الجريدة اليومية الأولى في البحرين


عالم يتغير




سفراء وناشطون أجانب ومنظمات دولية ومخططات

تاريخ النشر : الثلاثاء ٢١ فبراير ٢٠١٢

فوزية رشيد



} لعل حدس الشعب البحريني ووعي قواه المخلصة لهذا الوطن ولخليجه، سبقا الكثير من التقارير الاستخباراتية أو التحليلات السياسية أو ما تم انكشافه لاحقا على أرض الواقع وسواء في البحرين أو في دول الخليج العربي أو كما نرى في مصر، فان الأدوار المريبة والمسيسة للمنظمات الدولية التابعة للولايات المتحدة قد انكشفت وانكشفت معها تحركات الناشطين الأجانب مما كشفته الصحف المصرية والصحافة البحرينية، وللغرابة فقد تكررت ذات الوجوه في مظاهرات البلدين ليشاركوا في مصر في تسقيط الرئيس المصري وفي البحرين على ذات المنوال.
} أذكر منذ سنوات بعيدة، قبل الاصلاح وبعده، كنت من بين اقلام محدودة، ممن كتبوا يحذرون من الطرائق الأمريكية الملتوية عبر دعم المؤسسات المدنية والأحزاب السياسية، للتوغل داخل المجتمع البحريني وبقية المجتمعات العربية، وكلما كان يزيد الحديث كشفا كان الرد السياسي من بعض الأقلام جاهزا (نحن لا نؤمن بنظرية المؤامرة)، وكثيرا ما كتبنا حول ذلك وقلنا (ان شئتم سموها مخططات، ولكن لا تجعلوا نظرية «حسن النوايا» هي مرشدكم الوحيد) في العلاقة مع دولة امبريالية كبرى تتطلع للهيمنة على كل العالم.
} اليوم ومنذ أزمة البحرين الناتجة عن محاولة الانقلاب الطائفي الفاشلة، ومنذ تفجر المنطقة العربية بما سموه الربيع، أصبح انكشاف المخططات هو السمة الغالبة في الوعي البحريني وخاصة ما يخص دور المنظمات الدولية المسيسة، ودور الناشطين الأجانب التابعين لتلك المنظمات، مثلما دور بعض سفراء الدول الكبرى ونيات الجمهورية الاقليمية الشمالية، حتى أصبح الشك يقينا، وأصبحت المؤامرات واقعا، وجميعها يصب في خدمة اعادة رسم الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، الذي تطلب سيناريوهات جديدة، على وقع سقوط بغداد في أيدي الاحتلالين الأمريكي والإيراني، لتتداخل معها الأجندات وعقد زواج المتعة بينهما، مما أصبح حديثا روتينيا عاديا في فم الناس، وخاصة ما يتعلق بالاستراتيجية الأمريكية الجديدة، والمليئة بالمراوغات والتحايل، وتوظيف كل الأدوات من أجل رسم هذا الشرق الأوسط الجديد على وقع موسيقى الفوضى الخلاقة، ومفاعيلها اللاحقة لتقسيم الخريطة العربية، وتمزيقها وركوب ظهر الثورات العربية، واستثمارها لتنفيذ المخطط الكبير، في إطار لعبة الطموحات الأمريكية والإيرانية المزدوجة.
} المسألة بعد هذا ليست أن نعرف، أو نكتشف المخططات، ومن أجل المعرفة والاكتشاف نترك أحياناً الحبل على الغارب، بما يخص تحديداً تحركات بعض السفراء الأجانب وعلى رأسهم السفير الأمريكي، ونترك معه الباب مشرّعاً للعديد من المنظمات الدولية وناشطيها المستخدمين، لنثبت أننا بلد الحريات، أو أن نترك للأدوات التأزيمية والتخريبية حرية التأزيم وحرية التخريب، لنثبت للعالم أننا بلد الديمقراطية وحقوق الإنسان وحسب المقاسات الغربية التي لا يتم تطبيقها إلا علينا والتي ارتبطت بها الدولة البحرينية حسب الاتفاقيات الدولية التي أيضا اتضح حجم الخداع والتحايل والابتزاز فيها إلى جانب ازدواجية المعايير.
} المهم اليوم هو أن ندين ونأخذ موقفا سياديا من كل من يخالف قوانين وأمن بلادنا، وكل من يضرب في استقراره، وكل من يتحرك في أجواء خلق الفتنة والفوضى، فأمام الأمن القومي والمصلحتين الوطنية والشعبية، نحن بحاجة إلى تفعيل قوانين ذلك الأمن وتلك المصالح العليا، وأن نلزم كل مخالف بأن الحقوق توازيها الواجبات، وأن ما يربط الدول هو مصالح مشتركة، وبما لا يضر بأمن واستقرار البلد، وأن الشك في تحركات تلك الجهات يسبق اليقين وحسن النيات، خاصة في ظل انكشاف الأدوار واللعب والضغوط الدولية، لغايات لا تخدم في الأصل معايير الديمقراطية أو الحقوق الإنسانية أو الإصلاح، وإنما تستخدمها تلك الدول كمشجب لهدف التدخل في الشئون الداخلية لبلادنا.
} السفير الأمريكي مثلاً، وعلى الرغم من انكشاف دوره وانفضاح تحركاته ولقاءاته السرية وعلى الرغم من نكرانه (اللفظي) للتهم الموجهة إليه، فإنه لايزال يتدخل في البيت البحريني، ويلتقي لقاءات مشبوهة وبعضها منكشف على الرغم من سريتها، وسواء ما يتعلق بالترتيب في دعم قوى التأزيم والانقلاب، أو في دعم من يُسمون أنفسهم ناشطين حقوقيين، أو رئيس تحرير صحيفة تتبنى المنطق التأزيمي، وتخدم قدر مستطاعها أفكار الانقلابيين، والسفير لا يقف عند هذا الحد وهو يعلن دعمه المباشر لتحركات «نبيل رجب» مثلا وتشجيعه على التمادي، وإنما هو يعمل بالضرب مباشرة في النظام السياسي وفي الدستور وفي عقدنا الاجتماعي، إن صح ما يتناقله بعض الألسن والمواقع و«القروبات»، حول لقائه بعض شخوص، بينهم شخص من إحدى العائلات الكبيرة في البحرين والتخطيط لاستهداف العائلة الحاكمة واستبدالها.
} نقول إن صح خبر هذا اللقاء الأخير، الذي أرادوا إشراك السفير البريطاني فيه وتعذر ذلك لسفره، فإننا هنا ليس فقط أمام تدخل في الشئون الداخلية لدولة مفترض أنها مستقلة وذات سيادة، وإنما نحن هنا أمام «فضيحة دبلوماسية كبيرة»، تضرب عرض الحائط بكل المواثيق والأعراف الدولية، وأمام صفاقة لا نظير لها في العمل الدبلوماسي لهذا السفير، وأمام سيناريو جديد من اللعب الخطر يتم العمل على تحريكه بعد فشل مخطط الانقلاب الطائفي، وأمام عمل مفتوح لادخال البلاد في الفوضى الهدامة من أوسع أبوابها، وأمام سؤال كبير حول الأداء الأمريكي تجاه البحرين وحكمها الشرعي.
} لذلك فإنه وأمام ما يتكشف من عمل المنظمات الدولية ومشاركة الناشطين الأجانب مباشرة في التظاهرات غير المرخصة، أو حتى إن كانت مرخصة، ومن عمل السفير الأمريكي الذي يوزع ابتساماته الماكرة في كل مكان، ثم يحول سفارته إلى ورشة عمل تحاول أن تسبق الزمان في وضع مصير آخر للبحرين، أمام كل ذلك وغيره ليس من المعقول أن يستمر مثل هذا العمل وهذا الأداء من كل الأطراف تلك السابقة، من دون أن يكون للدولة رد فعل يتناسب مع اشتراطات المواثيق والأعراف الدولية، ومن دون أن يكون للشعب البحريني المخلص موقف فاعل تجاه كل التحركات المشبوهة والمتآمرة على أمننا واستقرارنا وتجاه السفير الأمريكي وسفارته.
لا مكان هنا للتراخي أو المرونة حتى لا تقع الفأس في الرأس .