الجريدة اليومية الأولى في البحرين


المال و الاقتصاد

نائب رئيس جمعية المحللين الماليين في البحرين لـ «أخبار الخليج»:
الأسواق الخليجية أصبحت الآن أكثر عرضة من الماضي للتقلبات المفاجئة

تاريخ النشر : الثلاثاء ٢١ فبراير ٢٠١٢



يسود اعتقاد واسع النطاق حالياً، بأن السنوات القليلة الماضية شهدت مستويات مرتفعة تاريخياً من التذبذب في عائدات الاستثمار في أسواق الأسهم. وفي أعقاب مقال نشره سابقاً في ملحق الأسواق المالية لصحيفة «فاينانشال تايمز»، يقوم رودني سولليفان، مدير دائرة المطبوعات في معهد المحللين الماليين القانونيين CFA بالاشتراك مع السيدة لميس البحارنة، نائب رئيس جمعية المحللين الماليين المعتمدين في البحرين، بوضع تذبذب الأسواق الراهن في سياقه التاريخي، ومناقشة العوامل المؤثرة على مستوى المخاطر في الأسواق.
- ما مدى قوة التذبذب الحالي للأسواق مقارنة بمستوياته التاريخية؟
شهدت السنوات الأخيرة مستويات عالية من التذبذب في السوق. إلا أن العديد من المراقبين سوف يفاجأون حين يعلمون أن الأسواق عانت منذ عام 2000 وحتى الآن، وهي فترة يعتقد الكثيرون بأنها شهدت مستويات مرتفعة من الغموض، من مستويات تذبذب مرتفعة نسبياً تاريخياً. وعلى سبيل المثال، قدَّرت مؤشرات شركة مورجان ستانلي الرأسمالية الدولية الخاصة بمناطق أوروبا وأوقيانوسيا والشرق الأقصى (MSCI EAFE)، معدل تذبذب الأسواق مقوَّماً على أساس سنوي خلال الفترة الواقعة بين عامي 2000 و2011 بنحو 19%، وفق مؤشر الانحراف القياسي للعائدات. إلا أن نفس هذا المستوى من التذبذب يَتَّسِق مع المستوى الذي شهدناه خلال السنوات الأربعين الماضية (1971 – 2011). وما يثير الاهتمام، هو أننا إذا توغَّلنا أكثر في الماضي لن يشكل حتى المستوى الراهن من التذبذب مفاجأة لأحد. وتشير الإحصاءات إلى أن المستويات المقوَّمة سنوياً لتذبذب أسعار الأسهم خلال فترة الأعوام الأربعين الواقعة بين عامي 1926 و1971، كانت 25% بالنسبة لأسهم الشركات الكبرى العالية الرسملة مقارنة مع 22% خلال السنوات الثلاث المنصرمة.
- كيف كان أداء الأسواق الخليجية مقارنة مع الأسواق العالمية؟
تشهد أسواق دول مجلس التعاون الخليجي بصورة عامة مستويات تذبذب أعلى من تلك التي تشهدها الأسواق الصاعدة، إلا أننا يجب أن نتوخّى الحذر قبل إطلاق أحكام نهائية على السوق لأنها تفتقر إلى العمق التاريخي الكافي. أما إذا التزمنا بالمقياس المعياري للمخاطر المتمثل بمؤشر الانحراف القياسي للعائدات، فسوف نكتشف أن مستوى تذبذب أسواق دول المجلس على المدى القريب كان أدنى مما كان عليه على المدى البعيد مقارنة بالمستويات التي استعرضناها أعلاه. ويقدِّر مؤشر ستاندرد آند بورز (S&P) لأسواق الأسهم الخليجية متوسط نسبة المخاطر المقوَّمة سنوياً والتي تتهدد تلك الأسهم بنحو 15% خلال العامين الماضيين، بينما بلغ قرابة 25% خلال الأعوام الخمسة الماضية. وتعبِّر مقاييس المخاطر الأخرى أيضاً عن نفس التوجهات. وهكذا نجد أن نسبة الحد الأقصى للانخفاض (الفرق بين الذروة والحضيض) على سبيل المثال، بلغت 10% خلال العامين الماضيين، بينما سجلت رقماً قياسياً بلغ 62% خلال الأعوام الخمسة الماضية.
- هل يعني ذلك أن نسبة المخاطر السوقية الآن تضاهي نظيراتها في الماضي البعيد؟
حين نستعرض حركة الأسواق في الماضي، سوف نجد أن نسبة التذبذب الراهنة في الأسواق ليست غير مسبوقة، رغم أنها تمثل أعلى مستوى يستطيع معظمنا أن يتذكر حدوثه. لكننا لا يجب أن ننسى أن نسبة التذبذب ليست سوى أحد المعايير المستخدمة في حساب نسبة المخاطر. ويجب علينا بالتالي أن نهتم بالمعايير الأخرى بشكل أكبر، مثل السيولة المتاحة ونسبة الاقتراض ومقدار الانخفاض في سعر الأسهم في المحافظ الاستثمارية المرتبطة باضطراب الأسواق، أي حين تشهد تلك الأسواق عائدات سلبية مرتفعة، كما حدث خلال الأزمة المالية العالمية التي انطلقت شرارتها في خريف عام 2008، وما سُمِّيَ بـ «الانهيار السريع» الذي حدث في مايو 2010.
- هل ازدادت احتمالات تعرض الأسواق إلى مثل هذه الاضطرابات المفاجئة الآن؟
رغم أن المعدل الراهن لمؤشر الانحراف القياسي للعائدات يتماشى إجمالاً مع المستويات التاريخية، لا يشكل هذا المؤشر سوى واحد من معايير عدة أخرى لقياس نسبة المخاطر. وتشير أحدث الدراسات إلى أن الأسواق أصبحت الآن أكثر عرضة من الماضي للتقلبات المفاجئة. لذلك يمكننا الرد بالايجاب على هذا السؤال، لنقول نعم، وإن الأسواق تبدو بشكل متزايد أكثر حساسية واستجابة للأخبار والأحداث المفاجئة التي تؤثر فيها سلباً.
- لماذا يتزايد ضعف قدرة الأسواق على مواجهة المخاطر؟
تطرح الدراسات الحديثة عدداً من الأسباب المحتملة لتزايد ضعف الأسواق وقدرتها على مواجهة المخاطر. ومن أبرز الأسباب التي ساقتها تلك الدراسات، النمو المتواصل للأصول المستثمرة في صناديق الاستثمار بالأسهم المدارة بأسلوب «غير نشيط» وفق تحرك المؤشرات الرئيسية، وفي الصناديق التي يتم تداول أسهمها في الأسواق ETF خلال السنوات القليلة الماضية، والتي ناهزت قيمتها التريليون دولار أمريكي بحلول نهاية عام 2010. الأهم من ذلك كله، أن كتلة أسهم صناديق ETF باتت تشكل الآن نحو ثلث إجمالي الأسهم المتداولة في الأسواق. ويتم جانب كبير من الاتجار بأسهم صناديق ETF بأسلوب «السَّلَّة»، أي شراء أو بيع العديد من الأسهم المدرجة ضمن مؤشر أسهم محدد. وتجنح الأسهم الموجودة في تلك السلة أو المؤشر بالتالي إلى التحرك بشكل جماعي طوال يوم التداول. ويؤدي ذلك بدوره إلى تعزيز العلاقة بين تحرك الأسواق وبين الأخبار والأحداث المفاجئة، ويترك آثاراً غير مُستحبَّة على الأسواق.
- ما هي الأسباب الأخرى لهذا الضعف؟
لا يشكل تزايد الاتجار وفقاً لمؤشرات محددة سوى أحد العوامل المحتملة بالطبع لهذه الظاهرة. ويتعلق السبب الثاني المحتمل بصناديق الاستثمار المدارة بأسلوب «نشط» لتحقيق عائدات تفوق متوسط عائدات مؤشر معيَّن. وتفيد أحدث الدراسات بأن مستوى اتباع تلك الصناديق لسياسة تحقيق نفس العائدات التي تحققها الأسهم المدرجة في مؤشر معين للأسهم، يتنامى منذ عام 1995 تقريباً. ونظراً لكون العديد من الصناديق المدارة بأسلوب نشط، تدار استناداً إلى أداء مؤشرات أسهم معينة مثل «ستاندرد آند بورز 500» (S&P 500 Index)، فمن المرجح أن يتركز اتجارها في الأسهم المدرجة في المؤشر المعني. ومن هذا المنطلق، يمكننا القول بأن تلك الصناديق تسهم بدورها في تزايد مخاطر الأسواق نظراً لاعتمادها أسلوب الاتجار بالسلة. ويتعلق أحد الأسباب المحتملة الأخرى بتزايد انتهاج مختلف استراتيجيات الاستثمار الكمّي. وقد يسهم النمو الإجمالي لهذا الأسلوب الاستثماري في حدوث اضطرابات سوقية دورية، حين يكتشف مديرو الصناديق التي تنتهج استراتيجية الاستثمار الكمي، أنهم يتاجرون بنفس الأسهم استناداً إلى نفس الإشارات التي ترسلها تلك الاستراتيجية إلى الصناديق الأخرى التي تنتهج نفس الاستراتيجية.
أخيراً، نستطيع بحث الدور الذي يلعبه السلوك البشري في نشاط وانحرافات الأسواق. وبصفتنا كائنات اجتماعية، تدفعنا بعض السلوكات الإدراكية والعاطفية المبَيَّتَة فينا إلى ارتكاب أخطاء في الحكم على الأمور التي تسهم في اضطراب الأسواق. وإذا استعرضنا عواقب مبالغتنا بالثقة بقدرتنا على إدارة مخاطر الاستثمار في الكثير من الأحيان، لاكتشفنا أن هذا السلوك يدفعنا للوقوع في فخ الاعتقاد بأنه يمكن التنبؤ بالمستقبل بدلاً من اعتباره أمراً غير مؤكد.
- هل هناك أسباب أخرى لتزايد هذا الضعف في أسواق الأسهم الخليجية؟
قد تكون العوامل التي تسهم في تذبذب الأسواق العالمية (مثل ارتفاع الاتجار بأسهم صناديق ETF وأسلوب السلة)، أقل تأثيراً في أسواق الأسهم الخليجية. إذ أن الاتجار وفق تحرك مؤشرات أسهم معينة ليس منتشراً بعد في تلك الأسواق بقدر الاقبال على الصناديق المدارة بأسلوب نشط. وقد يلعب الافتقار لمؤسسات استثمارية كافية وانخفاض السيولة النقدية، دوراً أكبر في ارتفاع نسبة المخاطر في تلك الأسواق. كما قد تؤدي هيمنة الاتجار بالأسهم بالتجزئة إلى تحيُّز سلوكي يسهم بدوره في تزايد المخاطر.
- ما هو تأثير هذا الضعف المتزايد على المستثمرين؟
أياً كانت العوامل التي تقف وراء تزايد تعرض الأسواق للمخاطر خلال العقود القليلة الماضية، إلا أن هذه الظاهرة تؤدي في جميع الأحوال إلى تراجع القدرة الراهنة للمستثمرين على تنويع مخاطرهم. وتكتسب هذه الظاهرة أهمية أكبر بالنسبة لمديري المحافظ الاستثمارية، لأن سعيهم لتنويع المخاطر يكون أقل فعالية حين تزداد نسبة تذبذب الأسواق وأسهم شركات بعينها. وأضافت هذه العوامل المزيد من التحديات لحسابات إدارة المخاطر لدى إنشاء المحافظ الاستثمارية. إضافة إلى ذلك، تراجعت مزايا التنويع لدى الاستثمار في الأسهم بالنسبة لجميع أنواع المحافظ الاستثمارية (أسهم الشركات منخفضة أو مرتفعة الرسملة، الأسهم الواعدة بمزيد من النمو والأسهم المقوَّمة بأقل من قيمتها الحقيقية). وإذا توخينا المزيد من التحديد، يمكننا القول بأن المستثمر الذي يسعى للمحافظة على نسبة مخاطر مماثلة لتلك السائدة في الأسواق الآن، يحتاج إلى زيادة عدد الأسهم التي يقتنيها بشكل كبير. وهذا ما يفسر سبب التراجع الكبير الذي حدث خلال العقود القليلة الماضية، في قدرة المستثمرين على تنويع المخاطر عن طريق تنويع مكوِّنات محافظهم الاستثمارية من الأسهم بشكل جيد. وهكذا أصبح الاستثمار في الأسهم سواء كان مرتبطاً بتحركات مؤشرات معينة للأسهم أم لا، عملية أكثر خطورة في نظر المستثمرين. على أية حال، يستطيع المستثمرون تحسين إجراءاتهم الاستثمارية من خلال إضافة تأثير تزايد مخاطر الأسواق إلى حسابات نموذجهم الخاص بتنويع المخاطر وتخصيص أصولهم الاستثمارية.