قضايا و آراء
إسرائيل والإصرار على المضي في الخيار العسكري تجاه طهران
تاريخ النشر : الأحد ٢٦ فبراير ٢٠١٢
تتباين وجهات النظر بين إسرائيل والدوائر الأمريكية والغربية بشأن الخيار الأنسب للتعاطي مع مشروع إيران النووي، إذ تُشير التصريحات الأخيرة لمجمل اللقاءات بين الرئيس الأمريكي اوباما ورئيس حكومة إسرائيل نتنياهو إلى أن الأخير لم يُعط نظيره أي تأكيد بعدم إقدام إسرائيل على عمل عسكري ضد طهران، بل شدد على أن ذلك خيار إسرائيلي لن تستأذن فيه إسرائيل من أي طرف، لكنه أشار إلى أن واشنطن سوف تُبلغ بمثل ذلك الخيار قبل اثني عشرة ساعة من حصوله فقط، وبهذا الخصوص يُشاع أن الحكومة الإسرائيلية في الأشهر الماضية قد شكلت لجانا استخباراتية متخصصة للبحث في الإجابة عن ثلاثة أسئلة جوهرية معنية بخيار استخدام القوة العسكرية ضد المشروع النووي الإيراني إذ يُحتم التنبؤ بعواقب ردود الأفعال على إسرائيل الإجابة عن عدة أسئلة قبل الإقدام على الخيار العسكري ومن تلك الأسئلة أولا تحديد درجة فاعلية الخيار العسكري ومدى نجاحه في تحقيق الهدف المحدد له بشكل جذري، ثانيا تحديد مدى وحجم قدرة الردع الإيراني وقياس مدى قدرته على إلحاق أضرار بالعمق الإسرائيلي وبالكيان برمته، ثالثا تحديد أعلى درجات الحسم التي قد تذهب له إسرائيل في حال خروج الوضع عن السيطرة وأخذه منحى الاستنزاف الطويل الأمد، ثم يأتي السؤال الذي يراه الكيان الصهيوني أكثر إلحاحاً في هذه المرحلة الزمنية الراهنة وهو تحديد حجم الفترة الزمنية المتبقية أمام نجاح الخيار العسكري ليتمكن من تحقيق أهدافه.
قد تحدد الإجابة عن السؤال الأخير مرحلة من اخطر مراحل الصراع في الشرق الأوسط مع إسرائيل فقد ذهبت التقارير الموجهة للحكومة بشأن الفترة الزمنية المتاحة إلى ما مفاده أن الوقت ينفد أمام فرص استخدام إسرائيل أي خيار عسكري ذي جدوى وفاعلية لإجهاض مشروع طهران، وقد حصرت الوقت المتبقي أمام العسكر إلى بداية دخول الصيف القادم وذلك استناداً لمعلوماتها التي تفيد بشروع إيران في نقل كمية من اليورانيوم المخصب إلى مفاعلات أنشئت خصيصاً تحت أعماق الأرض تتيح لطهران تفادي أي هجمة عسكرية بالقذائف الموجهة ضد التحصينات، وهي الخطوة التي فسرها الإسرائيليون على أنها خيار إيراني لحماية انجازات إيران النووية مما يؤهلها في اقرب فرصة لامتلاك سلاح عسكري ذري رادع يكون من الصعب الوصول إليه وتدميره وهو السلاح الذي ترفض إسرائيل تحقق امتلاكه لأي دولة من دول المنطقة سواها.
إن شواهد التاريخ الإسرائيلي مرصودة في هذا الجانب، ومازلت أتذكر بعض المحادثات التي جرت بيننا وبين بعض النخب العربية المُهاجرة على هامش بعض المؤتمرات حول مدى جدية إسرائيل ومَن وراءها من الدوائر الأمريكية في استخدام الخيار العسكري ضد برنامج طهران النووي، ومع مراجعة التاريخ الإسرائيلي بهذا الخصوص نجد أن إسرائيل قد تتحمل أي تهديدات اعتيادية مباشرة إلا أنها لا تحتمل كسر خيار التفرد بالتسلح النووي لغيرها في المنطقة فقد أجهضت محاولات مصر بخصوص تطوير معاهدها العسكرية للتسلح عبر الاختراق السياسي، ثم أقدمت بشكل عسكري مباشر على ضرب محاولات العراق لامتلاك خيار نووي (مفاعل 17 تموز العراقي) وهذه مؤشرات تؤكد أن إسرائيل تعتبر قيام أي مشروع نووي تهديداً مباشراً لها وإيذاناً بكسر حاجز تفوقها العسكري والسياسي في المنطقة.
قد يكون صحيحا أن أي مشروع نووي عربي لو قدر له القيام سيكون اشد وطأة على إسرائيل من أي مشروع آخر في المنطقة من خارج الدائرة العربية خصوصاً تحت ظل النظم العربية العسكرية الراديكالية التي نجحت إسرائيل والغرب في التخلص منها في الحقبة الأخيرة، وهو ما يجعل البعض يذهب بالتقدير إلى أن إسرائيل ستحتمل وجود المشروع النووي الإيراني وستتكيف معه، إلا أننا شخصيا لا نتفق مع مثل هذا الرأي بل نرى انه في كل الأحوال ان إسرائيل لا تستطيع رؤية أي مشروع نووي يسحب من تحتها بساط التفرد بهذا الخيار في المنطقة سواء من داخل الدائرة العربية أم من خارجها كإيران أو تركيا مثلاً إذ ان هذا التفرد تعده إسرائيل خيارا استراتيجيا ملزم لبقائها.
إن إسرائيل تسعى بكل ما أوتيت من قوة ونفوذ في دوائر صنع القرار الغربية والأمريكية إلى ملاحقة إيران وتضييق الحصار عليها لذلك هي تلوّح باستخدام الخيار العسكري في هذه المرحلة كبديل حاسم، وهنا يذهب البعض إلى أن ذلك مجرد تهويش يُقصد منه حمل الدول الغربية وأمريكا على رفع وتيرة الضغط الاقتصادي تجاه طهران وهي تحاول ابراز ذلك كخيار مرحلي ملزم قد يثنيها عن الإقدام على عمل عسكري ان رأت فيه ما هو مقنع، إلا أن تلك الرؤية لا تتساوى في درجاتها مع ما تُعد له المنطقة من مؤشرات عسكرية تبدو كدلائل تمهيدية لعمل عسكري قادم، فمثلاً إنزال بعض كتائب من الجنود الأمريكان في إسرائيل تحت غطاء المناورات العسكرية المعلن تأجيلها مؤخراً، وكذلك تفعيل الدرع الصاروخية المُسماة القبة الحديدية في تل أبيب ثم رفع وتيرة تسخين المنطقة بزيادة عزلة إيران اقتصاديا وبشكل لم يسبق له مثيل، كل تلك مؤشرات تدل على أن إسرائيل وحلفاءها الغربيين يعدون العدة لإشعال فتيل الحرب رغم صعوبة التنبؤ بساعة الصفر فيها.
إن أي حرب ستندلع في المنطقة بين إسرائيل وأي طرف آخر من المؤكد أن المشاعر العربية والإسلامية ستتجه بالتعاطف نحو القطر الأصيل فيها وان بدت مشاعر بعض الجماهير في المنطقة متراجعة تجاه طهران بسبب موقفها من الاحداث في سوريا وذلك لأن الذاكرة العربية والإسلامية لم تنس جرائم إسرائيل تجاه الأمة، كما أن الأمة تدرك أن أي مشروع مُمانع لسياسات إيران تجاه المنطقة العربية لن يكون ذا جدوى ما لم يكن وليدا من رحم إطار عربي وحدوي متوازن وشامل للسياسات العربية تجاه جوارها كافة من غير العرب أما من يتوهمون ان إقدام إسرائيل على عمل عسكري ضد طهران سيحل إشكالية الجوار معها وسيفكك الغموض الحاصل في المنطقة فهم مخطئون، فإذا أقدمت إسرائيل على جر المنطقة لحرب لن تكون محسوبة العواقب فان الشرق الأوسط سوف يشتعل وستكون منظومة التكوين القطري الأمني والسياسي للبلدان عرضة للتفكك، ولو قدّر لإسرائيل والامبريالية بالانتصار فإنهما ستمضيان في تفعيل مشروعهما التوسعي بأعلى درجات وتيرته تجاه العرب.
ان الأمر المرصود حتى اللحظة أن الدول الغربية وأمريكا لا تُرحب بأي عمل عسكري إسرائيلي تجاه طهران خصوصاً في ظل أوضاعهم الاقتصادية المُنهكة لكنهم لن يستطيعوا الوقوف عن مناصرة إسرائيل بالدخول كطرف مباشر في أي حرب قادمة معها، فهي اليوم تحاول التأكيد لحلفائها أن عامل التباطؤ وإهدار الوقت سيحرق ورقة الخيار العسكري الناجح تجاه المشروع الإيراني، وعليه فان ذلك الخيار سوف يكون عديم الجدوى إذا تم تأخيره لما بعد الصيف القادم، وهي القناعة التي تفسر التحرك المحموم للدوائر الإسرائيلية لتبني العمل العسكري ضد طهران في الأشهر القادمة، ونحن رغم رفضنا الشديد سياسات طهران تجاه جوارها العربي في المنطقة فإن أي عمل عسكري موجه ضد طهران هو مرفوض جملة وتفصيلا، فإيران وكما تقدم هي جزء من نسيج المنطقة أما إسرائيل فهي كيان غُرس بقوة السلاح والتلاعب السياسي بالرغم من رفض كل شعوب المنطقة لقيامه.
أما عن إمكانية الحسم في هذه المواجهة فأولاً يجب قراءة المشهد السياسي والعسكري الدولي والإقليمي بدقة متناهية إذ ان هذه المواجهة ستعكس حالة تم الاستعداد لها من قبل الطرفين منذ عدة سنين وان الطرفين يريان فيها لحظة الحسم والانكفاء بالنسبة إلى المهزوم وبالتالي فان جذوتها ستكون مدمرة بشكل سيخرج عن السيطرة، كما يجب قراءة المشهد الدولي الحالي بشيء من الرصانة والتوقف فروسيا والصين اللتان تجنبتا الاعتراض على التوجهات الأمريكية المعلنة بسيادة العالم بعد سقوط الاتحاد السوفيتي مباشرةً في المرحلة السابقة هما اليوم أكثر تحفّزا وتوثبا لتخطي دورهما السابق ولذلك فهما تدفعان نحو فرض أنفسهما كمؤثر في صياغة وتشكيل أوضاع منطقة الشرق الأوسط تحديداً، وفي تقديرنا أنهما ما عادتا تقبلان بشراكة الند الغربي والأمريكي لهما في المرحلة القادمة في حال توافر الفرص لذلك، وما الفيتوان الأخيران في الملف السوري إلا دليل على ذلك التوجه، ومن ذلك فان فُرص إدارة مصالحهما وتوسعهما في العالم ستفرض عليهما أن تكونا داعمتين لأي خيار يضعف التوجهات الأمريكية والأوروبية في المنطقة وبالتالي فإنهما لن تتوانيا لحظة عن دعم أي تكتل من داخل المنطقة سيكون محارباً للهيمنة الأمريكية والتفرد بها، وهو الأمر الذي يُقرأ في بعض نواحي محصّلته بأن المحارب من داخل المنطقة سيكون محارباً إلى حد ما بالنيابة عن توجهاتهما وتطلعاتهما إلى الوجود فيها ومن ثم فان الوضع بالنسبة إليهما سيأخذ منحى الدفع بولادة واقع جديد من التوازنات يفضي إلى حضورهما بشكل مباشر من دون وساطة وشفاعة غربيتين او أمريكيتين.
وعليه فان الحكم والرهان على شراء الخيار الصيني والروسي عند ساعة الحسم هو في تقديرنا لن يحصل لأن ذلك النهج من سياستهما السابقة ونظرتهما للمنطقة قد تجاوزته المتغيرات العالمية وبالتالي فان مؤشرات المرحلة المستقبلية تُسيل لعابهما نحو الدفع غير المباشر إلى كسر الهيمنة الغربية التي امتدت إلى حقبة ليست قصيرة من الزمن على المنطقة.