الواقع السياسي
تاريخ النشر : السبت ٢٥ فبراير ٢٠١٢
عبدالله المناعي
تجمع الفاتح الأخير وتجمعات الوفاق والأحاديث الصحفية والتلفزيونية للمحسوبين على المعارضة والتسريبات التي تقدمها الوفاق إلى الصحف الأجنبية والتيارات الجديدة المبنية على أسس قديمة جميعها باتت تشير بشكل واضح إلى أن المعادلة السياسية تغيرت في البحرين. فبينما كانت الوفاق قد ضعفت بنهاية عام 2010 وأصبحت صراعاتها الداخلية، التي تحاول دائما التكتم عليها، تطفح على السطح، تغير الحال في بداية 2011 لتعود شعبيتها بشكل كبير, ولكن بشكل مؤقت في أوساط الشارع الشيعي البحريني. ولم تدم تلك الشعبية المتزايدة للوفاق طويلا فقد أخذت الأعداد المجتمعة تتناقص من حولها بالرغم من وجود عدد من الكوادر تحت السطح والتي بالإمكان الاعتماد عليها إذا ما احتاجت إلى ذلك.
وفي المقابل كانت الجمعيات السياسية «التقليدية» في الشارع السني (الأصالة والمنبر) قد خسرت كثيرا في 2010 وخسرت أكثر في 2011 بعد أن عجزت تماما عن تمثيل الشارع خلال الأزمة التي عصفت في البحرين خلال عام 2011، وأدى ذلك إلى إنشاء تيار جديد متمثل في تجمع الوحدة الوطنية ولكن شعبيته تلاشت بعد أن أصبحت قياداته - التي تمثل نطاقا واسعا من الشارع السني (من إسلاميين متشددين إلى ليبراليين وبعض الشخصيات الأخرى غير المحسوبة على الشارع السني) - غير قادرة على مواكبة الأحداث بشكل استراتيجي والتحرك بشكل سريع إزاء بعض الأمور التي لا تحتمل التأجيل فأصبح «الحكم عن طريق اللجان» - كما يسمى غير قادر - على تفعيل أي تحرك سريع.
وبعد أن تدنت شعبية تجمع الوحدة الوطنية (الذي يملك أيضا كوادر بالإمكان الاستعانة بهم في أوقات الضرورة القصوى) أخذت أكثر الحركات السياسية «المؤسلمة» خبرة زمام الأمور وأصبح تيار الإخوان المسلمين هو المحرك الأساسي للشارع السني بعد أن شكل عدد من كوادره تحرك «صحوة الفاتح» إلا أنهم لم يربطوا هذا التحرك بجمعية المنبر التي لا تزال تفتقر إلى الشعبية في الشارع.
ولذلك فإننا عدنا إلى المربع الأول وأصبحت المواجهة في الشارع البحريني السياسي بين الجمعيات السياسية «المؤسلمة» مما يضع حزب الدعوة في مواجهة الإخوان المسلمين. ولكن على الأقل أعادت هذه المواجهة موازين الأمور وبرهنت أنه لا يوجد قطب واحد يمكن أن يسيطر على الشارع, وأن الحل الوحيد هو الوصول إلى تفاهم سياسي, وبينت أن المتوجهين إلى تجمع «الصحوة» الأخير (وغالبيتهم العظمى لم يذهبوا دعما لأي تيار سياسي) أكبر بكثير من أي تجمع بإمكان الوفاق جمعه اليوم. كما تسببت إعادة التوازن هذا في خروج الكثيرين من هواة السياسة الجدد من مجال السياسة وبحثهم عن هوايات جديدة بعد أن «داخوا ودوخونا معهم» طوال العام الماضي.
أعود لأكرر ما ذكرته سابقا، فالوضع يجب استثماره وإلا ضاعت علينا الفرصة, فقد باتت البيئة السياسية والاجتماعية خصبة لإيجاد حلول طويلة الأمد للكثير من مشاكلنا. ولكن هناك محاذير من وجود قوى كل شارع متمركزة في مركز قوى واحد. ولا يمكن أن يبنى الشارع السياسي على جمعيات سياسية «مؤسلمة» تتلون وتتشكل بحسب المصالح السياسية وتصدر بياناتها السياسية مبطنة بفتاوى دينية وإلا قادنا ذلك الواقع إلى المشكلة نفسها بعد مدة لن تطول!