مقالات
قمة بغداد العربية.. بين السجال العراقي وحقيقة المشاركة العربية
تاريخ النشر : الثلاثاء ٢١ فبراير ٢٠١٢
مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية
في الوقت الذي تنشغل فيه الساحة السياسية العراقية بالإعداد والحشد لعقد المؤتمر الوطني العراقي الذي يعول العراقيون عليه كثيرًا في إيجاد حل لأزمة التشرذم السياسي والطائفي التي يعانيها هذا البلد من قرابة التسع السنوات، وفي الوقت أيضًا الذي مازالت تتفاعل فيه قضية اتهام نائب الرئيس العراقي «طارق الهاشمي» بالضلوع في الإرهاب، فوجئ المراقبون والمعنيون بالشأن العراقي في الأيام الأخيرة بقضية جديدة طفت على سطح الأحداث العراقية، وإن كانت مختلفة في طبيعتها.. ألا وهي ما يثار من سجال أو جدل حول استضافة بغداد للقمة العربية الـ 23 المزمع عقدها في نهاية مارس القادم.. وهو السجال الذي كشف عن وجود حالة من الانقسام بين القوى والأطياف السياسية العراقية حول هذه القمة.. التي تعد الثالثة التي يستضيفها العراق بعد قمتي بغداد لعامي 1978 و.1990
إن مثل هذا السجال في حقيقة الأمر يثير علامات استفهام كبيرة.. فهل اكتشف فريق من العراقيين فجأة أن بلدهم غير مستعد لاستضافة القمة، أم أن الانشغال بالوضع السياسي الداخلي أو بقضايا وملفات وطنية تبدو مهمة بالنسبة لهم ـ كالمذكورة أعلاه ـ هو الذي أدى لذلك؟ وهل هذا الجدل العراقي مرتبط بتوقعات خاصة بالقمة واحتمالات نجاحها أو فشلها أم أن الأجواء الإقليمية السائدة لجهة تأزم علاقات العراق ببعض الدول العربية والمناخ المتوتر في العالم العربي تجعل توقيتها غير ملائم بالنسبة للمعارضين لعقدها؟ كل هذه تساؤلات تطرح نفسها وتبحث لها عن إجابات، وهذه الأخيرة لا يمكن التعرف عليها إلا من خلال الوقوف على مبررات القوى والأطياف السياسية المختلفة المؤيدة والمعارضة لانعقاد القمة في بغداد مع استعراض المطلوب من الحكومة العراقية المتحمسة لها حتى تضمن استقطاب الدول العربية للمشاركة فيها.
بداية، وقبل استعراض الجدل الدائر حول قمة بغداد، لابد من الإشارة أولاً إلى أن سعي العراق لاستضافة القمة العربية على أرضه لم يكن يتصور يومًا أن يكون محل جدال داخلي، بل إن المنطقي أن تأتي الاعتراضات أو قل التحفظات على هذه الاستضافة من جانب الدول العربية بسبب المواقف السياسية لبعض القيادات العراقية المعادية لبعض الدول العربية وخاصة الخليجية، ولحالة عدم الاستقرار السياسي والأمني التي عاناها على مدى سنوات طويلة منذ احتلاله حتى وقت قريب.. فالواقع يقول إن الحكومة العراقية برئاسة «نوري المالكي» ومنذ مرحلة مبكرة من توليها المسؤولية قد سعت بدأب داخل الجامعة العربية ومن خلال علاقاتها الثنائية مع بعض الدول العربية إلى استضافة القمة العربية وكانت في مسعاها هذا ترمي إلى تحقيق عدة أهداف.. أولها: كسر حالة العزلة التي يواجهها العراق والتي فرضت عليه بسبب الاتهامات التي وجهت إلى حكومة «المالكي» بالتبعية لإيران وتغلغل الأخيرة في الشأن العراقي.. وثاني الأهداف.. إعادة الوهج إلى العلاقات العراقية ؟ العربية، حيث تعتمد الحكومة العراقية على دور بعض الدول العربية وتحديدًا دول مجلس التعاون الخليجي في تمويل البرامج التنموية ومشروعات إعادة الإعمار من خلال ما تقدمه من منح ومساعدات أو من خلال ما توجهه من استثمارات لهذا البلد، وثالث الأهداف هو توجيه رسالة للقيادات العربية من خلال المعاينة على أرض الواقع بأن العراق أصبح مستقرٌّا ومعافى أمنيٌّا، ومن ثم لا توجد من ناحية أي موانع تعوقه عن استضافة أي مؤتمرات أو مناسبات عربية، ومن ناحية ثانية تشجيع المتردد من هذه الدول على إعادة فتح سفاراتها وقنصلياتها في بغداد وفي مختلف المدن العراقية الأخرى.
تلك الجهود والمساعي العراقية قد تكللت بالنجاح حين قرر القادة العرب في قمة سرت العربية (27-28/3/2010) وإعمالاً لتقليد تداول استضافة القمة بين العواصم العربية، إقامة القمة (الـ 23) في العراق، بيد أن استضافة العراق للقمة من الناحية العملية كانت مرهونة بأمرين.. الأول: استقرار الوضع الداخلي سياسيا وأمنيا.. حيث سبقت الإشارة إلى أن الدول العربية مازالت تتخوف من الوضع الأمني هناك، ولاسيما التفجيرات التي شهدتها بغداد ومناطق أخرى في البلاد خلال الشهور الأخيرة، فضلاً على استمرار حالة التشرذم السياسي والطائفي وغياب الثقة بين أهل الحكم ومختلف القوى السياسية وهي أوضاع قد لا تشجع القادة العرب على القدوم إلى بغداد.
الأمر الثاني: مرتبط بالأجواء الإقليمية وطبيعة علاقات العراق مع الدول العربية، فمن المفترض أنه كلما كانت هذه العلاقات تتسم بالاستقرار والإيجابية، كان هناك حرص من الدول العربية على المشاركة في القمة، بينما كلما كانت هذه العلاقات تتسم بالتوتر وعدم الاستقرار كان هناك إحجام من تلك الدول عن المشاركة، وهنا يشار إلى عدم الرضا العربي عن التغلغل الإيراني داخله، علاوة على توتر الأجواء بين بغداد وبعض دول الخليج مثل البحرين والسعودية والكويت.
والمتابع لمواقف القوى والأطياف العراقية المختلفة من استضافة القمة، ولاسيما القوى المعترضة عليها - على الأقل في الوقت الحالي - سيلاحظ إن هذه المواقف قد تأثرت بطريقة أو أخرى بالأمرين أو الاعتبارين السابقين.. فيما لم يعر المؤيدون لاستضافة القمة اهتمامًا لما يسوقه المعارضون من حجج وأكدوا الاستعداد التام لاستضافتها في موعدها المحدد.
ولو استعرضنا مواقف الجانبين للوقوف على حجج كل منهما سنجد الآتي:
أولاً- المعارضون، وهؤلاء يسوقون عدة مبررات منها:
- الخلافات السياسية الداخلية بين الحكومة والبرلمان، فهذه الخلافات وفقًا لقيادي في القائمة العراقية تعطي رسائل غير مطمئنة للمحيط الإقليمي وتنهي الاحتمالات القليلة لإمكان استضافة العراق لهذا المحفل العربي.
- خروج العراق عن الإجماع العربي، فيما يخص الأزمة السورية وقضايا عربية أخرى جعل الدول العربية - بحسب القائمة العراقية - تتحفظ على كثير من السياسات العراقية، بل تتخذ منها مواقف غير إيجابية.
- عدم ملاءمة الوضع السياسي لبعض الدول العربية، فبعض الدول العربية ؟ وفقًا للقائمة العراقية - لاتزال في طور التأسيس مثل اليمن وليبيا وتونس ومصر وبالتالي سيكون الحضور العربي للقمة متواضعًا، كما أن الواقع العربي الحالي تصعب فيه إقامة أي قمة عربية بسبب التصعيدات التي تشهدها المنطقة والمتمثلة في الاضطرابات.
- التدخلات الإقليمية في الشأن العراقي، فبعض الدول العربية ؟ بحسب مصدر كردي- مازالت مستاءة من التغلغل الإيراني في العراق والتأثير القوي لإيران في السياسة العراقية واستمرار حالة الارتباط القوي بينها وبين بعض الأحزاب والقوى العراقية، مما يضعف من مشاركة الدول العربية الرافضة لهذا التدخل في القمة.
- التدخل العراقي في شؤون بعض الدول العربية، فوفقًا لمصدر سياسي عراقي فإن التصريحات التي يدلي بها بعض الساسة العراقيين ضد بعض الدول العربية والتدخل في مشاكلها تقف وراء تحفظ بعض الدول على حضور القمة.
ثانيًا- المؤيدون لاستضافة القمة، وهؤلاء بدورهم ؟ وأغلبهم محسوبون على الحكومة وائتلاف دولة القانون ؟ يبررون موقفهم استنادًا إلى عدة مبررات منها:
- أهمية عقد القمة لمناقشة تطورات الأوضاع في المنطقة، فتأخير عقد القمة من وجهة نظر هؤلاء هو بمثابة تأخير في إمكانية بحث العرب شؤونهم بأنفسهم وطرح حلول لها، فإذا كان العالم مهتما بمناقشة الأوضاع العربية، فإن العرب أولى بأن يجتمعوا ويبحثوا أوضاعهم ويعرضوا أفكارهم للمستقبل بشأن كيفية التعامل مع هذه التطورات.
- انتهاء الحكومة العراقية من الاستعدادات اللازمة لاستضافة القمة؛ حيث تؤكد الخارجية العراقية على لسان وكيلها «لبيد عباوي» أن الحكومة هيأت المستلزمات كافة لاستضافة القمة على أعلى المستويات من ناحية أماكن استقبال الوفود وتوفير الجوانب الأمنية، كما ستقوم وفود رسمية من الحكومة بزيارة جميع الدول العربية لتوجيه دعوات رسمية إلى زعمائها لحضور القمة.
- تحسن الوضع الأمني في العراق، فالوضع الأمني وفقًا للمؤيدين لا يمكن أن يؤثر في عقد القمة، ولاسيما أن المنطقة العربية تشهد حاليا توترات أمنية، والعراق مقارنة بغيره من الدول العربية وضعه الأمني جيد، كما أن المنطقة التي ستعقد بها القمة (ببغداد) ستكون مؤمنة بشكل جيد.
- تحسين علاقات العراق المتوترة ببعض الدول العربية، فالقمة ستكون فرصة جيدة لتحسين علاقات العراق بدول مجلس التعاون الخليجي، ولاسيما السعودية والبحرين، الأمر الذي سينعكس على الوضعين السياسي والأمني في العراق وعلى المملكتين، ويمتد ليشمل الدول الخليجية والعربية كافة.
ومن استعراض السجال السابق بين المعارضين والمؤيدين لاستضافة القمة العربية في بغداد يمكن القول إن هذا السجال يكشف عن مدى حرص الحكومة على انعقاد القمة في موعدها وحرصها كذلك على أن تكون مشاركة الدول العربية على أعلى المستويات من خلال حضور الملوك ورؤساء الدول.. وأيضًا يكشف هذا السجال عن أن المعارضين لاستضافة القمة في الوقت الحالي لا يهدفون من وراء معارضتهم إحراج حكومة المالكي، وإنما تنطلق مخاوفهم من فشل القمة نتيجة لإحجام القادة العرب عن الحضور إلى بغداد.
ويرى محللون أنه حتى يمكن أن يتفادى العراق مقاطعة بعض الدول العربية للقمة ويضمن مشاركتها جميعًا فيها، فإنه مطالب بتوجيه عدة رسائل إلى هذه الدول:
- الرسالة الأولى، خاصة بالوضع السياسي في العراق، فالفرقاء العراقيون مطالبون بإنجاح المؤتمر الوطني وتحقيق المصالحة الشاملة من خلال التوصل إلى توافق حول قضايا العمل الوطني، فتحقيق نتيجة إيجابية في هذا الشأن سيساعد على تشجيع الدول العربية على المشاركة في قمة بغداد والحرص على إنجاحها.
- الرسالة الثانية، تغيير موقف الحكومة العراقية من الأزمة السورية (وهو الموقف المؤيد لنظام بشار الأسد) ليتبنى الموقف العربي والخليجي، ولاسيما أن الدكتور «نبيل العربي» أمين عام الجامعة العربية أبلغ «علي الدباغ» المتحدث باسم الحكومة العراقية خلال لقائه إياه في أواخر يناير الماضي أنه ما لم تغير الحكومة العراقية موقفها من الأزمة السورية فقد تحجم الدول العربية عن حضور القمة.
- الرسالة الثالثة، تغيير موقف العراق من دول الخليج العربية، فالحكومة العراقية مطالبة بإعلان موقف صريح تبدي من خلاله احترامها لدول الخليج ولخصوصيتها وللشرعية القائمة بها، وهي بهذه الرسالة تُصلح ما أفسدته تصريحات بعض المسؤولين العراقيين في حق مملكة البحرين، التي كان آخرها تصريح «مقتدى الصدر» الذي يعلن فيه دعم الثورة في البحرين بشتى الوسائل، الذي سبقته أيضًا تصريحات مستفزة لـ «المالكي» و«الجلبي»، دفعت في مجملها الحكومة البحرينية لتعلن على لسان وزير خارجيتها «الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة» عدم مشاركة المملكة في القمة.
- الرسالة الرابعة، طمأنة الدول العربية عمومًا ودول الخليج خصوصًا ؟ بصورة عملية - بأن الحكومة العراقية تتبع سياسة مستقلة عن إيران، وأنها لن تقبل أي تدخل من أي دولة في شؤون العراق الداخلية، وذلك من منطلق الحفاظ على سيادته وعلى مصالحه العليا.
ورغم أهمية الرسائل السابقة في تشجيع الدول العربية على حضور قمة بغداد ورغم أن بعضها وليس كلها قد يكون أكثر تأثيرًا في تحقيق هذه المشاركة، فإن رؤية هذه الدول أيضًا لحقيقة الوضع الأمني في العراق وفي مدينة بغداد التي تستضيف القمة ستكون أيضًا حاسمة في تحديد حجم إقبال القادة العرب على الحضور إلى العراق أو قد تدفع الدول العربية إلى المشاركة بمستوى تمثيل أقل (على مستوى رؤساء الحكومات أو وزراء الخارجية)، ولاسيما أن الوضع الأمني في العاصمة العراقية مازال مقلقًا في ظل التفجيرات اليومية المتفرقة التي تشهدها، رغم إعلان الحكومة العراقية اتخاذ التدابير اللازمة لتأمين القمة.
ولعله من الواضح في الوقت الراهن أن الاعتبارات المرتبطة بالداخل العراقي (السياسي والأمني) وكذلك المرتبطة بالأجواء المحيطة بعلاقات العراق وشقيقاته من الدول العربية تمارس تأثيرا سلبيا في القمة العربية ؟ رغم استعداد الحكومة العراقية الجدي لها باعتراف أحمد بن حلي الأمين العام المساعد للجامعة العربية ؟ لذلك فإن الاحتمال الأكبر قد يكون تأجيل القمة مثلما أجلت في العام الماضي، وقد يكون الاقتراح الأكثر عملية ؟ من وجهة نظر البعض ؟ هو إقامتها في مقر الجامعة بالقاهرة تحت رئاسة العراق، وهو اقتراح يبدو وجيهًا