الجريدة اليومية الأولى في البحرين


عالم يتغير




التغول الخارجي على البحرين

تاريخ النشر : الخميس ٢٣ فبراير ٢٠١٢

فوزية رشيد



} الكل يعرف أن القصة في البحرين مختلفة عما عداها في بقية دول ما يُسمى الربيع، ونعني بالكل هنا دول الخارج قبل دول المحيط. القصة تختلف لأن الذي حدث ليس بثورة وبكل المقاييس، وإنما هو مخططات تتداخل في أجندتها تدخلات إقليمية ودولية، ووصايا طائفية داخلية وخارجية، ومحاولات مكشوفة لوضع البحرين على قطار الثورات بدعم وضغوط بعض الدول كلما انكشف وسقط أحد أقنعتها سرعان ما ظهرت بقناع آخر تحته.
} لماذا والبحرين التي تُعد أهم دول المنطقة من حيث إشاعة الديمقراطية والإصلاح والحريات، هي الأكثر استهدافاً في التدقيق حول كل شيء فيها؟ حتى إن جلس أحد الناشطين الحقوقيين أو أصابه تعب من مشاركاته غير القانونية، أو أشاع عن نفسه إحدى كذباته وفبركاته المعروفة، سرعان ما تتنادى الخارجية الأمريكية من دون تدقيق لنجدته وإعلان القلق عليه، عجيب أمر هذه الدولة الكبرى، وهي تترصد كل شيء وكل نفس في البحرين، وتتبنى الدفاع حتى عن الأكاذيب والفبركات لمجرد أن مطلقها من يريد إسقاط النظام! عجيب أمر منظماتها ونشطاء تلك المنظمات وهم يدخلون البحرين ليشاركوا المخربين في تظاهراتهم، بل ليهتفوا ضد جلالة الملك وعجيب أمر سفيرها الذي يعتقد انه في بلاد الموز أو الوقواق ويدير ورشة عمله داخل سفارته وخارجها، بما يعتبر تدخلا فاضحا في شئون البحرين الداخلية، ودعماً للتخريبيين وجمعيات التأزيم، لترسيخ الفتنة والفوضى ودعم قوى العنف والإرهاب وإجراء لقاءات سرية بهم!
} الغريب أن الكل في البحرين يعرف سرّ هذا التغوّل الخارجي على بلادنا، فلا المسألة هي حقوق وديمقراطية ولا حريات وإصلاح وكما فعلت المنظمات الأجنبية في مصر، هي تقوم بذات العمل في البحرين. في مصر قامت محاكمات وهنا في البحرين مستمرة سياسة المهادنات أو هكذا يشعر المواطنون، لتبقى أطراف اللعبة الخارجية مستمرة في اقتناص كل الفرص المتاحة لها في أداء دورها المشبوه والسؤال المنطقي: إذا كانت البحرين ملتزمة باتفاقيات دولية (مطبوخة مسبقا لمثل هذه الظروف من أجل التدخل في الشئون الداخلية) أليست البحرين أيضا جزءا من دول مرتبطة بمواثيق وقوانين وأعراف دولية، باعتبارها دولة سيادية، بإمكانها أن تلزم أي طرف يخل بتلك المواثيق والأعراف وعبر القانون الدولي وبالتصرف وفق كل ذلك لمواجهة كل من يخل بها؟
سؤال آخر: إذا كانت القوانين الداخلية، وبما يتعلق بأداء المنظمات الدولية والنشطاء الأجانب، تعاني الثغرات فلماذا لا يعمل المجلس التشريعي وسريعا على سدها؟ وهل الدولة فعلاً بقدر علمها بالتغوّل الخارجي وبمخططات الدول المتغولة هي تبحث عن كل (الوسائل المتاحة) لسدّ الثغرات؟ أم أن لعبة المرونة والتكيف هي اللعبة الوحيدة القادرة عليها حتى اللحظة، وكما نرى، وهي اللعبة التي بقدر ما تعطي إلى الآخرين من حريات في تقويض شئون الدولة وانتهاكها، لا تعطي الدولة حريات المواجهة والمحاسبة والعلاج؟
} لأننا في ظرف وفي مرحلة زمنية غادرة لم تواجهها البحرين قط، فإننا بحاجة إلى وعي استثنائي، وإلى طريقة عمل استثنائية، لا نُعطي من خلال مرونتنا إلى الآخرين الفرصة أو الفرص التي ينتظرها أسياد الغدر أو أدواتهم في الداخل وفي الخارج، وأن نمعن جيداً أن المسألة الأساسية ومنذ مؤتمر لندن 1905 -1907 هي ألا تستقر هذه المنطقة، لذلك بعدها بقليل من السنوات عانت المنطقة العربية (غدر) الدول الكبرى على هامش سقوط الخلافة العثمانية، التي أعقبها سايكس - بيكو، وليأتي وعد بلفور في خضمها، وعلى الرغم من تعاون العرب مع الدول الكبرى آنذاك، وليذوقوا مفاعيل الغدر مرة بعد مرة خلال مائة عام، حين تم في منتصف القرن زرع الكيان الصهيوني في المنطقة، واللعبة أن تبقى المنطقة العربية في اختلال توازن دائم، وتتلاحق مفاعيل الغدر بعد احتلال العراق وتسليمه إلى الاحتلال الإيراني وإطلاق «الفوضى الخلاقة» وتنفيذ (البنود السرية) في مخطط الشرق الأوسط الجديد، لتقسيم المقسّم وتجزيء المجزأ من الدول العربية، لذلك فإن تصريحات (كيسنجر) العنصرية ضد العرب هي استمرار للمخطط الذي بدأ قبل مائة عام أو قبل ذلك بكثير، لأن هذه المنطقة العربية التي تمتلك كل الموارد والإمكانيات إن استقرت نهضت، والنهضة العربية يعتبرها هؤلاء أخطر التهديدات للدول الغربية، وأكبر تهديد لهيمنتها على الثروات والموارد الاقتصادية.
} لا عجب أن «كيسنجر» يطرح بصراحة صفيقة مسألة إبادة أكبر عدد من العرب، في تصريحاته الأخيرة التي صرح بها لصحيفة (ديلي سكيب) الأمريكية، وقال بوقاحة أيضاً: «لقد أبلغنا الجيش الأمريكي أننا مضطرون لاحتلال سبع دول في الشرق الأوسط نظراً لأهميتها الاستراتيجية لنا خصوصاً أنها تحتوي على البترول ومواد اقتصادية أخرى». وهذا يعني أن دول الخليج ومصر بعد العراق وليبيا داخلة في نطاق الاستهداف، حسب تصريحات الثعلب وأحد رؤوس الصهيونية العالمية، في خضم ما يحدث من فوضى تتأبط دول الربيع، وجزافاً يحاول هؤلاء أن يضعوا (البحرين) و(الخليج) فيما بعد على سكتها، ولهذا ليس بمستغرب هذا «التغول الخارجي» على البحرين، فهي بالنسبة إليهم مفتاح الخليج العربي كله. وسواء كان «كيسنجر» يعبث مكراً بتصريحاته تلك فإن ما صرح به هو الخطوة الأخيرة في (بروتوكولات صهيون) التي تجعل من رؤوس الماسونية العالمية (السوبر باور) أو الحكومة العالمية التي تحكم العالم، أي أن كلامه يطابق تماماً الخطوات الأخيرة في تلك البروتوكولات، بعد أن تم حتى الآن تنفيذ ما سبقها.
} إذاً بالنسبة إلى الحكومة الخفية أو الحكومة العالمية التي يُراد تجسيدها على أرض الواقع سريعاً، تحت إشاعة الأساطير الدينية وعودة المسيح العودة الثانية بعد بناء «الهيكل» على أنقاض المسجد الأقصى، فإن الخليج العربي هو أحد أهم البؤر التي يُراد الاستيلاء عليها سواء لثرواتها النفطية أو لموقعها الاستراتيجي أو لضرب بؤرة الإسلام في «مكة» أو للتحكم في الطرق المائية، أو لمحاصرة الصين وروسيا أو... إلى ما لا نهاية، والوسيلة لكل ذلك إشاعة (الفوضى الخلاقة) والبوابة للخليج هي (البحرين)، وكل الضغوط والمخططات ودعم الانقلابيين وشيعة (الولي الفقيه) ودعم التخريب والإرهاب هي مجرد وسائل لضرب أمن واستقرار البحرين ثم السعودية على وجه الخصوص وبقية دول الخليج العربي، أما حكاية الديمقراطية والإصلاح والحريات وحقوق الإنسان فهي المداخل عبر شعاراتها الزائفة التي تضغط أمريكا بها، وتجعل منها مبررات زائفة لتقويض القانون وتقويض الدولة وضرب كل المنجزات الإصلاحية والديمقراطية التي لا يصبح لها معنى في ظل غياب القانون أو تهميشه أو في ظل الفوضى التي يسعى إليها السفير الأمريكي بكل ما لديه من خبرات ووسائل ماكرة، فهو ودولته ودول الضغط الأخرى يعرفون جيداً حقيقة الأحداث في البحرين، ولكنهم يتصرفون وفق مخططاتهم التي تسعى في النهاية إلى إسقاط الخليج العربي من البوابة البحرينية، وهذا سر التغوّل الخارجي على البحرين.