الجريدة اليومية الأولى في البحرين


مقالات


رسالة إلى أهل الفاتح من أجل المستقبل

تاريخ النشر : الأحد ٢٦ فبراير ٢٠١٢



يوم الاثنين الحادي والعشرون من شهر فبراير من عام 2011 يوم لن ينساه أهل البحرين, وكان يوما فاصلا في تاريخنا الحديث, كما كان يوما مباغتا ومفاجئا في ذات الوقت.
يوم المباغتة
كان يوما مباغتا لأولئك الذين تآمروا على البحرين من الداخل, ومباغتاً لمن عاونهم من القوى القريبة والغريبة.
يوم المفاجأة
وكان يوما مفاجئاً للنظام الحاكم الذي أهمل هذه الجموع التي تمثل المكون الأكبر من هذا الشعب, لأنه كان صامتا صابرا, وسياسة الدولة التي كانت تتبع آنذاك أنها لا تهتم بمن ليس له صوت قوي أو قوة منظمة ترهب الدولة ولو كان من المخلصين, وتظن أن تخصيص الخدمات وتقديم الأعطيات والمنح والوظائف والسكوت على الخطايا التي ترتكب في حق الوطن والمواطنين وعلى النهب لأموال الدولة سوف يذهب ما في النفوس من إحن وبغضاء.
وكان يوما مفاجئا لكل من دعا إلى صلاة العشاء الجامعة في ذالك اليوم - وأنا واحد منهم - فلم نكن نتوقع كل تلك الجموع التي زحفت إلى الفاتح.
وكان يوما مفاجئا للفئة الصامتة الصابرة المصابرة من الشعب البحريني الذي تجمع في تلك الساحة المباركة, فلم تكن تتصور أنها بهذه الكثرة, أو أنها بهذه القوة, أو أنها يمكن أن تتوحد في مثل هذا المكان.
مفاجأة ربانية
لكن كانت هذه المفاجأة والمباغتة ربانية, فلم يكن لأحد من البشر فيها فضل أو منة, بل كان الفضل لله وحده الذي صرف قلوب تلك الجموع وحركها لينقذ بها البحرين من الأشرار والماكرين والحاسدين والحاقدين, فما عرفت البحرين دعوة لم يمض عليها اثنتان وثلاثون (32) ساعة لتحتشد كل هذه الجموع مهما بذلت من جهود وترتيبات قام بها من قام, لأن العبرة ليست في الترتيبات والدعوات وإنما في القلوب التي تهفو إلى المكان, ولم تكن الدعوة تحت رعاية شخصية رسمية عالية المقام, ولقد كان اجتماع هذه القلوب في تلك الأجساد مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: «القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء».
رسائل كثيرة من المفاجأة المباغتة
رأيت من عناية الله بنا في هذا الحدث المفاجئ المباغت في ذلك اليوم المجيد رسائل كثيرة, أود أن أشير إلى ما يتعلق بخطابي هذا وهي الرسالة لأهل الفاتح جميعهم بمختلف أديانهم وانتماءاتهم.
رسالة يوم المفاجأة والمباغتة لأهل الفاتح
كان من الرسائل الكثيرة لأهل الفاتح أن لديكم قوة تستطيعون أن تدبروا بها كل من يريد الاعتداء على حقوقكم وتدافعوا بها عن وطنكم وعن مستقبلكم, ولكنكم لا تحسنون استخدامها, بل إنكم تضيعونها, وقد رأى خصومكم ومن والاهم كيف تضيعون قواكم فلم يحسبوا لكم حسابا, وهذه فرصة حفظكم الله بها, وبقي عليكم أن تتنبهوا إلى أنفسكم بعدها فليس كل مرة تسلم الجرة, وما حك جلدك مثل ظفرك, كما تعرفون من الأمثال التي تحفظونها وتتذاكرونها, وهذه المفاجأة جديرة بأن توقظكم من سباتكم وغفلتكم وتهاونكم وتتنبهوا إلى ما يدور حولكم ويخطط ضدكم, فإن عدتم إلى سابق عهدكم بعدها فلا تلوموا إلا أنفسكم.
نظرة إلى المستقبل
هذه الرسالة هي حديث عن حدث مضى بدلالاته, لكني في هذا المقام بمناسبة مرور عام على مفاجأة الفاتح ومباغتته لا أتوقف عند الماضي ولكن أنظر إلى المستقبل وعلينا أن نأخذ العبرة ونستفيد من الدروس ونخطط لما هو آت.
حديث عن المستقبل لأهل الفاتح
لقد فرحتم بما أنجز الله على أيديكم, وحق لكم أن تفرحوا, وأن تفخروا، فما انجز على أيديكم ليس بالقليل بكل المقاييس البشرية, وكنتم جنود الله الظاهرة التي سخرها للمحافظة على البحرين العزيزة.
لقد رأيتم في الوحدة بين جميع أطياف المجتمع بكل تلاوينهم الدينية والفكرية والسياسية والعرقية الحل الأمثل لصد الفتنة التي أشعلت في البحرين, والوحدة بين جميع الأطياف، هذه أصبحت في نظركم حقيقة ترجون استمرارها لمصلحة الوطن والمواطنين، ولتحقيق ذلك كان لا بد أن نهتم بأهم درس كان واجبا علينا أن نستفيد منه خلال الأزمة التي مرت بنا ونحن على بعد عام مضى منها, وهو البحث عن أسباب تفرقنا وعدم وحدة صفنا فيما مضى حتى راهن الخصوم والأعداء جميعهم على هذا التمزق والتفرق الذي طال أمده، حتى كانوا على يقين بأننا لا نجتمع, خاصة ونحن نعلم أننا مهددون بمعارك على وطننا وفي وطننا وعلينا من جهات مختلفة لكل منها أهداف خاصة, وإن كانوا يتجمعون في أهداف أخرى, ونحتاج إلى تفعيل هذا الدرس اليوم قبل غد.
نعلم علم اليقين أن ما رأيناه من نجاة في ظاهرها كانت على أيدينا لم يكن بتدبير منا ولا بتخطيط, إذ لم نحزم أمرنا من قبل, نظاما وأفراداً وجماعات, وإنما كان فضلا من الله, وله المنة وله الثناء الحسن.
العقلاء والسياسيون المحنكون والحكماء في مثل موقفنا الذي كنا فيه والحالة الفريدة التي مررنا بها يدرسون حالتهم بعد أن تهدأ العاصفة دراسة جيدة منطلقين من عدد من الأسئلة، ومنها:
كيف كانت حالتنا وسلوكنا قبل الأزمة؟
ما سبب تلك الحالة؟
هل اتعظنا وغيرنا من سلوكنا بعد الأزمة؟
ما سلبياتنا؟ وكيف نعالجها؟
ما إيجابياتنا؟ وكيف نستفيد منها؟
ما إيجابيات غيرنا؟ وكيف نستفيد منها؟
المقصود من كل هذه الأسئلة أن نصل إلى عيوبنا لنغير ما بأنفسنا كما أمرنا ربنا في قوله تعالى: «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم», وهذه الآية كررناها كثيراً خلال العام المنصرم, لكن لم نعمل بها حقا وصدقا, إذ أننا من فرحنا بما صار لنا من توفيق رباني انشغلنا بالبحث في كيفية اقتسام هذا التوفيق, ومن هو أحق به, أو من له النصيب الأوفر, ونسينا أن نحاسب أنفسنا على ما كان منا قبل أن نحاسب ونلوم غيرنا, ونسينا قول ربنا جل جلاله: «ما أصابك من حسنة فمن الله, وما أصابك من سيئة فمن نفسك», فإن الدرس والعبرة لا يتمان إلا بمعرفة وجه التقصير عندنا لنعمل على تغيير ما بأنفسنا.
أهل الفاتح لم يحاسبوا أنفسهم بعد
وددت من أهل الفاتح على وجه الخصوص أفرادا وجمعيات وجماعات أن نحاسب أنفسنا قبل أن يحاسبنا غيرنا إذ يظهر لي أننا لم نبدأ حتى الآن في هذه المحاسبة, والدليل على ذلك، أننا ما زلنا نتبع ذات الأساليب التي كنا نتبعها قبل الأزمة في العلاقات بيننا أفرادا وجماعات وجمعيات, مع أنها في نظري كانت سببا رئيسيا من أسباب ما وصلنا إليه، حتى استهان بنا خصومنا وأعداؤنا ومن يتربص بنا وبوطننا الدوائر فيما سبق.
المحاسبة تحتاج إلى دراسة وبحث
هذه المحاسبة في الحقيقة تحتاج إلى دراسة عميقة وبحث مستفيض من جميع الجهات, وأتمنى أن تقوم جهات مختلفة بهذه الدراسة, ويوم أن أرى نتيجة هذه الدراسة الواجبة وجوبا عقليا بل ودينيا, ويعترف كل منا بأخطائه وسلبياته فيغير ما بنفسه قولا وفعلا, يوم أن أراها تستريح نفسي وأرى أننا في مأمن من مكر الخصوم والأعداء وغدر الأصدقاء.
وإلى أن نتمكن من الدراسة والبحث المطلوبين وحتى لا يطول بنا الزمن ومن أجل مستقبلنا جميعا، أًذكر هنا بعض ما أراه علاجات لعيوبنا التي أحاطت بنا وأثرت فينا سلبا لكن الأزمة لم تغير منا، لما أرى فيها من أوليات سلبياتنا المميتة لنا جميعا ونحتاج إلى تغييرها بأسرع ما يمكن حتى لا يغدر بنا الزمن فهو كالسيف إن لم تقطعه قطعك.
1- العمل الجماعي وروح الفريق الواحد بدلا من الأنانية الفردية, فمنا من يعمل على أن يكون أكثر الكسب وأحسنه له أو لجماعته أو لجمعيته، بل يود لو أنه انفرد به, مع أن الخير في هذه الدنيا كثير وعميم, لكنه الطبع الذميم الذي لا يرى رحمات الله التي لا تعد ولا تحصى ولا تستقصى.
2- تأييد وتقوية نجاحات بعضنا بعضا, في مقابل ما نراه من أن النجاح الذي يحرزه بعض منا إذا لم يكن من جماعتنا ننظر إليه بعين السخط, ونعمل على إفشال نجاحاته ولو كان عاملا معنا في نفس الميدان ولنفس الهدف.
3- الاجتماع على القيادات, فحب الزعامة والرئاسة أفسد علينا الكثير من الفرص، فإذا تقدم أحدنا نرى منا من يعمل على التقليل من شأنه ولا يتعاون معه حتى ولو كان عمله يستفيد منه الجميع, فالمبدأ الذي يعمل به : إن لم تكن الزعامة والرئاسة فينا فلا يستقر لنا قرار إلا إذا نزعناها من غيرنا ولو كان منا, متأسين بقول الشاعر المتغطرس: (لنا الصدر دون العالمين أو القبر).
4- النقد البناء, فالنقد نوعان؛ هدام وبناء, النقد الهدام يبحث عن عيوب الآخرين لتثبيط الهمم وهدم الأفكار. والنقد البناء يبحث عن العيوب في الأفكار ليعالجها ويقلل من سلبياتها. وإذا أردت أن ترى مقياسا لذلك فانظر ماذا يدور في المجالس الكثيرة التي يجتمع فيها الأفراد وانظر كم يدور فيها من نقد بناء أو نقد هدام.
5- إسناد الأمر إلى أهله, فظاهرة التعالم على أصحاب الاختصاص تنتشر فينا, ونرى منا من يفتي في كل شيء في كل مجلس وفي كل مجال متباهيا بنفسه حبا للظهور والتعالي على الحاضرين معه أو لتقليل شأن غيره.
6- الدفع بالمتميزين إلى الأمام ومعاونتهم على التقدم, وذلك في مقابلة ظاهرة تحطيمهم بكتمان إيجابياتهم وإشاعة سلبياتهم التي لا يخلو منها أحد منا, وذلك شأن من ينظر بعين السخط, فعين السخط تبدي المساوئ فقط, وعين الرضا تبدي المحاسن فقط, ونحن بحاجة إلى من يدلنا على عيوبنا لنتجاوزها ولا يكتم محاسننا ليهدم البناء.
هذه بعض عيوبنا التي أرى أنها من أسباب تفككنا وعدم توحد صفنا الذي ندعو إليه, لكن لا نعرف كيف نحققه, وصدق الشاعر إذ يقول:
نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا
راجيا أن يكون في هذا تبصرة لبناء الوحدة المنشودة في صفوفنا.
وأجيب على من سيسألني هل هذا وقت نقد النفس, فأقول له لقد علمتني الحياة أن مواجهة المشكلة خير من تأجيلها أو تناسيها, ولا تؤجل عمل اليوم إلى الغد, وإصلاح شأننا لا يحتمل التأخير فخصومنا وأعداؤنا ما فتئوا يعملون ويعملون, لذا كان لا بد من هذه المواجهة حتى لا نغتر بقدراتنا وأعمالنا وما هو متاح لنا فالحق أحق أن يتبع.
اللهم اهدنا فيمن هديت, وعافنا فيمن عافيت, وتولنا فيمن توليت, وبارك لنا فيما أعطيت, وقنا واصرف عنا برحمتك شر ما قضيت.
اللهم إننا نعوذ بك ممن إذا رأى حسنة أخفاها وإذا رأى سيئة أذاعها وأشاعها.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
تجمع الوحدة الوطنية