أفق
بعضُ مشكلاتِ الخليج الاقتصادية
تاريخ النشر : الخميس ٢٣ فبراير ٢٠١٢
عبدالله خليفة
لم تعد ثمة قدرة في دول الخليج على ضبط التطور، فمفاتيحُ الحياةِ الاقتصادية والاجتماعية غدتْ في أيدي المصادفات والعمليات التلقائية، فالاقتصادياتُ غيرُ معالجةٍ بأشكالٍ تخطيطية آنية وبعيدة المدى.
أكبر الثروات موجهة للخارج، وعمليات التحويل هي تدفق الأموال إلى المحافظ النقدية الغربية، ويعمل الغربُ بقوة على إبقاء الوضع الاقتصادي النفطي النقدي الراهن.
لا تُعالج الاختلالات الاقتصادية الاجتماعية فمناطق معينةٌ سارعت بتملك الفوائض أكبر وأقدم من غيرها وحدثت لها طفراتٌ في الوظائف والإمكانيات العمرانية وتملك وسائل الثروات الجديدة مثل الأراضي البكر التي كانت صحراوية وتغدو في متناول الحياة الاقتصادية الراهنة، أو الشواطئ التي تعلو قيمها في المراكز الاقتصادية.
وبقيت مناطق دون هذا المستوى المتطور بكثير، وهذا يتجسد في اختلالات الرواتب والأجور، مع عدم القدرة على تغيير أسعار السلع الثمينة المعمرة، في حين تتصاعد أسعار المواد الاستهلاكية العامة.
نظراً لأن دول الخليج ليست زراعية بشكل واسع فإن التآكلات في المناطق الزراعية لا تُلحظ بمستوى ظهورها في دول أخرى مثل مصر وسوريا وغيرهما من الدول التي كانت زراعية بشكل واسع، وتعرضت فيها الأرياف لهبوط خطر في أوضاعها الاقتصادية نظراً لأزمات السلع الزراعية التي ترتبت عليها أزمةٌ عامةٌ في الأرياف العربية.
كما أن أشكال الحياة الاقتصادية التي صارت تقليدية نظراً لقدمها وعدم تطورها، مثل الشركات العامة والخاصة الصناعية التي تنتج مواد استهلاكية للمصانع الأخرى ومواد استهلاكية للبيوت، طلباتها تغدو متراجعة نظراً لأن التوسع في العمران له سقف محدد ويتجه للجمود والتشبع.
والصناعات هذه تتوجه لعدم القدرة على تطوير قوى الإنتاج، وتصبح المصانع عتيقة، فيما تنمو الثورة العلمية في جوانب أخرى من الصناعة كالصناعات الدقيقة والعلمية.
كذلك فإن ثمة جموداً في تطوير قوى الإنتاج الزراعي، فإضافة لتدهور الأراضي الزراعية والمراعي وتضخم الاستيراد من السلع الزراعية فإن إمكانيات تطوير الزراعة تغدو محدودة، ولا يؤدي جلب عمال أجانب زراعيين دوراً مهماً في هذا، نظراً لعدم معرفتهم وهروبهم وتفضيلهم الأعمال في المدن، والإجراءات الحقيقية هي إيجاد حوافز حقيقية لعودة المزراعين السابقين والأجيال الشابة الجديدة عبر توزيع الأراضي وإعطاء فرص لإقامة مزارع ذات شروط ميسرة.
قوى الإنتاج البشرية أغلبها ذوو قدرات يدوية محدودة، وتمتلئ المنطقة بهذه القوى التي تصبح عبئاً على الاقتصاد أكثر منها قدرات مفيدة خصبة.
فعمالُ بيعِ المواد الاستهلاكية الموجودون في المحلات أو المنتشرين في الشوارع غدوا أكثر من المشترين.
ومن يمتلكون رؤوس الأموال والنفوذ الاقتصادي لا يقومون بجلب عمالة مميزة، وبناء شركات وقوى إنتاج متطورة. فرؤوس الأموال الخاصة غير مغامرة ورؤوس الأموال العامة متجمدة في الهياكل البيروقراطية فليس ثمة تخطيط مستقبلي عميق والبحث عن تجاوز المحدودية الراهنة والاستنزاف الاقتصادي المتصاعد للدول والمجتمعات، وتغيب عمليات تطوير رؤوس الأموال العلمية، مع غياب العلاقات بين الوزارات الاقتصادية والجامعات والمستثمرين الشباب وأصحاب المبادرات الجديدة في الانتاج.
ملايين العمال الأجانب في المقاولات والبناء والفنادق والخدمات وغيرها، وهو مظهرٌ يعبر عن توجه رؤوس الأموال للأرباح السريعة وهروبها من تغيير قوى الانتاج الخليجية المتوقفة عن التطور المتنوع للاقتصاد.
تجري عمليات نزيف للاقتصادات الخليجية عبر الأزمات السياسية العسكرية، والتحويلات الأجنبية، وكثرة قوى اقتصاد الاستهلاك والخدمات، فيما قوى الإنتاج تتآكل.
وتتضح هذه التضادات في حالات البلدان الأقل دخلاً، وتتحول لظواهر سياسية وعصابية اجتماعية، فيما البلدان الأكثر دخلاً تعتمد على الفوائض المالية لحل المشكلات الاقتصادية الاجتماعية التي تحتاج لإعادة تغيير قوى الإنتاج بشراً ومصانع وزراعةً وعلوماً ومناهج جامعية.
لهذا نرى القوى الشبابية تضيعُ بين تناقضات أقسام الانتاج وفوائضه غير المتوازنة، ففي المناطق الزراعية والرعوية وحارات المدن المكتظة تظهر شبيبةٌ متدنية المهارة اليدوية، ومعدومة المهارات التقنية الرفيعة، فتلجأ اما للعمل اليدوي محدود الأجر، الذي يؤدي لتأزم عيشها عبر حالات العمل الشاق، وإما لتجمد مهاراتها ومستواها عبر العمل الوظيفي الشبيه بالبطالة.
وتعبر الهياكل السياسية عن غياب التعاون والحوار بين القطاعات العامة والخاصة وقوى النقابات والتيارات الفكرية والسياسية، لمناقشة هذين التجمد والتآكل الاقتصادي في بعض الهياكل وطرح الحلول البعيدة المدى.