الجريدة اليومية الأولى في البحرين



الأزمة اليونانية

تاريخ النشر : الثلاثاء ٢٨ فبراير ٢٠١٢

عبدالرحيم فقيري



بدأ الكثيرون يشككون في جدوى وجدية المساعي التي تبذلها دول الاتحاد الأوروبي، في إنقاذ الاقتصاد اليوناني المنهار، وفي نوايا دول الوحدة الأوروبية بقيادة ألمانيا، مؤكدين أن تلك المساعي لا تعدو أن تكون مجرد محاولات لإنقاذ العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) وليس الاقتصاد اليوناني.
ويبدو أن هذا الفريق من المشككين، لهم ما يبرر منطقهم هذا.
فإذا أمعنا النظر في أسباب الأزمة اليونانية، وطرق المعالجة التي اتفقت دول الاتحاد الأوروبي تقديمها لليونان، فإننا سوف نرى جليا أن ما توصل إليه الاتحاد الأوروبي من طرق للحل، لن تدفع باليونان إلا إلى المزيد من الغرق في مستنقع الديون، بينما تمكن دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، من استعادة أموالها من أصل الدين البالغ 400 مليار دولار، تضاف إليها 386 مليار أخرى، هي الحزمة المقرر تقديمها حلا للأزمة الراهنة.
ويبدو أن دول الاتحاد الأوروبي اقتنعت بما لا يدع مجالا للشك، بأنه من الأجدى والأصلح لاقتصادها، أن تجري عملية جراحية عاجلة، لاستئصال اليونان التي تمثل حالة المرض المستعصية من جسدها، قبل أن ينتشر سرطانها إلى باقي جسد المنظومة التي تضم 17 دولة.
وعلى الرغم من اتفاقنا جميعا، على أن حالة اليونان الراهنة ليست لها علاقة بالأزمة المالية العالمية، فإن الأزمة اليونانية زجت بالمصارف الأوروبية العملاقة إلى أتون مشكلات مالية عويصة، مما فاقم من أوضاعها وهي تتصارع مع تبعات الأزمة المالية العالمية، حيث شطبت بنوك أوروبية مبالغ تقدر بمليارات اليورو ناشئة كخسائر من السندات والقروض الحكومية اليونانية.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، فإنه فيما أعلن بنك كريدي أجريكول مؤخرا خسائر فصلية بقيمة 3.07 مليارات يورو (4.06 مليارات دولار) بعد شطب 220 مليون يورو من قيمة ديونه اليونانية، شطب رويال بنك أوف سكوتلند البريطاني 1.1 مليار جنيه استرليني، أي ما يساوي 79% من قيمة حيازاته من السندات اليونانية عن عام 2011، وبلغت خسائره في الربع الاخير من 2011 ملياري جنيه، مما حدا بالبنك إلى تقليص الميزانية العمومية بنحو 700 مليار جنيه من الأصول.
فأزمة الديون اليونانية، لم تنشأ فقط عن الأزمة المالية التي اجتاحت الاقتصاد العالمي عام 2008، بل إن معظمها كان نتاجا لاقتراض (سافر) للمال، مارسته حكومات متعاقبة في الدولة، شكلت في محصلتها ديونا ثقيلة، لم تستطع الإيفاء بها حينما حان موعد استحقاقها.
وببساطة لم تكن الدولة قادرة على الإيفاء بها، لأنها أنفقتها في مشاريع غير ذات جدوى على الاقتصاد اليوناني، ولأنها خصصت في مشاريع خاصة بالتسليح وإنشاء الملاعب الأولمبية وزيادة أجور العاملين بالدولة، ولم توظف فيما يمكن الناتج الإجمالي والاقتصاد من النمو، وتحقيق الربحية اللازمة لتسديد قيمة الديون المستحقة على الدولة، لمؤسسات مالية أوروبية تأتي البنوك الألمانية في مقدمتها.



عبد الرحيم فقيري