الجريدة اليومية الأولى في البحرين



التكنولوجيا لدراسة التيارات السياسية..

تاريخ النشر : السبت ٢٥ فبراير ٢٠١٢

سميرة رجب



في عصرنا الذي لا يشبه غيره من عصور التاريخ بات الإنسان فاقداً لكل خصوصياته عبر ارتباطه المباشر بتكنولوجيا التواصل والاتصال، هذه التكنولوجيا التي صارت في متناول اليد، وأقرب من أقرب الناس إلينا، وعبرها نستمع للآخر يومياً بكثافة وبتواصل مفروضين علينا فرضاً، فنتعرف على من نستسيغ ومن لا نستسيغ معرفته، ونسمع ما نحب وما نكره، ونقرأ ما يسر خواطرنا وما يسيء إليها.
وعبر هذا التواصل الإجباري بات من السهل التعرف على كنه الآخر، كائناً مَن كان، واستخلاص ما بخاطره وفكره، والتعمق في معرفة بيئته التي يعيش فيها وتربيته الأولى والأخيرة، ومدى نزاهته وفساده، ورقي أو تدني أخلاقياته، مهما حاول الإيحاء بعكس الحقيقة.
عبر المواقع والمنتديات الإلكترونية والتويتر والفيسبوك، يمكن اكتشاف حقيقة البشر الذين يعيشون معنا، أو بعيداً عنا، ويمكن التعرف على أي حراك ثقافي وسياسي، ومعرفة خلافاته أو اتفاقاته، صراعاته أو تحالفاته.. وفي النهاية بات من السهل جداً تحديد سبل المواجهة والتعامل مع الأفراد ومع كل هذا الحراك مهما كانت قوته أو ضعفه، والمطلوب فقط هو الالتزام بالدقة وبالمعايير الموضوعية والمقاييس الواقعية في استخلاص الحقائق، والتسلح بقوة وآليات الثقافة والعلوم الإنسانية التي تشكل القاعدة الفكرية السليمة لدراسة المجتمعات، وهذا ما يعمل به العالم المتقدم للتحكم في عالمنا الثالث عبر التكنولوجيا.
في البحرين فوجئ المجتمع بقيام حراك طائفي بغيض في 14 فبراير 2011 بالتداعي عبر التويتر والفيسبوك لمجاميع شبابية كشفت عن نوع جديد من التربية السياسية الخطرة في مجتمعنا المعروف بالتجانس الطائفي والقومي، وبالتسامح والبساطة في القبول والرفض، عبر تاريخه.. وإذا بهذه الوسائل التواصلية تحشد شارعاً واسعاً من صغار السن الممتلئ بالكراهية والحقد والمطالبة بالثأر المذهبي التاريخي، مقُوداً ببعض القيادات الدينية من خريجي حوزات قم الإيرانية المعممين.. فكانت مشاهِد حركة الشارع وحِراكه عبر وسائل التواصل الاجتماعي تتتالى وتؤكد جميعها أن هناك تربية جديدة كانت تتفاعل عبر السنوات القليلة الماضية في الأقبية السرية لتفرز شعارات جديدة لم يعهدها المجتمع البحريني.. ولكن ما بدا مكشوفاً في الداخل لم يتعرف عليه الآخرون خارج البلاد، بل كان هناك جهد منظم وممنهج يبذله أولئك الطائفيون لإخفاء تلك الحقيقة عن المجتمع الدولي والإقليمي.
فما كان يتواصل به أولئك الطائفيون الصغار مع البحرينيين عبر شعارات الاستفزاز والمطالبات المذهبية والثأر والقصاص من «الأعداء التاريخيين لآل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم» (كما يدّعون) كان مبعثاً للرعب والكراهية من جهة، ومؤشراً بليغاً على سلوك الإسقاط والتسقيط والتدني الأخلاقي ومدى الإفلاس الفكري من جهة أخرى، وجميع تلك المؤشرات كانت دافعاً قوياً لاستنفار همّة الطائفة الثانية للتكتل والمواجهة الطائفية للمرة الأولى في تاريخ البحرين الحديث والقديم.. ومازالت الرسائل تتوارد، المباشر منها والمبطن، ومازال الكثير منها محفوظا في خزائن كمبيوتراتنا للدراسة ومعرفة كنه التربية الجديدة التي تعيشها فئة من الشباب البحريني الصغير المحتقن بالغضب الطائفي المتستر خلف المطالب المعيشية.
وطوال عام كامل كشفت المنتديات الإلكترونية والرسائل المتبادلة عن مدى تناقض هؤلاء الطائفيين مع أنفسهم ومع الآخرين، وعن مدى عمق الخلافات المنتشرة بين قياداتهم، وبداخل تياراتهم، في مؤشر بليغ على هشاشة مطالبهم التي وصلت اليوم إلى حد التناحر فيما بينهم على من يتزعم الدور القيادي فيما يُدعى «الحوار» القادم والمزعوم، حتى صارت تلك المنتديات ساحة مكشوفة لمعرفة صعود وهبوط مؤشر الخلافات والانشقاقات التي لم تتوقف يوماً ما بين الشيرازيين من جهة، والخمينيين من جهة أخرى.. مؤشر يفضح حالة الفزع التي بدأت تنتشر بين صفوفهم حول مَن سيجني أو سيخسر ثمار السنة الماضية، ومن سيقود التيار الشيعي فيما يُدعى «الحوار» القادم.. وعبر ذلك التراشق المستمر بين قيادات هذا التيار في كل جبهات (الحرب) التكنولوجية يمكن استشفاف أمر خطير جداً، وهو أن العنف الممارس اليوم في القرى لا يستهدف الدولة أو أية مطالب سياسية مشروعة، بل هو تناحر بين الشيرازيين والخمينيين على قيادة الطائفة، أي حرب معلنة تشنها جمعية العمل الإسلامية (الشيرازيين) لتهميش دور الوفاق (الخمينيين) وإسقاط أمينه العام (الذي مازال متربعاً على قمة الجمعية منذ أكثر من عشر سنوات ويطالب بالديمقراطية وتداول السلطة).
الرسائل القصيرة المتداولة عبر التويتر ما بين البحرينيين اليوم تعدّ ميداناً ثرياً لدراسة الحالة الطائفية التي يعيشها فئات من الشباب، وميداناً بحثياً يحمل كل المعايير العلمية التي تؤكد الحالة الطائفية الجديدة التي يعيشها المجتمع البحريني منذ 14 فبراير 2011، وعبر كل رسالة (تغريدة) تويترية لا تزيد على 140 حرفاً تجدون واقعاً بيئياً مخيفاً يعيشه أولئك الأطفال والشباب، في انقطاع تام عن كل أنواع المعرفة، فلا يعرفون غير بيئتهم ومذهبهم وثأرهم، وعالمهم المحدد في بيئة عائلية ومذهبية ضيقة، محاطاً بشعارات الثأر واللعنة على مدار الساعة والسّنة.. فيا ترى كيف سيكون مستقبل جيل يعيش مسحوقاً بهذا الكم من الفكر السوداوي المدمر؟!، وإلى متى ستبقى سطوة الأحزاب الطائفية على أجيالنا الصغيرة؟.



sameera@binrajab.com