الجريدة اليومية الأولى في البحرين


هوامش


لماذا الطأفنة تصبغ أجواءنا الوطنية؟

تاريخ النشر : الأربعاء ٢٢ فبراير ٢٠١٢

عبدالله الأيوبي



المتتبع للشأن الوطني في هذه الفترة تراوده بين الحين والآخر تساؤلات كثيرة ومحيرة أيضا حول الأسباب الحقيقية التي تقف وراء تصاعد التلاسن الطائفي عبر مختلف وسائل الاتصال وانبعاث روائحها أحيانا من على منابر الخطابة الدينية، وهل أن الأحداث السياسية وتصاعد وتيرة العنف في البلاد بعد أحداث العام الماضي وتواصل تداعياتها المختلفة حتى يومنا هذا تعتبر من الأسباب الحقيقية وراء تصاعد ما يمكن وصفه بالاحتراب الطائفي غير العنيف حتى الآن، أم أن هناك أسبابا أخرى ربما هي المؤثر الأهم الذي يقف وراء ما وصلنا إليه من حالة احتقان طائفي لم يخطر على بال أحد أن شعب البحرين يمكن أن يصل إليها، خاصة بعد عقود التعايش المشترك والتداخل الأسري الذي انتشر خلال ستينيات وسبعينيات وجزء من ثمانينيات القرن الماضي؟
قد تكون الأحداث الأخيرة هي بمثابة الشرارة التي أشعلت اللهيب الطائفي الذي يعيش تحت لسعات نيرانه شعبنا في هذه الفترة الحرجة من تاريخه، ولكن تلك الأحداث لا يمكن أن تكون السبب الذي فجر وأشعل هذا الحريق، فالبحرين وعلى مدى تاريخها الحديث شهدت الكثير من الأحداث السياسية وكان بعضها عنيفا، كما هو حال الأحداث الأخيرة وإن اختلفت من حيث درجة العنف ومدة استمراره، وهذه الحقائق التاريخية تقودنا إلى البحث عن أسباب أكثر وجاهة ودقة لتكون السبب في تصاعد الاحتقان الطائفي ووصول درجة التلاسن بين فئات من الطائفتين إلى حد الحرب الكلامية القذرة.
هناك في اعتقادي عاملان أساسيان يقفان وهما أيضا مسئولان عن الوضع الطائفي الذي نمر به في الوقت الراهن، أولهما بروز القوى الطائفية في المجتمع البحريني واحتلالها مواقع متقدمة في الحراك المجتمعي متخذة من الدين الإسلامي والقدسية التي يحظى بها لدى أبناء البحرين قوة دفع للتغطية على أجندة طائفية مضرة بمستقبل شعب البحرين بجميع فئاته ومكوناته، أما السبب الثاني فهو وجود التربة القابلة لاحتضان ما تروجه القوى الطائفية من أفكار، وهذا يعني أن المناعة المجتمعية ضد مثل هذه الأفكار ليست بالدرجة الكافية من القوة بحيث تقدر على تحصين الجسم المجتمعي من سموم تلك الأفكار.
فالبحرين ليست الدولة الوحيدة التي تتعرض لأحداث وقلاقل سياسية كبيرة، فمثل هذه الأحداث تقع في جميع المجتمعات التي تتسم بحراك سياسي ومجتمعي مع وجود قوى سياسية منظمة تعمل على الترويج لبرامجها السياسية والثقافية، فوجود مثل هذا الحراك ليس له علاقة بما يتعرض له شعب البحرين حاليا من حالة تصدع مصدره حالات الاحتكاك الطائفي وتصاعد الخطاب التجزيئي الذي يدفع بالمجتمع البحريني إلى حالة من الانشقاق والابتعاد بين مكوناته المختلفة ويتسبب في الدفع بأبناء هذه المكونات على الغطاء الضيق، أي الحضن الطائفي أو العرقي بدلا من الحضن الوطني الجامع.
لا يحتاج المرء إلى مزيد من التعليل للأسباب التي مكنت القوى الطائفية من الصعود على قمة المسرح المجتمعي في الفترة الأخيرة، فالجميع يعرف أنه عندما كانت القوى الوطنية العلمانية متسيدة الساحة الوطنية، كان الخطاب الطائفي شبه معزول تماما، بل كان مخجلا أن يروج أن حتى يخرج إلى العلن، وكان وجود هذه القوى ودورها الوطني التوعوي على الساحة الوطنية قد وفر جزءا لا يستهان به من قوة الحصانة المجتمعية، التي للأسف سرعان ما ضعفت وأصيبت بما يشبه الانهيار لمجرد أن ضعف التيار العلماني وتقلص حضوره على الساحة المجتمعية.
حاليا ترتفع الأصوات المطالبة ببدء حوار وطني للخروج من الوضع غير الصحي الذي تمر به بلادنا وهو وضع، ربما من حيث الظاهر، تسببت فيه الأحداث التي اندلعت في شهر فبراير من العام الماضي والتي لاتزال تداعياتها مستمرة حتى الآن، ولكننا لا نواجه فقط التحديات السياسية والأمنية المرتبطة أو التي أفرزتها تلك الأحداث، فهذه قضايا يمكن بالفعل معالجتها من خلال حوار وطني شامل يقوم على قناعة ومبدأ ثابت يتمثل في حتمية العيش المشترك تحت سقف وطني عناوينه العدالة والمساواة في جميع الحقوق والواجبات بين كل أبناء البحرين بغض النظر عن أي انتماءات صغيرة وضيقة.
بموازاة هذه الأصوات فإننا بحاجة الآن أيضا إلى أن نضع علامات وطنية لخريطة طريق طويلة الأمد هدفها تعزيز المناعة الوطنية ضد الأمراض الطائفية ومحاصرة المسببات التي تقف وراء انتشار مثل هذه الأفكار، لأن مثل هذه الأمراض هي التي تحمل التهديد الخطر لمستقبل البحرين ونسيجها الوطني، فهذه مهمة تتطلب عملا مستمرا يستند إلى برنامج وطني تشارك فيه مختلف مؤسسات المجتمع والدولة ذات العلاقة بتعزيز اللحمة الوطنية والتصدي لجميع أشكال التقسيم، طائفيا كان أم عرقيا، فهذه مهمة صعبة ومعقدة ولا يمكن إنجازها على طاولة حوار بين الأطراف المختلفة، كما هو حال الخلافات أو المطالب السياسية والحقوقية.