الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أفق


حلٌ توافقي

تاريخ النشر : الأربعاء ٢٢ فبراير ٢٠١٢

عبدالله خليفة



في عقدةِ البحرين السياسية الاجتماعية تنابذتْ الفئاتُ العليا والفئاتُ المتوسطة الصغيرة تنابذاً ليس فيه حلول وسط، المعارضةُ تبقى معارضةً والسلطة تبقى سلطة.
دولُ الخليج العربية بما فيها اليمن لم تصل بعد إلى هذه المرحلة، فهناك اعتراضاتٌ قوية من دول مجلس التعاون لهذا المستوى من التحول.
تحول البحرين لو حدث يكون خرقاً لهذا الإجماع، الذي يُفسرُ بتصلب الجار الإيراني واستغلاله للمشكلات والصراعات الأخوية الداخلية للتأزيم والتصعيد، وكذلك بتباطؤ التحول الليبرالي في دول مجلس التعاون نظراً للخريطة الكبيرة والجذور التاريخية.
والنموذج العراقي الذي طُرح كشكلٍ للديمقراطية وتبادل السلطة غدا بذات الأسسِ الخليجية ولكن من وجهة النظر الإيرانية، وحين حانت لحظةُ التغيير عاد الثباتُ ورُفضت نتائجُ الانتخابات، وكان هذا درساً بليغاً في أن كل دول المنطقة المشرقية الخليجية الإيرانية لم تصل بعد إلى ذروة الديمقراطية.
الحكومةُ الأمريكيةُ بذاتها هربتْ من الجنة الديمقراطية التي أسستها في العراق.
واليمن على طول الثورة المريرة والآلاف من الضحايا من الجانبين الشعبي والحكومي، لم يستطعْ أن يخترق هذا السقف، وجاءتْ المبادرةُ الخليجية لتعكس الدور المركزي لدول الخليج في شبه الجزيرة العربية، وعدم قدرة أي طرف آخر على تشكيل تحولات فيها تكون غير مقبولة لدولها.
فجاءت ثمرةُ الثورة اليمنية معبرة عن هذه الرؤية فتشكلتْ حكومةٌ تعكس التداخل بين قوى من السلطة القديمة وقوى من المعارضة لتشكيل نظام توافقي جديد يتجاوز هذا الشلل السياسي والكوارث التي جرت للاقتصاد والبنية الاجتماعية والخدمات.
في هذه المرحلة إما أن تكون مع وجهة نظر دول المجلس العربي الخليجي وإما أن تكون مع إيران.
الحلُ التوافقي كان موجوداً في وجود المعارضة المذهبية السياسية في البرلمان البحريني، ولكنها قفزت لحل الانتصار في فبراير 2011، من دون قراءة للخريطة السياسية الوطنية وللخريطة المناطقية الصراعية، وقفزتها هذه انطلقت في الفراغ السياسي، وراحت تحومُ في هذا الفضاء طويلاً.
كان تطويرُ العمل السياسي في البرلمان وهو نقلة استعيد بها دور قديم طويل، ضرورياً واستراتيجياً لتطور تلاحم الشعب البحريني الذي فككتهُ السياسياتُ المذهبية والتراجعات في الخدمات وتوزيع الفوائض بشكل وطني عقلاني، وكان يمكن أن يقوم بتصعيد التعاون الوطني لحل المشكلات الشعبية والاقتصادية في جميع الجوانب والتحضير لتحولات أعمق وأوسع في المستقبل.
لكن هذا التجذر الوطني الديمقراطي كان لابد أن يكون مقبولاً عند كل القوى السياسية والاجتماعية، وأساسه الصبر السياسي والقيام بتحولات ملموسة للأغلبية الشعبية.
وجهة النظر العربية الخليجية ووجهة النظر الإيرانية تنزلان كجدار برلين يمتدلا من كركوك حتى مسقط في عُمان، وكان يمكن ألا يكون مثل هذا الجدار البرليني بين الإخوة المسلمين، حين تتوافق السياسات الاقتصادية والاجتماعية على الضفتين وتتعاون فضمن الاختلاف يكون التوافق.
القوى الديمقراطية الوطنية والعلمانية غير مقبولة في الجانب الإيراني والقوى المذهبية السياسية غير مقبولة في الجانب العربي الخليجي.
لابد إذاً من وقت وصبر وثقافة سياسية تغدو مشتركة بين الجانبين، ولقد ضاعَ وقتٌ سياسي ثمين لم تُحل فيه مشكلات بل تعقدت الأمور وتداخلت الجوانب الذاتية والموضوعية، وكان يمكن درس القضايا المعلقة والجوانب الاقتصادية المعيشية وحلها من أجل الناس بدلاً من تجمدها.
ولا يبدو أن ثمة حلا توافقيا في الأفق السياسي، فكل من الشاطئين متوقف عند موقعه، إلى أن تحدث تحولات كبيرة في أحد الشواطئ.