العنف.. والتعليم الموازي!
 تاريخ النشر : الأحد ٢٦ فبراير ٢٠١٢
بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح
إن الأزمة الأخيرة التي مرت بها مملكة البحرين في الرابع عشر من فبراير من العام الماضي كشفت لنا أموراً كثيرة كانت خافية على الكثيرين منا، وأعادت أموراً كثيرة إلى نصابها، ونبهت بعض الغافلين إلى ما يجب عليهم فعله من أجل وطنهم وشعبهم، والأجيال القادمة من أبنائهم وأحفادهم، فليس من الحكمة أن ينحصر همنا في توفير العيش الكريم للجيل الذي نعيش فيه، ثم نغفل أو نتغافل عن الأجيال القادمة التي سوف تحملنا المسؤولية وسوف يسألنا الله تعالى عنها لمَ لم نعبد لها الطريق، وإذا كان الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يخشى أن يسأله الله تعالى عن بغلة عثرت بأرض العراق، فما بالكم بالبشر الذين جعلهم الله تعالى في رعاية الحكام ومن بات غاشا لرعيته يوم القيامة فإنه لن يشم ريح الجنة؟
الأزمة الأخيرة قسمت الشعب إلى فسطاطين: فسطاط مع الوطن، وفسطاط مع أعداء الوطن، وبينت هذه الأزمة أن الولاء للوطن ليس ادعاءً، ولكنه انتماء، وأن الرجال تعرف بالمواقف، وأن ما جرى في الرابع عشر من فبراير ٢٠١١م قد محص الناس، وكشف ما كان خافياً من أخلاقهم، وما كان مستوراً في ضمائرهم، وأصبحت المواقف واضحة ولا تحتاج إلى مزيد من التوضيح والبيان.
والسؤال الذي بات يؤرق الكثيرين منا: لماذا كل هذا العنف، وما سببه ؟
لا شك أن الإجابة عن هذا السؤال تحتاج إلى شيء غير يسير من البحث والتقصي لأن معرفة أصل الداء الخطوة الصحيحة للعلاج، والتشخيص الجيد للداء هو نصف العلاج إن لم يكن معظمه ولا نقول كله.
الذين يخرجون حاملين زجاجات المولوتوف ليحرقوا بها رجال الأمن والناس هم شباب في عمر الزهور، فمن درب هؤلاء على استخدام مثل هذه الوسائل المدمرة؟
من المستحيل أن نقول أنهم تعلموها في المدارس الرسمية فلم نعلم أن ضمن المناهج الدراسية التي يدرسها الطلبة في المدارس الحكومية مقررا خاصا يعلم الطلبة كيفية استخدام الأسلحة وزجاجات المولوتوف والأسياخ والمسامير الحادة، حاولت أن أجد مقرراً واحداً في المناهج الحكومية فلم أجد، وتنبهت إلى أمر خطر جدا هو أن هناك تعليماً موازياً يتضمن مثل هذه المقررات، وهو ما يتلقاه هؤلاء الصبية في المآتم والحسينيات من شحن طائفي، وتدريب في ثكنات تشبه إلى حد كبير الثكنات العسكرية التي تنشئها الدولة لتدريب أفراد الجيش على الأعمال العسكرية، ولقد عرض التليفزيون بعض المشاهد لمثل هذه التدريبات، فنحن لا نرجم بالغيب، ولا نسأل المنجمين، بل تتكفل وسائل الإعلام الحديثة بتسجيله وتوثيقه، ويفاخر أفراد هذه المجموعات بما يقومون به من اعمال عنف يروعون بها الآمنين، ويتسببون في الاعتداء على حرياتهم، ومصادرة حقهم في الأمن والطمأنينة.
إن هذا التعليم الموازي للتعليم الرسمي، الذي هو خارج الشرعية، ولا يقره دين ولا عرف، ويكون سبباً في تمزيق الوحدة الوطنية، وإثارة النعرات الطائفية، والعصبيات البغيضة، كان وراء ذلك العنف.
لهذا، فالذين يتحدثون عن عودة اللحمة الوطنية إلى سابق عهدها، وينادون إلى بذل الجهد من أجل تجاوز الأزمة من دون أن يغيروا شيئاً مما في نفوسهم، فهم يطلبون المستحيل، ويحرثون في البحر، ولو صدقوا النيات، وأخلصوا العمل لله تعالى، لبارك الله تعالى مسعاهم، وسدد على طريق الهدى خطاهم، ولأطفأوا نيران الفتنة، وقضوا عليها في مهدها.
هناك حقائق لابد من الوقوف عندها، واستلهام العبرة منها، ومن هذه الحقائق: أن الإصلاح لا يمكن أن يتحقق في أي شكل من أشكاله عن طريق الإفساد، فقولوا لي بربكم : كيف نصلح الفساد بفساد مثله أو أشد منه، وهل من موجبات الإصلاح احتلال مجمع السلمانية الطبي وقصر خدماته الطبية على طائفة بعينها، واستخدام سيارات الإسعاف لغير الغرض الذي وجدت من أجله، ثم شحن الأدوية إلى ذلك الدوار وترك صيدلية المجمع خالية؟
وهل احتلال جامعة البحرين والاعتداء على الطلبة، وترويع أهاليهم، وسيلة من وسائل الإصلاح؟
وهل احتلال الشوارع المؤدية إلى المرفأ المالي، والمجمعات التجارية في السيف، من الإصلاح أيضاً؟
وهل الانقطاع عن العمل، ووقف عجلة الإنتاج والتنمية، من الإصلاح كذلك؟
وهل الاعتداء على العمالة الأجنبية في البحرين وترويعهم حتى يغادروا المملكة وتتوقف عجلة التنمية التي تعتمد في كثير من مفاصلها عليهم وتكون المملكة في أزمة عمالة، هل هذا هو الإصلاح كما يتصورونه، ويخططون له؟ أم هو التدمير المخطط له بعناية كبيرة، وتدبير متقن لتكون المملكة بعد ذلك أطلال مملكة، أو بقايا مملكة؟
لقد خدعوهم عندما قالوا لهم إنهم جزء من الربيع العربي وإنهم ثورة ضد الظلم كباقي الثورات، وان نهايتهم سوف تكون كنهاية تلك الثورات وكان ذلك الخطأ المميت الذي أوقعوهم فيه .
إنه عصيان وتمرد أساءا إلى قضيتهم لو صح أن لديهم قضية، نحن لا ننكر أن لديهم بعض مطالب مشروعة ولكن وسيلتهم في المطالبة بهذه المطالب ليست مشروعة، ومن الخطأ الاعتقاد أن المهم فقط أن تكون الغاية شريفة ولا عبرة بالوسائل وأن لهم الحق في استخدام أي وسيلة ممكنة حتى لو كانت غير شريفة، لا يقرها الدين والعرف ولا تجمع عليها الأمة،ذلكم هو أصل الخلاف بين طائفتين طالما عاشتا في ود وتسامح وألفة فيما بينهما حتى تدخلت عناصر لا تريد الخير لهذا الشعب المسالم، فعكرت صفو حياته،وأساءت إلى سمعته بين الشعوب.
.