نشرة الأخبار.. ومَن يغسل العار؟!
تاريخ النشر : الاثنين ٢٧ يناير ٢٠١٢
إبراهيم الشيخ
بدأ المذيع نشرته المعتادة بإلقاء التحية على المشاهدين، بعدها بدأ بسرد نشرته اليوميّة المكررة عن سوريا؟!
«قالت لجان التنسيق المحلية في سوريا إن عدد الذين سقطوا برصاص الجيش السوري بلغ حتى عصر اليوم 58 قتيلا، 17 منهم في حمص وثمانية في حماة ومعرة النعمان ودرعا و....».
بعد بداية النشرة بدقيقتين تقريبا، يخرج شريط «خبر عاجل»، حيث ينقل الشريط سقوط عشرات الضحايا في حمص بسبب القصف الوحشي للمنازل؟!
بعد أن أنهى المذيع الخبر الأوّل عن عدد شهداء سوريا، انتقل إلى الخبر الثاني: «أكّد شهود عيان وقوع عدة انفجارات وإطلاق نار في حماة أبرزها من الجهة الجنوبية الغربية من قبل حواجز الأمن والجيش السوري المنتشر في المدينة، كما أكد شهود آخرون قيام الشبيحة وسيارات الأمن بمحاصرة حي بستان الصيداوي في اللاذقية ومنعوا الأهالي من الدخول والخروج منها»!
صمت المذيع برهة لأنه يريد الانتقال إلى الخبر الثالث: «كما اقتحم عناصر الأمن والشبيحة حي القدم بدمشق، وداهموا المزارع وبعض المنازل في الحي، كما أشارت المصادر إلى إطلاق نار كثيف على المنازل لإرهاب الأهالي هناك».
كل هذا ونشرة الأخبار الحقيقية لم تبدأ بعد، حيث بدأ المذيع بعد نصف ساعة من بداية النشرة بقراءة أخبار بابا عمرو، حيث بدأت صور المنازل المهدّمة على رؤوس أصحابها، وصور الجثث الملقية على الأرض بالظهور على الشاشة تدريجيا.
تركت التلفاز لأنهي بعض الأعمال، عدت إليه بعد نصف ساعة، ومازال المذيع يتحدث عن بابا عمرو وحمص؟!
مرّة أخرى وإذا بشريط الأخبار يظهر بخبر عاجل، فأمريكا والدول الأوروبية انتفضوا بسبب مقتل الصحفيين الغربيين تحت القصف؟!
لم يتلاش ذلك الخبر إلاّ بخبر جديد، يؤكد نجاح الاستفتاء على الدستور السوري الجديد، ليخرج الأسد من عرينه يهنئ المواطنين السوريين الذين قضوا نحبهم تحت بيوتهم التي سقطت على رؤوسهم بنجاح الاستفتاء الجديد؟!
روسيا والصين وبعض دول أمريكا الجنوبية هنأوا سوريا والأسد على خطواته الإصلاحية، وكذلك فعلت الدول العربية التي مازالت تفكر في تشكيل لجنة جديدة لتقصي الحقائق؟!
أمام تلك المشاهد، وتلك الأخبار وصلتني رسالة على الهاتف، فتحتها وإذا بأب ينتحب سقوط ثلاثة من أبنائه في قصف جديد على حي بابا عمرو. رسالة أخرى أيضاً لأمّ تبكي وتصرخ: إذا لم تستطيعوا ياعرب أن تنقذونا من الاغتصاب والقتل، فقط أرسلوا إلينا حبوب منع الحمل، فشبيحة الأسد انتهكوا أعراضنا وأعراض بناتنا ودنّسوا أرحامنا ؟!
نزلت دمعة صغيرة على الخد مسحتها بظهر يدي، وعدت لمشاهدة التلفزيون، حيث انتهت النشرة ولم ينته المذيع من سرد المذابح في سوريا، لذلك اكتفت القناة بتغيير أعداد القتلى في الشريط الإخباري؟!
برودكاست: للمرحوم الدكتور غازي القصيبي قصيدة رائعة عن سراييفو، مازلت أتذكرها وأنا أسمع الأخبار عن سوريا، يقول فيها:
أما والله لو كنتم يهودا.. سال دم الصرب في الوديان
أما والله لو كنتم نصارى.. جاءكم بالنصر أسطول من الرّهبان..
ولكن.. هكذا الدنيا.. قديما سرّنا زمن.. وها قد ساءت الأزمان
آخر السطر: عذراً يا أهل الشام، فليس لدينا ما نقوله سوى البكاء والاعتذار. عذرا: أما زال في أمتنا رجال؟!