الجريدة اليومية الأولى في البحرين


دراسات


الأزمة السورية وموقف دول مجلس التعاون.. لا بديل عن الحل العربي

تاريخ النشر : السبت ٢٥ فبراير ٢٠١٢



مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية
لعل أبرز ما يلحظه المراقب بشأن ما شهدته المنطقة العربية منذ تفاعلات ما يطلق عليه «الربيع العربي» أن ثمة تناميًا ملحوظًا في دور مجلس التعاون الخليجي كمنظمة إقليمية فاعلة ومؤثرة إقليميا، مقارنة بغيرها من المنظومات الإقليمية الأخرى كالجامعة العربية.
ولعل أبرز ملامح ومظاهر هذا الدور تجلت فيما صدر عن المجلس، سواء على المستوى الجماعي كمنظمة إقليمية تضم دول الخليج العربي الست، أو على مستوى دوله فرادى من مواقف قوية مساندة لشعوب دول الربيع العربي.
هذه المواقف يمكن ملاحظتها إزاء انتفاضة الشعب الليبي؛ حيث وقفت بقوة وراء قرار الجامعة العربية الذي طالب مجلس الأمن الدولي بالتدخل لحماية المدنيين الليبيين من كتائب النظام الليبي السابق، وشاركت قوات بعض أعضاء دول مجلس التعاون (قطر والإمارات) مع قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) - المرة الأولى منذ قيام المجلس عام - 1981 في فرض منطقة الحظر الجوي ضد قوات «القذافي»، بالإضافة إلى دعمها السياسي والمادي والمعنوي للمعارضة ممثلة في المجلس الوطني الانتقالي الليبي.
وكذلك الحال، فقد مثلت الأزمة السياسية في اليمن تحديا آخر مهما تعاملت معه دول مجلس التعاون بفاعلية ونجاح كبيرين، عبر مبادرة نجحت في نهاية المطاف ؟ برغم ما واجهها من عقبات عدة ؟ في تسوية الأزمة السياسية هناك ودفعت بالرئيس «علي عبدالله صالح» إلى التخلي عن سلطاته وصلاحياته الرئاسية لنائبه. وفوق هذا، فقد ساندت دول المجلس عمان وكذلك البحرين في مواجهة الأحداث المؤسفة التي تعرضتا لها خلال فبراير ومارس عام 2011، باعتبار أن أمن مسقط والمنامة جزء لا يتجزأ من أمن الدول الست، وأقرت تقديم دعم اقتصادي لهما يقدر بـ 20 مليار دولار مناصفة بين الدولتين على مدار عشر سنوات.
وبخصوص أزمة الاحتجاجات الشعبية السورية التي طالبت في البداية بإجراء إصلاحات وتحولت بعد ذلك إلى المطالبة بتغيير النظام، اتسم دور دول مجلس التعاون في المراحل الأولى بالحياد والصمت، ثم طرأ تطور لافت على دوره باتخاذ خطوات ومواقف تؤيد مطالب المحتجين بتغيير النظام، خاصة بعد أن قادت المملكة العربية السعودية الموقف الخليجي وطالبت بوقف أعمال العنف والمظاهر المسلحة، وإجراء إصلاحات جادة وضرورية، واللجوء إلى الحكمة حفاظًا على سلامة الشعب.وتطور الموقف السعودي بعد صدور بيان عن مجلس التعاون الخليجي حمل المعاني السابقة نفسها، وأصبح أكثر من أن تبرره الأسباب، فقرر الملك «عبدالله بن عبدالعزيز» استدعاء سفير المملكة من دمشق وتبعه موقف كويتي وآخر بحريني؛ حيث تم استدعاء سفيريهما من دمشق.
ووصل التطور النوعي اللافت في الموقف الخليجي حيال الأزمة السورية إلى ذروته بقرار دول مجلس التعاون الخليجي طرد سفراء النظام السوري من أراضيها وسحب جميع سفرائها من دمشق وتنديدها بالمجازر الجماعية ضد الشعب وكذلك بسحب مواطنيها المشاركين في بعثة المراقبين التابعة لجامعة الدول العربية وقرار وزراء خارجيتها الذين اجتمعوا بالقاهرة يوم 12 فبراير الجاري التقدم بتوصية لنظرائهم العرب بإنهاء عمل بعثة المراقبين.
الخطوة الخليجية الأخيرة، عبر عنها مجلس الوزراء السعودي، الذي شدد على أن فشل مجلس الأمن في استصدار قرار لدعم المبادرة العربية (التي طرحتها الجامعة العربية يوم 22 يناير الماضي وتدعو الرئيس السوري إلى تفويض صلاحياته لنائبه الأول وتشكيل حكومة وحدة وطنية، تمهيدًا لإجراء انتخابات وإصدار دستور جديد للبلاد) يجب ألا يحول دون اتخاذ إجراءات لحماية الأبرياء ووقف جميع أعمال العنف.
وقد كان للموقف الخليجي إزاء الأزمة السورية تأثيره المباشر في التحركات العربية التالية، التي جاءت متناغمة مع المطالب الخليجية عمومًا والسعودية خصوصًا بتبني مواقف متشددة إزاء نظام «الأسد»، وهو ما تجلى في دعوة وزراء الخارجية العرب خلال اجتماعهم بالقاهرة يوم 12 فبراير مجلس الأمن الدولي إلى تشكيل قوة حفظ سلام عربية ؟ أممية مشتركة للمراقبة وحماية المدنيين السوريين. وقيامهم أيضًا بإنهاء مهمة المراقبين العرب، ووقف أشكال التعامل الدبلوماسي كافة مع دمشق وتشديد العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها. علاوة على فتح قنوات اتصال مع المعارضة السورية وتوفير صور الدعم السياسي والمادي كافة لها، والطلب إلى أمين عام الجامعة العربية تعيين مبعوث لها لمتابعة مسار العملية السياسية في سوريا.
ومن دون شك، فإن دول مجلس التعاون الخليجي ما كانت لتتخذ قرارها بطرد سفراء دمشق لديها، وما تلاه من مواقف وخطوات تصعيدية، إلا لإدراكها أن هذه الأزمة وصلت إلى منزلق خطر ستكون له تداعياته السلبية على دول المجلس وكذلك المنطقة، حيث تزايدت احتمالات انزلاقها إلى حرب أهلية، إن لم تكن سوريا في حالة حرب فعلية على حد قول مجلة تايم الأمريكية مؤخرًا، في ظل استمرار تصلب نظام «الأسد»، وعدم بروز أي بوادر إيجابية من جانبه تشي بإمكانية قبوله الحلول والمبادرات المطروحة لتسوية الأزمة، واستمرار تبرير ما تقوم به الحكومة السورية من قمع وتنكيل بأنه دفاع عن الوطن والشعب، وهو ما دفع دول المجلس للشعور باليأس من إمكانية الوصول إلى حل لهذه المعضلة الإنسانية وفق ما جاء على لسان «نافي بيلاي» المفوضة العليا لحقوق الإنسان بالمنظمة الدولية، التي أعلنت أن القوات السورية ارتكبت على الأرجح جرائم ضد الإنسانية خلال قمعها للحركة الاحتجاجية، ووفقًا لـ «بيلاي» أيضًا فإن عدد القتلى بات أكبر بكثير من رقم الـ 5400 الذي كان آخر رقم قدمته الأمم المتحدة، من بينهم أكثر من 400 طفل، بجانب اعتقال عشرات آلاف الأشخاص بينهم أطفال، فيما لايزال أكثر من 18 ألفًا محتجزين بشكل تعسفي.
وبجانب الدوافع السالفة الذكر، لا يمكن غض الطرف عن دور العوامل الدولية في إحداث التطور النوعي في الموقف الخليجي إزاء الأزمة السورية، ولاسيما أن التطورات التي شهدها هذا الموقف جاءت في أعقاب استخدام روسيا والصين حق النقض (الفيتو).
واللافت للنظر في الخطوة الخليجية أنها جاءت بالتزامن مع تحرك دولي تعزز بقرار واشنطن ودول أوروبية عدة بسحب سفرائها من دمشق للضغط على النظام السوري، وبإعلان بلجيكا وبريطانيا وأسبانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا استدعاء سفرائها للتشاور، وهو ما يعني دخول الأزمة مرحلة التدويل الفعلي؛ حيث أصبحت سوريا ميدانًا للصراع بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين وبعض العرب من جهة، وروسيا والصين وحلفائهما الهند والبرازيل وجنوب افريقيا وإيران من جهة أخرى. وبات من الواضح أن معسكر الولايات المتحدة يريد تغيير النظام السوري عبر مزيج من الحصار الاقتصادي كمقدمة للتدخل العسكري على غرار ما حدث في ليبيا والعراق في الماضي، بينما يصر المعسكر الصيني - الروسي على ألا يسمح بغطاء شرعي أممي لتغيير النظام.
وبجانب الاعتبارات والدوافع المتعلقة بطبيعة الأزمة، وكذلك الدوافع المرتبطة بتطور الموقف الدولي حيالها، لا يمكن تجاهل الاعتبارات والدوافع الإقليمية وراء التطور النوعي في الموقف الخليجي إزاءها.. إذ ثمة رغبة أكيدة لدى دول مجلس التعاون في الحؤول دون تحول سوريا إلى عراق جديد، أو أن تصبح ساحة ثانية للنفوذ الإيراني في المنطقة بعد العراق، ولاسيما أن هذه الدول اكتشفت أن دعمها لإسقاط هذا النظام جاء لصالح إيران والشيعة في العراق، ومن ثم فهي لا تريد أن تبقى لاعبًا غائبًا عن تحديد مصير سوريا، ناهيك عن أن نجاحها في استغلال الفرصة السانحة أمامها للتخلص من النفوذ الإيراني في سوريا سيؤدي بالتبعية إلى التخلص من نفوذ طهران في لبنان، وهو ما يشير إلى أن الأزمة السورية قد تحولت إلى إحدى ساحات الشد والجذب في العلاقات الإيرانية - الخليجية، ومن غير المستبعد أن يكون الهدف وراء التهديدات الإيرانية الأخيرة لدول الخليج هو محاولة طهران إثناء دول مجلس التعاون عن التدخل لدعم ومساندة المعارضة السورية.
وبالمقابل، فإن ثمة إدراكًا لدى دول مجلس التعاون بأن الأزمة التي تواجه سوريا أصبحت تمثل ساحة لصراع الإرادات بينها وبين ايران، التي في حالة نجاحها في دعم استمرار نظام «الأسد»، فإنها ستحقق نصرا استراتيجيا ستكون دول المجلس الخاسر والمتضرر الأكبر منه على المدى الطويل.
وإذا كان بعض دول المجلس قد تدخل بشكل مباشر في الأزمة الليبية، الذي اتخذ صورة التدخل العسكري في إطار التفويض الدولي لحلف الناتو بالتدخل في ليبيا لحماية المدنيين، يثور التساؤل بشأن طبيعة الدور المرتقب لدول المجلس إزاء الأزمة السورية، وهل سيرتقي هذا الدور إلى مرحلة أعلى باتخاذ خطوات أكثر قوة وإيلامًا لنظام «الأسد»، قد تتراوح ما بين إعلان الدعم السياسي والاعتراف بالمعارضة السورية، أو دفع الدول العربية الأخرى إلى اتخاذ الخطوة ذاتها التي أقدمت عليها دول المجلس، أو قد يصل هذا الدور في أقصاه إلى أن يكون مماثلاً لدورها في الحالة الليبية، بمشاركتها في أي تدخل عسكري غربي محتمل بغطاء عربي لتغيير النظام بالقوة؟
إذا ما بدأنا بخيار التدخل العسكري الغربي بغطاء عربي، يمكن القول إن الفيتو الأخير الذي لجأت إليه كل من روسيا والصين أمام مجلس الأمن الدولي، وما ترتب عليه من بروز انقسام دولي حيال النظام السوري، ربما يقلل من إمكانية اللجوء إلى هذا الخيار، بما يجعله خيارًا مستبعدًا، وهو ما يعني لجوء دول مجلس التعاون إلى خيارات أخرى تبدو أكثر قابلية للتحقق في تعاطيها مع الأزمة ومنها خيار دعم المعارضة السورية.
ورغم أن قطر أبدت دعمها للمعارضة، فإن تلك المسألة قد تأخذ وقتًا قبل أن تدعم باقي دول المجلس وتعترف بالمعارضة السورية؛ حيث أكد وزير الخارجية السعودي الأمير «سعود الفيصل»، أن الاعتراف يكون بين الدول، رغم تشديده على أن عدم الاعتراف بالمعارضة لا يعني تجاهلها.
بمعنى أن العواصم الخليجية ربما تذهب أولاً إلى تقديم الدعم السياسي والمالي للمعارضة السورية كمرحلة أولى وحث أطرافها على التوافق السياسي والتنظيمي، ومن ثم تتجه في مرحلة لاحقة إلى الاعتراف بها.
ومن الخيارات الأخرى المتاحة أمام دول مجلس التعاون، منح الضوء الأخضر لتركيا للتصعيد ضد النظام، ومن ثم ضد التدخل الإيراني في الشأن السوري.. إذ ثمة تطابق في موقف ووجهات نظر كل من تركيا ودول مجلس التعاون إزاء الأزمة السورية بدعوتهما النظام إلى قبول خطة الجامعة العربية، وتحميلهما النظام مسؤولية فشل المبادرة بجانب تأكيد تركيا قرب إطلاق مبادرة مع دول تدعم الشعب وليس النظام، تزامنًا مع إعلان الاتحاد الأوروبي سلسلة عقوبات اقتصادية هي الأشد بحق دمشق.
وثمة تقارير تشير إلى سعي تركيا لإيجاد حل للأزمة السورية عبر دعوتها لمؤتمر دولي داخل أو خارج أراضيها، ومطالبة رئيس الوزراء التركي للرئيس الروسي بزيادة الضغط على «بشار الأسد» لدفعه إلى الاستقالة.
ويرى بعض المحللين أن الأوضاع الراهنة في سوريا باتت تفرض من وجهة نظر بعض المراقبين تدخلا عسكريا تركيا بمشاركة عربية ودعم لوجستي من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وإقامة منطقة عازلة لحماية اللاجئين والجنود المنشقين فوق الأراضي السورية، مما قد يؤدي لفقدان نظام «الأسد» السيطرة على قواه الأمنية.
خلاصة القول: انطلاقًا من أن دول مجلس التعاون باتت تحظى بمكانة استراتيجية دولية تمكنها من تحديد وجهة التفاعلات الإقليمية في المنطقة، ولنا في المبادرة الخليجية لحل الأزمة اليمنية خير شاهد ودليل، فإنه من وجهة نظرنا أنه من الممكن إضافة هاتين القوة والفاعلية إلى قوة وفاعلية جامعة الدول العربية باعتبارها بيت العرب في شكل من أشكال تكامل الأدوار، بحيث يبقى حل الأزمة السورية عربيا أو إسلاميا بمشاركة فاعلة لتركيا المعنية باستقرار سوريا شأنها شأن الدول العربية الأخرى، لأن التدخل الغربي وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية هدفه دومًا صالح الغرب وإسرائيل، وليس كما يدعي لاعتبارات إنسانية أو للحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة أو لتطبيق القرارات الدولية.. وإلا فأين دول الغرب على سبيل المثال من القتل والقهر والإبادة الإسرائيلية اليومية للشعب الفلسطيني وتهويد أراضيه ومصادرتها؟
فإمكاناتنا كعرب كبيرة وكثيرة سياسية واقتصادية وبشرية حتى عسكرية، ويمكنها حل مشاكلنا ومنها السورية إذا صدقت النيات وتوافرت الإرادات، بل بإمكاننا استخدام هذه الإمكانات التي العالم كله بحاجة إليها للضغط على الأمم المتحدة ومجلس الأمن وعلى المجتمع الدولي لإرغام إسرائيل على تنفيذ القرارات والاتفاقات الدولية.