يتعلق بشواهد هذا التدخل .. وثالثها يدور حول المخاطر التي يمكن أن تترتب على هذا التدخل بالنسبة لليمن وأيضا بالنسبة لدول الجوار وتحديدًا دول الخليج العربية.
بداية.. لو نظرنا إلى الأسباب التي تقف وراء التدخل الإيراني في اليمن، فإنه يمكن القول إن هذه الأسباب تنقسم بطبيعتها إلى قسمين الأول منها داخلي محلي مرتبط بطبيعة النظام القائم في إيران، وهذا بدوره مرتبط في جانب منه بأيديولوجية النظام منذ قيامه 1979، فهذه الأيديولوجيا تقوم على فكرة تصدير الثورة إلى الدول الأخرى من خلال اتباع سياسة التدخل في شؤون هذه الدول، ولاسيما تلك التي بها تجمعات طائفية تدين بنفس المذهب، وهي سياسة اتبعتها ومازالت تتبعها مع بعض دول الخليج العربية وتتبعها في العراق ولبنان وكذلك في اليمن حيث الوجود الشيعي الحوثي.
كما أن النظام الإيراني بطبيعته يتبع سياسة تصدير مشاكله إلى الخارج؛ حيث إنه في ظل ما يواجهه من معارضة ومشاكل داخلية يحاول إلهاء شعبه بقضايا ومشاكل خارجية من قبيل أزمة البرنامج النووي والحديث عن ارتباطها بالكرامة الوطنية الإيرانية أو الحديث عن دور إقليمي يعيد مجد الإمبراطورية الفارسية الكبرى أو الحديث عن مواجهة قوى الاستكبار والشر في العالم.
وبالنظر إلى القسم الثاني من الأسباب، وهي الأسباب الخارجية يلاحظ أنها ذات طبيعة إقليمية مرتبطة كما سبقت الإشارة باستراتيجية إيران ورؤيتها لمصالحها ودورها في محيطها الإقليمي؛ حيث تتركز أبرز هذه الأسباب في الآتي:
- الموقع الاستراتيجي لليمن، فاليمن بحكم موقعه على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر يسيطر على واحد من أهم الممرات الملاحية، وهو مضيق باب المندب؛ حيث تمر ناقلات النفط منه عبر البحر الأحمر متجهة إلى قناة السويس ومنها إلى الأسواق الرئيسية في أوروبا والولايات لمتحدة.. وبالتالي فإن حصول إيران على موطئ قدم في المنطقة يعزز من حضورها الإقليمي، ويساعدها على السيطرة على المداخل والمخارج الرئيسية لتجارة النفط الدولية؛ إذ تسيطر على مضيق هرمز وتهدد بإغلاقه من حين لآخر.- سعي إيران من خلال وجودها في اليمن إلى مناوئة الوجود الأمريكي هناك - خصوصًا وفي المنطقة عمومًا ؟ وذلك في إطار الصراع المتبادل بين الجانبين على النفوذ والهيمنة في تلك المنطقة الحيوية من العالم.. فضلاً على إمكانية أن يكون اليمن جبهة أخرى جديدة للمواجهة مع أمريكا إذا نشبت حرب بين البلدين في منطقة الخليج؛ حيث يمكن أن تتخذ من اليمن نقطة انطلاق لضرب المصالح الأمريكية في المنطقة.
- سعي طهران إلى استغلال موقع اليمن واشتراكه في الحدود مع بعض دول الخليج (وتحديدًا المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان) في توليد مضايقات والتسبب في مشاكل لهذه الدول، ولاسيما السعودية (قاطرة الوحدة الخليجية وقلب العالم الإسلامي والمناوئ الرئيسي للمخططات الإيرانية في المنطقة) ويساعد على ذلك وجود التجمعات الحوثية الشيعية في شمال اليمن بالقرب من الحدود السعودية، مما تسبب في كثير من المشاكل الأمنية للمملكة، علاوة على محاولة أي جهود سعودية أو خليجية من أجل إعادة الاستقرار إلى اليمن.
- ما يمكن وصفه بأنه رغبة إيران في استغلال وجودها في اليمن لاتخاذه كقاعدة انطلاق إلى شرق افريقيا، وذلك في إطار سياستها لتوسيع دائرة علاقاتها ونفوذها في القارة الافريقية، وهو ما بدا في أكثر من زيارة لعدد من كبار المسؤولين الإيرانيين لدول مثل كينيا وأوغندا.
- سعي طهران ؟ فضلاً على مساندة الحوثيين في مواجهاتهم المتكررة مع الدولة ؟ إلى نشر التشيع في بعض المناطق اليمنية السنية، ولاسيما في المناطق الجنوبية، وهي سياسة كشف عنها بعض التحركات الإيرانية في اتجاه التواصل مع قوى وفصائل جنوبية.
إن الأسباب السابقة التي تبرر التدخل الإيراني في اليمن يكشف عنها بعض الشواهد التي تؤكد أن هذا البلد قد تحول إلى فناء خلفي وساحة مفتوحة للاستخبارات الإيرانية لتنفيذ مخططات طهران في المنطقة ولو أردنا استعراض بعض هذه الشواهد فسنجد ما يلي:
- دور إيران في دعم وتمويل التمرد الحوثي، وهو ما ظهر بوضوح في الحروب الست التي خاضها الحوثيون ضد الدولة في الفترة من 2004 - 2009، وهو دور أماطت اللثام عنه تقارير دولية حين تحدثت عن تورط إيران ودول أخرى معادية للدول العربية في الحرب بين الجيش اليمني والمتمردين الحوثيين، كما أكده اعتراف «عبدالملك الحوثي» مؤخرًا حين أشار ضمنًا إلى دور إيران في دعم حركته الشيعية في حملة الإبادة التي تشنها ضد السلفيين في صعدة.
- رصد خفر السواحل اليمنية سفينة إيرانية أثناء توقفها في منطقة «رأس معوة» بخليج عدن وعلى بعد 20 ميلاً من سواحل محافظة لحج جنوب البلاد، حيث فُسر وجود السفينة القادمة من ميناء بندر عباس بأنه محاولة لتهريب شِحَن ممنوعة للسواحل اليمنية أو تفريغ مواد غير معروفة في المياه الإقليمية اليمنية.
- حديث مصادر استخباراتية عن احتمال وجود دور لإيران أو سوريا في محاولة اغتيال الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، وذلك بهدف دفع اليمن إلى السقوط في أتون الحرب الأهلية؛ حيث نشطت الاستخبارات الإيرانية والسورية بشكل مكثف في هذا البلد، كما جرى اجتماع في دمشق لقياديين في الحراك الجنوبي وقياديين من حركة الحوثيين التقوا خلاله مسؤولين أمنيين سوريين وإيرانيين؛ حيث صدرت توجيهات باغتيال الشيخ «صادق الأحمر» بهدف إشعال الفوضى القبلية واتهام الرئيس «صالح» باغتياله، فيما كلفت جهة أخرى باغتيال «علي صالح» واتهام دول خليجية بتدبير محاولة الاغتيال.
- اتهام الحكومة اليمنية القيادي القبلي «حسين الأحمر» بالحصول على دعم مالي من إيران؛ حيث لفتت إلى زيارته لدمشق في أغسطس 2011 ولقائه حجة الإسلام «أحمد موسوي» السفير الإيراني في سوريا وبحثه معه جوانب الدعم المالي التي يمكن أن يحصل عليه من الحكومة الإيرانية (بعدما فقد مصدر تمويل رئيسيا بسقوط نظام معمر القذافي)؛ حيث أبدى الأحمر حرصه على تعزيز علاقته مع إيران وأنه سيتعاون معها بشكل إيجابي كواحد من حلفائها الأساسيين الذين يمكنها الاعتماد عليهم في المنطقة.
- دعم إيران الحركة الحوثية في الوقت الحالي من أجل توتير الأجواء وتعطيل مبادرة التسوية الخليجية من خلال حشد شباب الحوثيين في الساحات المعارضة ومحاولتهم توجيه مسيرات إلى القصر الرئاسي في صنعاء، فضلاً عن إعلان الحركة مؤخرًا مقاطعتها للانتخابات الرئاسية بدعوى أنها مخطط أمريكي لإفشال الثورة اليمنية.
- إشارة مصادر يمنية إلى لقاءات ومشاورات تجريها قيادات جنوبية مع مسؤولين يمنيين في الآونة الأخيرة من أجل تنسيق الخطوات في المرحلة المقبلة على خلفية مصالح قد تجمعهما ضد دول الخليج والدولة اليمنية، وهو ما يعني محاولة طهران فتح جبهة أخرى مع الخليج على الأرض اليمنية.
- تصريح «جيرالد فايرستاين» السفير الأمريكي في صنعاء، الذي يبدي فيه قلق بلاده من استغلال دول أجنبية، وتحديدًا إيران، الأوضاع في اليمن لإيجاد موطئ قدم لها في هذا البلد، حيث وصف هذا التدخل بأنه لتكوين مشاكل أمنية أو سياسية مستغلة الانقسامات الطائفية لتحقيق نتائج سلبية وزعزعة الاستقرار هناك.
إن الشواهد السابقة التي تؤشر إلى وجود تدخل إيراني في اليمن تمثل ؟ كما ذُكر آنفًا ؟ مصدر قلق، وتحمل في طياتها مخاطر عديدة تتجاوز حدود اليمن إلى غيرها من دول الجوار ولاسيما دول الخليج.. وبإلقاء نظرة سريعة على الأخطار التي يتعرض لها اليمن جراء هذا التدخل يُلاحظ أن أولها يتمثل في تعميق سياسة التشرذم الطائفي بهذا البلد من خلال دعمها غير المحدود للحركة الحوثية، وما يمكن أن يترتب على ذلك من صراعات طائفية يمكن أن تقضي على وحدة اليمن.. وثاني المخاطر يتمثل في تعريض المبادرة الخليجية للفشل ولاسيما أن إيران تحاول استقطاب الجنوبيين الناقمين على هذه المبادرة (التي تؤكد وحدة اليمن وترفض النزعات الانفصالية). وثالث المخاطر يتمثل في تعميق حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني في اليمن في ظل ما يتداول عن وجود تعاون وتنسيق بين الحركة الحوثية وتنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية».
أما بالنسبة إلى دول الخليج العربية، فإن المخاطر التي تتعرض لها من التدخل الإيراني في اليمن لا يمكن بأي حال تجاهلها نظرًا لأنه يمسها في الصميم من ناحيتين، الأولى: تتمثل في المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها الأمن القومي الخليجي، فتعميق حالة التشرذم الطائفي في اليمن بما يصاحبه من صراعات أمر يؤثر بالسلب في أمن واستقرار دول الخليج لجهة خلق اضطرابات وصراعات طائفية مماثلة، كما أثبتت تجربة الحرب الحوثية عمليا تعرض الأمن الخليجي للخطر مع حدوث عمليات توغل لعناصر حوثية إلى داخل الأراضي السعودية، مما دفع الأخيرة لدخول الحرب دفاعًا عن وحدة أراضيها.. علاوة على ما تعرضت وتتعرض له السعودية وسلطنة عمان من عمليات تهريب للسلاح والمخدرات من داخل الأراضي اليمنية حيث يستغل تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» الحدود في تهريب الأسلحة والمتفجرات والعناصر الإرهابية إلى داخل الأراضي السعودية.
أما الناحية الثانية: فتتمثل فيما يمكن أن يترتب على التدخل الإيراني من محاولة إعاقة الوحدة الخليجية، وذلك من خلال وضع العراقيل والمشاكل في طريقها، فإيران ومنذ بداية تجربة مجلس التعاون الخليجي ترى أن الوحدة الخليجية أمر يضر بمطامعها في المنطقة، لذلك كانت ومازالت ترفض التعامل أو التعاون مع دول الخليج من خلال منظومة مجلس التعاون وتبذل ما بوسعها لإفشال أي عمل يصب في خانة تقوية الرصيد السياسي والاقتصادي والأمني لمجلس التعاون مثلما حاولت وتحاول إفشال المبادرة الخليجية الخاصة باليمن.
إن تلك المخاطر التي يتعرض لها اليمن، وتتعرض لها دول الخليج العربية جراء التدخل الإيراني في اليمن تتطلب من دول الخليج التحرك الجاد في عدة اتجاهات من أجل احتواء والتعامل مع هذه المخاطر.. فهي مطالبة من ناحية بتعزيز وتطوير منظومتها الأمنية لمواجهة أي اختراق أمني يمكن أن تتعرض له انطلاقـًا من الأراضي اليمنية، كما أنها مطالبة باحتضان اليمن سياسيا من خلال العمل على إنجاح المبادرة الخليجية لحل الأزمة اليمنية وضمان تنفيذ مختلف بنودها.. واحتضانه اقتصاديا من خلال تبني وتمويل برامج فاعلة لتنمية وإعادة إعماره والعمل على تطوير المناطق التي تشكل مصدر خطر، ولاسيما المتاخمة لحدود هذه الدول.. فضلاً عن البحث في إمكانية ضم اليمن إلى المنظومة الخليجية.
ولاشك في أن احتضان اليمن خليجيا سياسيا واقتصاديا وأمنيا سوف يساعد كثيرًا على إنقاذ اليمن من أزمته، وسيساعد أكثر على حمايته من خطر التدخلات الإيرانية وغير الإيرانية، وسيكون له دور في غاية الأهمية في تحصين العمق الاستراتيجي لدول الخليج بجانب أنه سيوفر الأجواء اللازمة لتطوير التجربة الوحدوية الخليجية والسير بها على طريق النجاح المأمول الذي تتطلع إليه الشعوب الخليجية.