الجريدة اليومية الأولى في البحرين


يوميات سياسية


هل تفكر «إسرائيل» في ذبح «الأوزة الذهبية»؟!

تاريخ النشر : السبت ٢٥ فبراير ٢٠١٢

السيد زهره



اذن، كما اوضحت في المقال السابق، ليست الضجة المثارة حول احتمالات شن هجوم اسرائيلي على ايران في الفترة القادمة، سوى ضجة مفتعلة، وتتعمد الادارة الامريكية اثارتها والايحاء بوجود خلافات امريكية اسرائيلية بهذا الشأن.
ولكن لماذا؟.. ما الذي تهدف الادارة الامريكية الى تحقيقه بالضبط من وراء تسريب هذه الاخبار عن هجوم اسرائيلي وعلى لسان وزير الدفاع الامريكي، ثم ابقاء القضية مثارة بإلحاح بعد ذلك على هذا النحو؟
بداية، الارجح ان احد الاهداف الاساسية من وراء ذلك هو ان تعطي الادارة الامريكية الانطباع بان المقولة الشهيرة بان كل الخيارات في التعامل مع ايران مطروحة على الطاولة هي مقولة لها مصداقية.
بعبارة اخرى، الفكرة هنا هي محاولة تأكيد ان الخيار العسكري هو بالفعل خيار جدي ومطروح، سواء لجأت اليه اسرائيل او امريكا او الاثنين معا. هذا مع علم المسئولين الامريكيين ان الكل في العالم يعرف انه لا يمكن ان يكون هناك حديث لاسرائيل عن الحرب ضد ايران بعيدا عن التنسيق الكامل مع امريكا، على نحو ما سبق ان اوضحت.
واعطاء فكرة كل الخيارات مطروحة في التعامل مع ايران مصداقية على هذا النحو مقصود بها مخاطبة الراي العام الامريكي من جانب، ومحاولة اقناعه بجدية ادارة اوباما وحزمها، كما مقصود به وفق كثير من المحللين تحقيق هدف مهم آخر.
مقصود بكل هذه الضجة حول الاحتمالات الجدية بشن هجوم اسرائيلي على ايران، ممارسة ضغوط شديدة على ايران من اجل دفعها لتقديم تنازلات جدية في المحادثات وفي الجدل القائم عموما حول الازمة النووية.
بعبارة اخرى، مقصود بذلك ان تأخذ ايران مسألة تعرضها للهجوم العسكري وفي فترة ليست بعيدة بالضرورة، بشكل جدي تماما، ومن ثم قد يدفعها هذا الى التفكير في تقديم التنازلات التي يريدها الغرب والتي يمكن ان تقود الى حل سلمي للأزمة النووية.
بعبارة ثانية، المسألة برمتها بحسب احد المحللين هي شكل من اشكال «حرب الأعصاب» مع ايران، ومحاولة لدفعها الى التفكير والتصرف تحت وطأة وضغط هذه التهديدات.
بهذا المعنى، تكون هذه التهديدات وكل هذا الحديث عن الاحتمالات الجدية للحرب، ليست في جوهرها تصعيدا مع ايران، وإنما يراد بها ان تكون طريقا لشكل من اشكال التقارب معها.
بالاضافة الى كل ما ذكرناه حول هذه القضية، هناك وجهة نظر عبّر عنها احد الباحثين المهمين تستحق ان نتوقف عندها.
الباحث يعتبر ان اسرائيل لن تشن حربا على ايران في افق منظور ولفترة طويلة قادمة، ويعتبر مثله مثل محللين آخرين كما ذكرت ان المسألة كلها ضجة مفتعلة.
المهم هنا هو السبب الذي من اجله يجزم بان اسرائيل لن تهاجم ايران.
السبب في رأيه ان اسرائيل وايران معا لديهما «مصالح مشتركة» في استمرار الوضع الراهن. بمعنى ان التطرف الحالي في السياسات والمواقف من الجانبين هو في حد ذاته مصلحة مشتركة.
يقصد بهذا انه بالنسبة لايران، فان السياسات المتطرفة التي يتبعها نتنياهو في اسرائيل تخدم ايران ومن مصلحتها استمرارها بل وتصاعدها. يقول ان هذا التطرف وهذه التهديدات التي تطلقها اسرائيل اصبحت احد «مصادر الشرعية» للنظام الايراني. بمعنى ان احد مصادر شرعيته التي يحاول الترويج لها هي الزعم بمقاومة ومواجهة الخطر الاسرائيلي في ظل هذا التطرف وهذه التهديدات.
في المقابل، بالنسبة لاسرائيل، فان تطرف ايران في مواقفها عموما وفي المسألة النووية خصوصا هو ايضا يقدم خدمات كبرى لاسرائيل، والاسرائيليون واعون بهذا تماما.
هذا التطرف وهذه التهديادت الايرانية لاسرائيل وهذا التصعيد في المسألة النووية هو الذي يعطي لاسرائيل الفرصة كي تهمش القضية الفلسطينية، وكي تصور الخطر الايراني على اعتبار انه الخطر الاكبر الذي يهدد المنطقة كلها، وليس خطر عدم حل القضية الفلسطينية، وكي تصور للعالم ان وجودها نفسه في خطر بسبب ايران.. وهكذا.
الباحث وضع هذه الفكرة بصورة اخرى. قال ان ايران بالنسبة الى اسرائيل هي «الاوزة الذهبية» أي الاوزة التي تبيض ذهبا.. ويقول ان الاسرائيليين ليسوا ابدا حمقى كي يفكروا في شن هجوم على ايران، ومن ثم «ذبح» هذه «الأوزة الذهبية».
هذه وجهة نظر لها وجاهتها على اية حال.
اذن، الذي ذكرناه في هذه المقالات الثلاثة هو الراي الذي نرجحه في هذه القضية.
ومع ذلك ، فكما يقال باستمرار انه في السياسة لا يمكن استبعاد أي شئ او احتمال، مهما بدا بعيدا ولا يمكن الجزم بأي توقع بشكل مطلق.
ولهذا، وكما نكتب مرارا وتكرارا، فانه بالنسبة لدول الخليج العربية، فانها يجب ان تبني مواقفها وسياساتها اخذا في الاعتبار كل الاحتمالات ، حتى لو كانت مستبعدة نظريا.