الجريدة اليومية الأولى في البحرين


عالم يتغير




«درع الوطن» وشباب الفاتح: التحدي والاستجابة

تاريخ النشر : الأحد ٢٦ فبراير ٢٠١٢

فوزية رشيد



} الرسالة الأولى:
وأنا أتوجه إلى ساحة «الفاتح» كنت وسط زحام السيارات المتوجهة إلى ذات المكان، أشعر بأن ما يدفع الجميع، حتى أولئك الذين تخلفوا وقلوبهم مع الفاتح وحشده العظيم، هو هذا الإدراك الجمعي بأنهم درع هذا الوطن، والسد المنيع لحمايته من كل المخططات وحراك المتآمرين، لذلك كان القسم الجماعي برفع السبّابة إلى السماء والتعهد إلى الله بالدفاع عن البحرين وصونها، مشهدا طبيعيا لم يتردد فيه أحد، فالروح المخلصة هي ذاتها التي اندفعت قبل عام في الاحتشاد الكبير الأول في 21/2/2011م، حين دعا من دعا إليه، ففاجأهم حجم الاحتشاد، الذي وصل في ساحة الجامع ومن هم في سياراتهم عالقون في الشوارع، إلى ما بين 350 ألفا إلى 450 ألف محتشد لبوا جميعا نداء الروح، وهكذا هم ببساطة فعلوا هذه المرة أيضاً، فالداعي هو الوطن، والهدف هو إعلان الولاء له ولمليكه ونظامه الشرعي، والمحرك هو الخوف ذاته على هذا الوطن من التآمر والاختطاف، والإعلان عبر الإصرار على الاستمرار في حمايته، وسواء كان الداعي تجمع الوحدة الوطنية أو الائتلاف، أو كان الداعي «شباب صحوة الفاتح» فالجسد الوطني في النهاية واحد والروح واحدة، وهذا ما أوصلته حشود «الذكرى الأولى» في رسالتها بأنها فوق اختلافات السياسيين، وفوق اختلافات الأفكار والمواقف بين الكبار والشباب، ومع من يجسد حقيقة احتياجاتهم الوطنية والأمنية وحقيقة وجدانهم ومواقفهم وسيرددون خلفه بقوة ومن دون تلكؤ الكلمات المعبرة عن كل ذلك، فالداعي هو الوطن والتلبية في النهاية هي للوطن أيضاً والمسألة مسألة مصير ووجود.
} الرسالة الثانية:
حين التفت الحشود الضخمة ومن كان في التجمع الكبير حول الخطاب والبيان، فلأن شباب صحوة الفاتح أثلجوا الصدور، سواء بتنظيمهم للحدث، أو بوعيهم الجميل الذي صاغوا بيانهم به من خلال استفتاء الكتروني بحث عن مطالب ومواقف أهل الفاتح، وعبروا فيه عن حقيقتها وجوهرها وحيث حوى بيانهم رسائل مهمة إلى مختلف الأطراف، هي الأقرب إلى وجدان وموقف الذين احتشدوا، سواء رسالتهم إلى الدولة أو إلى أطراف التأزيم والتخريب أو إلى أهل الفاتح أنفسهم، وسواء ما يخص الموقف من أي حوار آخر، أو من السفير الأمريكي أو الدول الكبرى أو إيران، أو حول أهمية تطبيق القانون والروادع أو حول الحوار أو حول الوحدة الخليجية. شباب الفاتح بصراحة وجرأة قالوا وعبروا عن موقف المخلصين لهذا الوطن، لذلك أقسم هؤلاء معهم على حمايته بأرواحهم ودمائهم ورددوا معاً خلف الشيخ كلمات تلك الأغنية التي ما ان نسمعها إلى الآن حتى تدمع الأعين.
} الرسالة الثالثة:
في هذه المرحلة الزمنية، التي ازدادت فيها المخاطر الخارجية تغولاً على البحرين، فإن الوطن بحاجة إلى كل الجهود من دون استثناء، ومن كل الكوادر الوطنية، والعمل على أساس الجسد الواحد والقلب الواحد والروح الواحدة، وسواء كانوا شيوخاً أم شباباً، نساء أم رجالاً. البحرين بحاجة ماسة إلى الشباب الوطني بقلبه الحار، وإلى شيوخه وكهوله بحكمة عقولهم التي تدرك أن في (لحظة زمنية فاصلة) في تاريخ الوطن، قد يحتاج هذا الوطن إلى جرأة شبابه وشجاعتهم أكثر مما يحتاج ربما إلى تردد الكبار أو برودتهم. ولربما أيضاً وفي لحظة أخرى تنقلب الحاجة، وحيث الحكمة الباردة قد تطغى على الحماسة الساخنة، وهذا معاً يحتاج إلى أن يُشجع القادة الكبار الشباب اليوم على الخروج من جلباب التردد والمهادنة، وأن يتم تشجيعهم بقلب أبوي على العمل، وعلى خلع الأردية السياسية السابقة التي تجمد بعضها، ولم تعد صالحة لمستجدات هذه المرحلة وتحدياتها، وتاه بعضها عن بوصلة ما تحتاج إليه روح البحرين في هذه الفترة الحاسمة.
شبابنا الرائعون بحاجة إلى من يحتضنهم من دون وصاية، وإلى من يوجههم من دون تقزيم لجهودهم أو تقليل من شأنهم، أن يتركوا لهم المساحة الكافية لأخذ المبادرات والتقاطها وتطبيقها، بما يتناسب مع الاحتياجات ونوع المواقف التي يريدها «أهل الفاتح» أو الروح الوطنية الشعبية وإعلانها بقوة، وبناء السد المنيع في وجه الانقلابيين والمخربين.
ولعل مبادرة شباب الصحوة في استقبال «د. عبداللطيف المحمود» في المطار حين عودته الخميس الماضي، تنبئ عن معدن هؤلاء الشباب، الذين أرادوا إظهار الاحترام لكبارهم من دون بخس، والشيخ الوقور «المحمود» لا أعتقد انه سيتغيب عن تلك الروح الأصيلة التي تسلمها في التجمع الأول العام الماضي، وقد آلم الجميع عدم حضوره في الذكرى الأولى، لذلك فإن احتضانه ودعمه لشباب صحوة الفاتح ووهجهم هما المنتظران والمتوقعان، فهؤلاء الشباب حالهم حال كل المخلصين لهذا الوطن نضجوا سريعا، والذي أنضجهم في مثل هذا الزمن القياسي هو هول ما رأوا منذ العام الماضي، والانكشافات الخطرة لكل الوجوه والأيادي، التي تريد سرقة مستقبل هذا الوطن وهويته وانتمائه وأمنه واستقرار شعبه.
} الرسالة الرابعة:
نشكر فيها جلالة الملك، وقد التقط كعادته حقيقة ما يدور في وجدان شعبه المخلص، الذي يؤكد السير خلف ركب جلالته للحفاظ على هذا الوطن وحمايته.
وحين هتفت الحشود بمئات الآلاف (سر يا جلالة الملك على بركة الله، نحن من ورائك شعب يضع روحه على كفه فداء للبحرين) فإن هذا الهتاف لم يكن انفعالا أو حماسة من دون جدوى، بل هو تعهد ووعد، بما يشكل درعا حقيقية للوطن، وبما ينبئ عن استمرار الصيرورة الجديدة منذ التجمع الأول في العام الماضي، حين غيّر هؤلاء المحتشدون أنفسهم أوراق اللعبة، وغيّروا الخريطة السياسية في الداخل، بما لم يكن متوقعاً حتى منهم هم أنفسهم، ولكنهم هذه المرة عرفوا قوتهم، وعرفوا مغزى احتشادهم، وأقسموا على الاستمرار فيه كلما دعت الحاجة إلى حماية الوطن من المخططات والمشاريع والأجندات.
هؤلاء جاءوا يا جلالة الملك، هذه المرة، وقد اتضحت لهم أكثر الخيوط والأصابع التي تحركها من خلف الكواليس وأكدوا أنهم لن ينسوا أبداً، لذلك فالاستناد إلى موقفهم وعزمهم وجرأتهم، بحاجة إلى موقف وعزم وجرأة من الدولة ذاتها تجاه ذاتها، وسواء من المخربين والانقلابيين، أو من الحوار الذي لا يكافئ بنتائجه لاحقاً المسيئين إلى هذا الوطن والمتآمرين عليه، أو الموقف من السفير الأمريكي المنبوذ اليوم من كل شرفاء هذا الوطن، أو من تحقيق المطالب التي رفعها بيان الفاتح في رسالته إلى الدولة، أو من حيث تطبيق القانون والروادع، أو من حيث حماية رجال الأمن، أو من حيث الموقف السيادي للبحرين تجاه عبث اللاعبين بمصائرنا من الدول الكبرى أو الدولة الإقليمية الطائفية وأدواتها في الخليج وفي البحرين وفي المنطقة.
وفي كل ذلك نقول: إن أي حاكم يقف خلفه شعبه كما يقف شرفاء البحرين خلف ملكهم، فإنه وبقدرة الله وحفظه، لن ينكسر الوطن بهم أبداً، ومهما بلغ حجم التآمرات والمخططات، فالجبهة الداخلية هي الأهم والأهم، وهذه الجبهة تحتاج إلى تقويتها باستمرار، أما المعَوَّل على الخارج أو الانسياق خلف مشورات مهندسي المشاريع الهدامة، فهو إضعاف للوطن وللنفس وللجبهة الداخلية، التي إن تفتت كما يريد هؤلاء ويعمل هؤلاء، حينها سيكون الخطر الحقيقي الأكبر، و(سر يا جلالة الملك على بركة الله، نحن من ورائك شعب يضع روحه على كفه فداء للبحرين).