الجريدة اليومية الأولى في البحرين


المال و الاقتصاد


أفق اقتصادي غائم يبث القلق في نفوس الإيرانيين

تاريخ النشر : الثلاثاء ٢١ فبراير ٢٠١٢



طهران ـ رويترز: أشاحت مرجان حميدي بوجهها عن محل الجزار في منطقة مزدحمة في سوق ايرانية كبيرة. فمحاولتها شراء البقالة بأسعار معقولة لا تمضي على ما يرام.
قالت بخيبة أمل «كل شيء أصبح باهظ الثمن في الاسابيع القليلة الماضية.. لكن دخل زوجي كما هو. كيف يمكن أن أعيش بهذه الطريقة؟».
ويتضافر تشديد العقوبات الدولية المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي المثير للجدل مع تضخم جامح مما يقيد قدرة الطبقة العاملة الايرانية على إعالة نفسها وعائلاتها.
ويهيمن عدم التيقن والصعوبات المالية على الاجواء قبيل انتخابات برلمانية مقررة في الثاني من مارس. ويبلغ معدل التضخم الرسمي 21 بالمائة لكن منتقدين للرئيس محمود أحمدي نجاد وسياسته الاقتصادية يقولون ان تلك الارقام زائفة وان التضخم الحقيقي حوالي 50 بالمائة.
وقالت الأم البالغة من العمر 52 عاما أثناء وقوفها في السوق المغطاة النابضة بالحياة «قدرتي الشرائية تتراجع كل يوم تقريبا وأسعار الاغذية الاساسية تقفز بين عشية وضحاها».
وقالت حميدي وهي تشير إلى سعر اللحم «مدخراتي المصرفية تنكمش. لا أستطيع تحمل تكاليف المعيشة التي لا تطاق بالاعتماد فقط على معاش التقاعد الذي يتقاضاه زوجي».
وبسعر يبلغ 25 دولارا للكيلو يصبح اللحم على نحو متزايد خارج متناول ايرانيين كثيرين. وقبل ثلاثة أشهر كان السعر أرخص عشرة دولارات.
مريم بخشيان مواطنة ايرانية أخرى جاءت إلى السوق لشراء القماش. وشأنها شأن معظم الناس كان بالها منشغلا بالاسعار المرتفعة.
وقالت بابتسامة لم تخف إحباطها «الامر يدعو للسخرية.. ففي حين أستطيع بصعوبة تلبية حاجاتي اليومية يقوم بعض الناس بتخزين البضائع تخوفا من نقص محتمل في المستقبل».
وفي الشهر الماضي تقاطر ايرانيون كثيرون على المتاجر وأفرغوا الارفف تحسبا لأنباء سيئة. ونتج ذلك عن تكهنات متنامية بأن اسرائيل والولايات المتحدة ستشنّان ضربات عسكرية ضد المواقع النووية الايرانية.
وعلى الجانب الاخر من المدينة كان مجتبى (60 عاما) الموظف الحكومي المتقاعد يشتري للتخزين من متجر فاخر وذراعاه تنوءان تحت عبء أكياس التسوق المنتفخة.
وقال متحدثا عن خططه الطارئة لمواجهة نقص في السلع «انس المواد القابلة للتلف مثل اللحم. اذا حدث أي شيء للكهرباء فستضطر إلى التخلص من كل شيء».
وقال «من الافضل شراء الارز والاغذية المعلبة والمعكرونة والمعجنات وزيت الطعام» مضيفا أنه اشترى حتى الآن 400 كيلوجرام من الارز وصناديق من الاغذية المعلبة وضروريات أخرى.
وفي حين أن العقوبات على إيران ليست أمرا جديدا فإن الجولات الاحدث استهدفت صناعة النفط والمؤسسات المالية في مسعى لحمل القيادة على التخلي عما يعتقد الغرب أنه برنامج لانتاج أسلحة نووية. وتصرّ طهران على أن أنشطتها النووية سلمية.
وتقول الحكومة ان العقوبات لا تؤثر تأثيرا يذكر، لكن تهاوي قيمة العملة الايرانية الريال يثير فزع الايرانيين. ورغم اجراءات من البنك المركزي الايراني لدعمه فقد الريال نصف قيمته مقابل الدولار منذ ديسمبر.
ويبحث الايرانيون بحثا حثيثا عن ملاذات آمنة لمدخراتهم ويتكالبون على شراء العملات الصعبة أو الذهب.
وفي حين يلقي كثيرون باللوم على العقوبات في ارتفاع الاسعار فإن هناك استياء شديدا أيضا ازاء الحكومة لتطبيقها اصلاحات اقتصادية أدت إلى سحب الدعم المكثف لأسعار الوقود والمواد الغذائية الاساسية في نهاية 2010.
ويعبر منتقدون كثيرون - من بينهم أعضاء بالبرلمان - عن مخاوفهم علنا بشأن الاصلاحات ويقولون ان دعما نقديا شهريا قدره 40 دولارا للفرد لا يكفي.
ونقلت صحيفة همبستجي عن محمد رضا بهونار وهو نائب كبير بالبرلمان قوله «قد نصل إلى مرحلة يتمنى الناس فيها لو أن القانون لم يطبق قط».
وفي أنحاء البلاد يبدي بعض الايرانيين تشككا في أن الادلاء بأصواتهم في الانتخابات بعد أقل من أسبوعين يمكن أن يحسن أوضاعهم. ويبدي الزعماء قلقا متزايدا من ضعف نسبة المشاركة في انتخابات يهيمن عليها الهمّ الاقتصادي.
وقالت بارفين (59 عاما) وهي ربة بيت من مدينة جورجان في جنوب البلاد: «لا أحد في عائلتي يعتزم التصويت.. هذا آخر شيء نفكر به. ما الفائدة.. العقوبات مشكلة لكن السياسات الاقتصادية لحكومتنا مشكلة أيضا. الحياة أصبحت لا تطاق».
وفضلا عن الاسعار فإن البطالة مبعث قلق آخر للايرانيين الذين يحاولون تلبية حاجاتهم. وعلى مدى العام المنصرم كان للصعوبات المالية المتصاعدة عواقب وخيمة على مختلف الشركات الكبيرة والصغيرة. عشرات الالاف من الوظائف ألغيت، وتتحدث مواقع المعارضة عن اضرابات لعمال لم يحصلوا على أجورهم لشهور.
وبدلا من التفكير في الانتخابات الوشيكة يبدو ايرانيون كثيرون منشغلين بإيجاد السبل للحد من معاناتهم وزيادة مواردهم. وبالنسبة إلى الشبان والطبقات الوسطى المتعلمة يعني هذا الخروج من ايران.
هدف رضا هو السفر إلى فرنسا. قال المحاسب البالغ 30 عاما وهو يقف في طابور عند السفارة الفرنسية في طهران «لا أريد أن أنجب طفلا هنا.. يمكن أن أصبح بلا عمل في أي لحظة. لا أمل لي ولزوجتي هنا.. كل ما أريده هو السفر. مستعد حتى للعمل في ماكدونالدز».
ولحامد هاشمي هدف مماثل هو السفر إلى كندا.
وقال مدير التسويق البالغ 31 عاما بينما كان يناقش الزيادة الكبيرة في أسعار المنازل في الاسابيع الاخيرة «أتقاضى راتبا جيدا لكنه لا ينفع بشيء.. حتى اذا ادخرت كل دخلي فسأقضي عمري كله كي أشتري منزلا».
أما كاميار فقد حصل بالفعل على تأشيرة دخول للنرويج حيث تلقى عرضا للدراسة بالجامعة. وقال مهندس الكمبيوتر البالغ 26 عاما «ما الذي سأخسره.. بدون مساعدة والدي لا أستطيع أن أعول نفسي ناهيك عن أن أتزوج».