جاسوس «غير حكومي»..!
تاريخ النشر : الاثنين ٢٧ يناير ٢٠١٢
محمد مبارك جمعة
المؤسسات «غير الحكومية»، باتت هي وسيلة التدخل الأجنبي الغربي في شئون دول الشرق الأوسط وغيرها من الدول. رأينا ذلك في مصر، والأزمة القائمة حالياٌّ بين الولايات المتحدة الأمريكية والمجلس العسكري المصري اساسها أن الأخير اكتشف كم أنفقت أمريكا على مؤسسات «حقوقية» داخل مصر من أجل إحداث الفوضى واحتواء نتائج الثورة وتوجيهها في اتجاه معين. في الهند كشف المراقبون قبل يومين أن أمريكا تمول مؤسسات «غير حكومية» كي تشكل ضغطاً من خلال المظاهرات الشبابية في الهند لكبح جماح السياسة النووية الهندية. وربما البحرين هي أكثر دولة تستطيع أن تتحدث في هذا الموضوع من منطلق معاناتها منذ عقد من الزمن مع مؤسسات، منها ما عمل على أرض البحرين ومنها ما عمل من خارج البحرين بأموال أجنبية. مؤخراً جاءت تصريحات المشير الشيخ خليفة بن أحمد لتكشف عن معلومات بوجود أكثر من 20 مؤسسة تعمل ضد البحرين، وأن البحرين حينما واجهت الدول التي تعمل هذه المؤسسات على أراضيها، قاموا بالتنصل من ذلك بحجة أنها مؤسسات «غير حكومية» وأنهم لا يتحكمون في عمل هذه المؤسسات ولا تربطهم بالسياسات الرسمية أي علاقة.
إذن المسألة باتت واضحة، فحجة المؤسسات «غير الحكومية» هي أفضل مخرج وعذر للتدخل في شئون الدول بشكل سهل، ومن ثم التنصل من العلاقة بهذه المؤسسات بشكل سهل أيضاً. لا يستطيع أحد أن يلوم مصر بعد أن تبين لها بالدليل القاطع حجم الأموال التي تلقتها منظمات يديرها حقوقيون ونشطاء فقط من أجل مشاغبة الدولة وإحداث سلسلة من القلاقل فيها تحت غطاءات حقوق الإنسان، ولا يستطيع أحد أن يلوم الهند إذا ما قررت محاسبة المؤسسات «غير الحكومية» التي تتلقى تمويلاً خارجياٌّ كي تعرقل سياسة الدولة، ونحن أيضاً في البحرين لا يستطيع أحد أن يلومنا حينما تعلن الدولة أنها رصدت على أراضيها «نشطاء» دخلوا البلاد بعد أن لفقوا أسباب زيارتهم وحصلوا على تأشيرات سياحية، ثم فجأة ظهروا وهم يشاركون في العاصمة وسط احتجاجات لجماعات معارضة ويكتبون تقارير إعلامية ويلتقطون صوراً..! وبالطبع فإن البحرين حينما تخاطب الدول التي جاء منها هؤلاء النشطاء فإن التنصل منهم يصبح سهلاً وسريعاً، فهم أعضاء في مؤسسات «غير حكومية».
في السابق كان يحكم على الجاسوس بالإعدام، والسبب هو أنه بمجرد القبض عليه تتنصل دولته منه وتقر بأنها لا تعلم بطبيعة نشاطاته، وكانت مسألة التجسس تسبب حساسيات بالغة بين الدول، وقد تتطور هذه الحساسيات إلى قطع للعلاقات أو إلى حد استفزازت عسكرية، أما اليوم فإدخال الجواسيس إلى البلدان لم يعد أمراً بالغ التعقيد كما كان في السابق، فالجاسوس بإمكانه أن يدخل حاملاً أوراقه ومعدات التصوير الخاصة به بعد تغيير تصنيفه من «جاسوس» إلى «ناشط حقوقي» يتبع «مؤسسة غير حكومية»..