عالم يتغير
تصريحات المشير (2 - 2)
تاريخ النشر : الاثنين ٢٠ فبراير ٢٠١٢
فوزية رشيد
} ما الذي جعل «المشير» مثلا يتحدث عما دار بينه وبين أعلى قائد عسكري في بريطانيا، حول حظر المعدات الأمنية والعسكرية، وما دار بينه وبين طرف من ذات المستوى في الجانب الأمريكي؟
هل أراد أن يقول إن العلاقات بين الدول، وما يدور أحيانا بين مسئوليها، ليست مطروحة للعلن في كل شيء، وان البحرين رغم صغرها تعرف كيف تخاطب الدول الكبرى حين يتعلق الأمر بمصالحها وأمنها؟ قد يكون ذلك وقد يكون غيره.
وحين يقول المشير في حديثه أيضا إن «البحرين تمكنت من إرباك جزء من المخطط ضدها» فهو يشير الى أن هناك أجزاء أخرى والارباك هنا يعني أن المخططات مؤقتا تمت عرقلة هذا الجزء منها، لكنها تنتظر أي فرصة سانحة للانقضاض مجددا، أي انها مستمرة، وان هناك أجزاء أخرى لم يتم ارباكها.
هل هذا يعني أيضا أن من يعرف انه اربك جزءا، فهو يعرف بقية الأجزاء؟ ما هو المخطط بكامله إذاً؟
} من مجمل حديث «المشير» الذي فيه الكثير من الايحاء، يطرح سؤال نفسه: هل الدولة تتصرف بقوة أم بضعف تجاه مفردات وقوى الازمة؟
هل هي مجبرة تحت وطأة تبادل الأدوار بين الدول الكبرى في ممارسة الضغوط عليها ان كما هي تتصرف اليوم؟
وهل هي مثلا كمن يمشي بين الألغام بحذر، حتى لا ينفجر احدها، فينسف الكثير ويعيد الأزمة الى ما تريده دول تبادل الأدوار في الضغوط؟
في الاجابة عن مثل هذه الأسئلة نعتقد أن الامور لها ظاهر وباطن في سياسة الدول عامة ولربما إن نحن أخذنا الأمور بظواهرها، فإننا سنرى أن مسايرة الضغوط، وربما الاستجابة لبعضها، هي من مؤشرات الضعف، أما اذا أخذنا الأمور بأعماقها فإن البحرين حتى هذه اللحظة، قد أفشلت حراكا انقلابيا طائفيا خطرا، وهي من أربك جزءا، ربما مهما من مخطط كبير لدول كبرى تريد العبث بالمنطقة وبالخليج من البوابة البحرينية، ولاتزال، وهذه الدول لديها ما لديها، وليست فقط المؤسسات والمنظمات الدولية التابعة لها، أو الإعلام الدولي المسيطر على فضاءات ومناخات العالم، ولذلك وهي تقول انها أربكت لم تدع بلسان المشير انها «قضت» على المخطط أو أربكته بكامله مما يعني أن القصة مستمرة.
وهذا يعني أن الخطر لايزال محدقا بنا وبخليجنا، وهذا ما يستدعي المزيد من الوعي الشعبي بما يدور حولنا، حتى لا يسهم البعض منا في إنجاح ما يريده بعض تلك القوى، من ايجاد ثغرات جديدة للدخول من خلالها، مثلما يعني عملا دؤوبا متواصلا من أجهزة الدولة كلها.
} ولعل نجاح الدولة وبرعاية من الله ثم تكاتف أهم دول الخليج العربي، ووعي شعوبها خاصة في البحرين، في احتواء استعراضات «قوى التأزيم» المدعومة بوضوح من الخارج لاشاعة الفوضى والفتنة، رغم استمرار العنف في القرى ومحاولة جرّه الى العاصمة، نقول إن نجاح هذا الاحتواء حتى الآن، هو شيء لا يستهان به قياسا لحجم المخطط، ويعطي بعض الرسائل المهمة في كيفية عمل الدولة، التي هي وتحديدا في هذه المرحلة المستمرة في خطورتها، بحاجة الى وعي شعبنا المخلص في عدم خلق الثغرات فيما نحن في غنى عنه أكثر من أي وقت مضى، خاصة مع التحركات المريبة لسفير احدى تلك الدول الكبرى.
} حديث «المشير» يطرح أمامنا مسألة مهمة في هذا الوقت، وهي مسألة الثقة في عمل الدولة وأجهزتها الدفاعية والأمنية لأن ما يدور في كواليس الحيتان الكبيرة وفي بحر تلك الحيتان، يحتاج لمواجهته الى السرية، بما يراه البعض غموضا أو ألغازا، ويرى بعض تلك المواجهة ضعفا أو تنازلات... الخ، ولربما ترى الدولة أن تعمل من دون استعراضات إعلامية أو سياسية أو توضيحات في غير أوانها، كما يطلب عادة الحريصون على سلامة هذا الوطن، الذين يعتقدون في خضم القلق والتوتر ونفاد الصبر، انهم الاكثر حرصا على الدولة أو على الوطن منها على نفسها او على هذا الوطن، رغم ان الجنود المجهولين الذين أثبتوا قدرتهم حتى اللحظة على قراءة وعلى التعامل مع أعقد المشاهد الدولية، يستحقون منا ليس الثناء فقط، وإنما الدعاء الدائم لهم ولأصحاب القرار لارباك باقي اجزاء المخطط الكبير، والقضاء عليه نهائيا، في ظل الوحدة الخليجية المرتقبة، بعد أن كشف الله لقادة الخليج ما يشيب له الرأس، وخاصة من جانب من كانوا يضعونهم في خانة الحلفاء أو الأصدقاء أو الأشقاء، الذين يبدلون جلودهم وسيناريوهاتهم كالحرباء، ويظهرون انهم مازالوا أصدقاء وحلفاء.
} رغم ذلك فإن الوعي الشعبي لكي يستطيع تجنب الفخاخ الموضوعة أمامه، سواء من حيث الفتنة الطائفية أو من حيث الفوضى واضعاف الدولة، فإن مآخذه لابد ان توضع في الاعتبار، سواء من حيث الالتزام بتطبيق القانون من دون مهادنة، أو من حيث اسلوب التعامل مع قوى التأزيم الداخلية بعد انكشاف أوراقها، أو من حيث توضيح الأمور بين فترة وأخرى، أو من حيث سد الثغرات الإعلامية بشكل أكبر، أو من حيث طرح مسألة حماية قوات الأمن باعتبارها الذخيرة الحيوية للحفاظ على أمن هذا البلد وسلامة شعبه، أو من حيث نمطية التعامل مع الضغوط الدولية بالاسراع في الوحدة الخليجية، والتعامل مع الدول الكبرى باعتبار أن دول الخليج العربي كتلة واحدة، لها في ميزان الاقتصاد الدولي الثقل الأكبر، وحيث المسألة في النهاية هي تبادل المصالح، وليس استنزاف دول الخليج أو العبث بمصائرها ومصائر شعوبها، أو السماح بذلك أصلا.
} ندرك ان كل ذلك ليس غائبا عن وعي الدولة أو وعي «المشير» ونحن نستعرض بعض حديثه وايحاءات ذلك الحديث، ولكننا نعتقد كما غيرنا كثيرون، ان (الانتقال من مرحلة الثقة في التحالفات الدولية، الى مرحلة الشك في تحركات تلك الدول بسبب انكشاف استراتيجيات جديدة لها)، هي ليست في النهاية من مصلحة دول الخليج من دون وجود رؤية استراتيجية واضحة، فمثل هذا الانتقال بما يشوبه من الضبابية والالتباس والتحايل التي تتستر خلفها تلك الدول، بواجهة المنظمات الدولية المشبوهة مثلا، تستدعي من البحرين ومن كل دول الخليج العربي اسراعا في وضع استراتيجية قوية وجماعية وتكوين جبهة إعلامية واقتصادية وسياسية واحدة، والعمل بشفافية أكثر بين دوله، وخاصة بما يتعلق باحداها الداخلة في اللعبة الخطرة، لتبديل مصير دول الخليج الأخرى، وهي تعتقد انها ستكون في منجاة من ذلك المصير، او من النهايات والمآلات الأخيرة لاستراتيجية الولايات المتحدة، ومن خلفها في القافلة، من دول (تبادل الادوار).
} قد يكون ليس من الضروري أن نفهم كل شيء حول أداء الدولة في هذه المرحلة الزمنية الانتقالية في مصير المنطقة العربية كلها وليس الخليج وحده، ولكن من المهم بعد ان نثق بأداء الدولة، وبأنها تمكنت من العبور بنا الى بر الامان حتى هذه اللحظة، من المهم ان يلتقي الوعي الشعبي وعي الدولة في كل حين، فالمصير الوطني بذات الأهمية بالنسبة إلى الطرفين، ولربما يكون القبطان مشغولا بتجاوز مرحلة أخرى مهمة وخطرة، لكي لا يقع من في السفينة في فم الحيتان الكبيرة مباشرة، ولكن ذلك لا يعفيه في النهاية من توضيح الأمور للمشاركين في ذات السفينة، خاصة أن بين هؤلاء المشاركين من يحاول ثقبها، باعتبار ان مكان الثقب هو مكانه، وهو حر فيه.