دراسات
اللحوم الحلال رأس حربة في الانتخابات الفرنسية
تاريخ النشر : السبت ٢٥ فبراير ٢٠١٢
باريس - من: أورينت برس
ما لم يكن متوقعاً على الاطلاق ان يكون اللحم الحلال جزءاً من الحملة الانتخابية الرئاسية في فرنسا. المفاجأة كانت ان المرشحة اليمينية المتطرفة مارين لوبن بدأت حملتها بالهجوم على اللحم الحلال، مما استدعى تحركاً من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي زار احد اكبر أسواق اللحوم «ليطمئن» الفرنسيين بأن الجزء الأكبر من اللحوم «ليس حلالاً» بل «جيفة»، وليتبين ان قضية اللحوم الحلال، المرتبطة اصلاً بالعداء للمهاجرين من المسلمين، تتصدر اهتمامات المرشحين للرئاسة.
كعادتها، اصدرت لوبن سلسلة تصريحات معادية للإسلام تطالب فيها بعدم اقحام الدين في غذاء الفرنسيين، معتبرة ان المسلمين في فرنسا يفرضون قراراتهم على الباريسيين ويجبرونهم على تناول اللحوم المذبوحة وفقاً للشريعة الاسلامية. فما كان من ساركوزي الا ان توجه الى سوق اللحوم الوطنية حيث اكد ان 2,5 في المائة من اللحوم فقط تذبح وفقاً للشريعة الاسلامية، ولتعاليم كوشير اليهودية بينما بقية اللحوم هي عبارة عن جيف.
«اورينت برس» اعدت التقرير التالي:
قبل نحو شهرين من الانتخابات الرئاسية استعر الجدل الانتخابي حول موضوع لم يكن بالحسبان على الاطلاق الا وهو: اللحوم الحلال، فقد اتخذ المرشحون للرئاسة هذه القضية لمهاجمة بعضهم بعضا.
في مقدمة اللائحة، كانت اليمينية المتطرفة مارين لوبن المعروفة بعدائها للإسلام وللمهاجرين عموماً، التي اصدرت سلسلة تصريحات تؤكد فيها ان اللحوم التي تباع في الاسواق الفرنسية وفي مذابح باريس وضواحيها مذبوحة وفقا للشريعة الاسلامية من دون أي استثناء وهي لحوم حلال وتباع من دون علم الفرنسيين، وبالتالي فإن المسلمين برأيها يصادرون حرية المواطنين الفرنسيين بتناول اللحوم غير المعدة وفقاً لتعاليم الدين.
بعد سياسي
وقد أدت تصريحاتها الى إثارة موجة من الجدل في الأوساط الفرنسية ولاسيما في اوساط المتطرفين المعادين للإسلام وللمهاجرين بشكل عام، خصوصا انها اكدت انها تملك ادلة حول ما تقوله.
في المقابل ردت وزارة الزراعة الفرنسية على تصريحات لوبن، نافية ان تكون كل اللحوم «حلالا» في السوق الفرنسية، كما صرح وزير الخارجية كلود جيان بأن هذه المعلومات لا اساس لها من الصحة، وبدوره قام الرئيس الفرنسي بجولة شملت عددا كبيرا من المذابح الفرنسية خاصة منها الموجودة بالضاحية الباريسية، نافيا بذلك أن تكون 200 ألف طن من اللحوم كلها حلالاً، معتبرا أن 98 في المائة من اللحوم التي توزع في فرنسا جيف. وأكد رئيس السوق أن منطقة إيل دو فرانس (اي منطقة باريس الكبرى) لا تحتوي على اللحوم الحلال فقط كما ادعت لوبن.
كذلك نفت الرابطة الرئيسية لصناعة اللحوم الفرنسية «انتربيف» هذه المزاعم قائلة ان الغالبية العظمى من اللحوم في باريس ليست مذبوحة على الطريقة الاسلامية لكن الواقعة توضح ان لوبن تحاول كسب أصوات الناخبين الذين لم يحسموا أمرهم، وان الامر له بعد سياسي لا اكثر.
مستعمرة للمسلمين
وكانت لوبن قد صرحت من مدينة ليل بأن «ما يسمى «إيل دو فرانس» أي العاصمة الفرنسية وضواحيها تحول الى مستعمرة من طرف المسلمين الذين يجبرون الباريسيين والملايين من السياح الأجانب ومنهم مليون ياباني على أكل اللحوم الحلال التي يقومون بذبحها حسب الشريعة الإسلامية».
واضافت: «ان بلد الحريات فرنسا عندما يضع بعض أصحاب الحوانيت إعلانا ببيع اللحوم الحلال إنما ينادون بالتمييز والانفصال في الطعام الذي قد تلحقه أمور أخرى»، مشيرة الى أنها أخطرت محامي حزب الجبهة الوطنية الذي تقوده منذ انتخابها في 16 يناير 2011 لأجل مباشرة رفع دعوى قضائية لأجل تحرير الماشية الفرنسية من الذبح الشرعي، والفرنسيين من الغش في طعامهم المسلط عليهم من طرف المسلمين كما قالت.
واتت تصريحات لوبن بعد ايام فقد على تقرير خاص تم بثه على القناة الفرنسية الثانية حول حال المسالخ في فرنسا، اكد فيه احد القيمين على المسالخ ويدعى فرنسيس هالابي ان خمسة مسالخ في باريس وضواحيها تعمل وفقا للشريعة الاسلامية.
ومن الواضح ان لوبن، زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي، قد اعادت تركيز حملتها لانتخابات الرئاسة في قضية الهجرة، متهمة الرئيس نيكولا ساركوزي بالرضوخ لضغوط المسلمين بشأن كيفية ذبح الماشية للحصول على لحومها وذلك في محاولة منها لاحباط محاولاته اجتذاب أنصارها. وقالت لوبن «هذا الوضع ينطوي على غش والحكومة على علم تام بذلك منذ شهور.. جميع المسالخ في منطقة باريس تخضع لقواعد اقلية. لدينا ما يدعونا للاشمئزاز».
علما ان مارين لوبن لم تهاجم اللحوم المذبوحة على الطريقة اليهودية «كوشير» وهي موجودة بكثرة في باريس وباقي المدن الفرنسية ايضاً.
جدل متجدد
قضية اللحم الحلال ليست بجديدة على المجتمع الفرنسي، فقد سبق ان أثير الجدل حولها قبل نحو السنة عندما تقدم رئيس بلدية مدينة روبيه الفرنسية الواقعة قرب مدينة ليل بدعوى قضائية ضد سلسلة مطاعم «كويك» البلجيكية للوجبات السريعة متهما إياها بالتمييز بسبب قرارها تقديم منتجات ووجبات حلال حصريا وبشكل كامل في 8 مطاعم تابعة للسلسلة في المدينة وتحديدا في مناطق ذات كثافة سكانية اسلامية.
وقال العمدة رينيه فانديريندونك الذي ينتمي إلى الحزب الاشتراكي الفرنسي انه يطالب مطاعم «كويك» بتقديم خيارات متعددة «تستجيب لاذواق اوسع شريحة ممكنة من الزبائن، اذ انه من غير المقبول استثناء خيارات لا ترضي الا اذواق المسلمين مستثنية غير المسلمين من حساباتها».
يذكر ان مطاعم «كويك» شهيرة ومنتشرة جدا في عدة بلدان أوروبية منها فرنسا وبلجيكا وتنافس اكبر مطاعم الوجبات السريعة مثل برجر كنج وماكد ونالدز. وفي فروعها الـ8 في روبيه استعاضت مطاعم «كويك»، منذ شهر نوفمبر على سبيل المثال، شرائح «البيكن» من لحم الخنزير بشرائح لحم بقر مدخن مذبوحة على الطريقة الحلال.
سوق الحلال
وتشير التقارير الى ان سوق منتجات الحلال تنمو بشكل سريع في فرنسا وبخاصة لدى شرائح الشباب في مناطق ذات كثافة سكانية اسلامية.
وكانت وزارة الزراعة الفرنسية قد اكدت ان «حجب كل ما ليس حلالا من مطاعم مفتوحة للعامة يجعلها تميز على اساس طائفي او ديني وهذا يتنافى مع مبادئ الجمهورية الفرنسية». ومن الواضح ان الشركات الكبيرة اصبحت تدرك حجم المستهلكين المسلمين ونمو عددهم عاما بعد عام.
وقد ندد الموقع الإلكتروني الخاص بالمسلمين الفرنسيين بما سماه التمييز ضد الجالية المسلمة وتساءل هل سيثير الموضوع كل هذه الضجة في حال إذا ما قررت «كويك» عرض أطعمة مكسيكية أو صينية فقط؟ مؤكدا أن ذلك لن يثير أي مشكلة أو ضجة.
من جهتهم، اكد مسؤولو سلسلة «كويك» أنهم سيواصلون التجربة للتمكن من معرفة مدى نجاحها وخاصة أن سوق الحلال في فرنسا تعرف تطورا ملحوظا وتقدر عوائدها المالية حسب مكتب الاستشارات «سوليس» بـ 5,5 مليارات يورو عام .2010
اليوم، وبعد خفوت الحديث عن سلسلة «كويك»، توجه مارين لوبن سهامها الى مسالخ اللحوم الباريسية ككل في محاولة منها لتصوير ساركوزي بأنه متحيز علما ان ساركوزي اشتهر بمواقفه العدائية ضد المهاجرين والمسلمين منهم تحديدا، وقد بنى جزءا كبيرا من قاعدته الانتخابية في الانتخابات الماضية على افكاره المتطرفة والمنحازة ضد المهاجرين مع انه يتحدر من اصل مجري ويعد مهاجرا الى فرنسا بدوره.
السؤال المطروح اليوم هو: هل ستتمكن لوبن من التأثير في قرارات الناخبين باستغلالها قضية اللحم الحلال؟ ام ان اللحوم المذبوحة على الشريعة الاسلامية تحولت الى جزء من العادات الغذائية المتعارف عليها فرنسيا وخصوصا انها لا تضايق احدا ولا تمس بالآخرين؟