أخبار البحرين
الصحفي محمد عمر.. في ذمة الله
تاريخ النشر : الاثنين ٢٠ فبراير ٢٠١٢
انتقل إلى رحمة الله تعالى الصحفي محمد عمر في الواحدة من ظهر أمس، لاحقا بزوجته (أم خالد) التي سبقته بيوم واحد عندما فارقت الحياة في العاشرة والنصف صباح أمس الأول، وقد كان يعاني ضيقا في التنفس منذ أيام قلائل.
والفقيد محمد عمر أحد الصحفيين السودانيين الذين التحقوا بالعمل في «أخبار الخليج» منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي بوظيفة مترجم ومنسق للأخبار بين الصحيفتين «أخبار الخليج» و«جي . دي . إن»، كما تنقل للعمل بين أقسام أخرى مثل الأخبار المحلية والقسم الاقتصادي وتغطية المؤتمرات حتى مطلع 2005، مكملا ربع قرن من الخدمة المتواصلة مع «أخبار الخليج».
وكان أبو خالد مثالا للصحفي المهني إذ حرص على الالتزام بقواعد وأصول العمل الصحفي في الحرفية والمسئولية والمصداقية، وكان هذا السلوك نابعا من حبه لـ «أخبار الخليج» ومرتبطا بحبه لمهنة الصحافة ذاتها، ذلك أنه قادم من أرض حباها الله بتجربة صحفية متأثرة بالمدرسة المصرية في هذا المجال.
وكان من المعروف عن محمد عمر (أبوخالد وأبوجعفر وأبوأماني) روحه المرحة، وذاكرته الواسعة عن السودان وما جرى فيه من أحداث قبل وبعد الاستقلال عام 1956، وكان محبا للتطوير في العمل الصحفي والبعد عن القولبة الجامدة إلا أنه لم يتمكن من ذلك لكون هذه المهنة لها قواعدها الثابتة وضوابطها المتفق عليها بين مختلف المدارس الصحفية، وتوصل إلى قناعة مفادها أنه ليس هناك مجال سوى التفاعل مع هذه المبادئ، مشددا في الوقت ذاته على أن كتابة الخبر الصحفي ليس بالنية أو الهوى أو لهدف معين بقدر ما هو توافر عوامل الخبر وحقيقة مصادره ومتى وأين حصل ومن قام بهذا الحدث؟
تعلمت من الأستاذ محمد عمر أبجديات العمل الصحفي، ولا أنسى أنه كان مدربي حينما التحقت بالعمل في «أخبار الخليج» في إبريل 1999 بالقسم الاقتصادي ثم تدرجت إلى الأخبار المحلية والسياسية، وزاملته في معظم محطات العمل، وكان لتوجيهاته وملاحظاته الأثر الأكبر في الحصول على أخبار نوعية وجيدة ولاسيما أنه قد نجح في نسج علاقات واسعة مع أصحاب الأعمال وعدد من مديري المصارف والشركات المحلية والأجنبية، وعلاقة مميزة مع أعضاء غرفة تجارة وصناعة البحرين وموظفي السفارة الأمريكية في البحرين وغيرها من المؤسسات، وقد فتحت تغطياته الأبواب لبروزه صحفيا مهنيا محترما.
وبدون الإطالة، شاءت الأقدار أن يسقط هذا الرجل (أبوخالد) بين يدي في الحادية عشرة والربع صباح أمس الأول، وكنت معه في مصعد بالعيادة الطبية القريبة إلى مستشفى الكندي حيث اتصل بي لأخذه إلى المستشفى، واستجبت لذلك على الفور بحكم العلاقة التي تربطني به بصفته زميل عمل من جانب، ومن جانب آخر بحكم كبر سنه. وبقدر ما يحنو الأكبر على الأصغر، فالعكس موجود أيضا في العادات والثقافة العربية حيث الموقف الإنساني هو الذي يظلل تلك اللحظة بشموعها المحترقة.
احترت فيما أفعل لحظتها، وسرعان ما أخذته إلى العيادة التي جئنا إليها، وطلبت منها الاتصال بابنه خالد وإعلامه بأن والده قد سقط مغمى عليه، ولحظتها بادر شباب بحرينيون وغيرهم إلى الاتصال بقسم الطوارئ بمستشفى السلمانية للحضور، وما هي إلا 10 دقائق حتى كانوا في موقع الحدث، وباشروا عمل إسعافات أولية مدة قصيرة تلاها أخذه إلى مستشفى السلمانية، وتبعتهم بسيارتي، وكان الوقت حينها قرابة الحادية عشرة و45 دقيقة صباحا حيث لم يستطيعوا أن يعيدوا إليه تنفسه رغم محاولاتهم.
وفي مستشفى السلمانية (حجرة الإنعاش كنت موجودا حيث حضرت عائلته، وفي مقدمته ابنه (خالد وبناته) وعدد من أقاربه رجالا ونساء، وكانت المصيبة مصيبتين، الأم (أم خالد توفيت في العاشرة صباحا) وها هو الأب في حالة حرجة ولربما يتبعها -لا سمح الله- وشاءت الأقدار أن يرحل بحسب كلام الطبيب المعالج الذي بذل كل الجهد مع باقي فريق عمله لإنقاذه، وكان قوله لأخ الفقيد (علي) أنت إنسان كبير وناضج، وتفهم حقيقة الحياة، والأعمار بيد الله، وتابع أننا استطعنا أن نعيد إليه تنفسه لكن وضعه حرج جدا لأن الدماغ لا يعمل. شعرت بدمعة تسيل من عيني، لكني تحملت الوضع بألم الشعور بأن صديقا لك عزيزا عليك يقضي نحبه، ويتوجه إلى ربه، ها هو مسجى، لا تستطيع إن تفعل شيئا حيال ذلك، إنه يتوجه إلى ربه.
كما أضيف هنا ملاحظة أن الفقيد حين تسلم مكالمة على الموبايل في العاشرة و45 دقيقة صباح أمس الأول، كان يهم بركوب السيارة، فلما انتهى من المكالمة حيث كنت استمع إليه وعرفت ذلك، طلبت منه العودة إلى داخل منزله بالبديع، ولكنه أصر أن آخذه إلى الطبيب بالبناية المجاورة لمستشفى الكندي، وفي الطريق، قال لي: وهو أشبه بالجامد والصامت -وهذا ليس من عادته لكونه دائما منطلقا في الحديث وقد يسبقك في الكلام أحيانا- طالما هي (أم خالد) رحلت، فأنا أبقى ليه؟ فقلت له: هذه الحياة، وهذه نهايتها، وخلينا نقرأ على روحها سورة الفاتحة، ونطلب من ربنا الرحمة لها.
النقطة الأخيرة أن الفقيد خلال التوجه إلى المستشفى، كان يوجهني يمينا ويسارا محددا بالضبط توجهات السير كما تعوده، ولم يكن وصفه خطأ، بل كان في غاية الدقة مما يعني أنه كان في وعيه الكامل حينها، مع العلم أنه كان يعاني ضيقا في التنفس بشدة في الأيام القليلة الماضية.
وفي الختام، رحم الله محمد عمر (أبوخالد) وزوجته (أم خالد)، فقد رحلا في وقت متقارب، لا يبعد بينهما إلا يوم واحد.. وسيظل مثار تساؤل معنى وفاتهما في المدة نفسها، ومغزاه عند الله سبحانه وتعالى.. ودفناه مساء أمس (بالقرب منها) بمقبرة المنامة في حضور سوداني مشهود عكس روح الترابط بين أبناء هذه الجالية العربية والمسلمة على هذه الأرض.. (إنا لله وإنا اليه راجعون).