المواقع الإباحية تهدم البناء التربوي في العراق
 تاريخ النشر : الأربعاء ٢٩ فبراير ٢٠١٢
رسالة بغداد - د. حميد عبدالله:
ليست نكتة بل هي واقعة حدثت وشاعت بين اوساط سكنة حي الكرادة ببغداد، عائلة دفعت فصلا عشاريا وصل الى ٥٠ ألف دولار بسبب دردشة على النت بين ابنهم وابنة الجيران.
ئاحداث القصة دارت بين أبوظبي وبغداد، فالشابة العراقية التي لم تتجاوز العشرين من العمر تزوجت وانتقلت مع زوجها الى (أبوظبي)، أما الشاب أحمد فقد ظل متعلقا بها على خلفية علاقة عاطفية كانت تربطهما.
الشابة ظلت تدردش مع أحمد من دون علم زوجها لكن الأخير، وبحكم خبرته في الحاسوب وتقنياته، تمكن من اختراق صفحة الفيسبوك الخاصة بزوجته فاكتشف انها دخلت في دردشة حمراء مليئة بصور الغرام والاباحية مع ابن الجيران الذي ظلت متعلقة به ومتعلقا بها.
الزوج عرف اسم الشاب وعنوان سكنه، وأخذت القضية منحى أوسع وأخطر ودخلت في الاطار العشائري، وطالب الزوج بفصل من اهل الشاب العاشق، وبعد مفاوضات وجلسات اضطر والد الشاب إلى ان يدفع ٦٠ مليون دينار عراقي بما يعادل ٥٠ ألف دولار لأهل الزوج لكي لا تترتب على القضية عمليات ثأر وغسل عار وانتقام.
هذه القصة تعكس ظاهرة باتت شائعة في المجتمع العراقي هي الادمان على المواقع الجنسية في النت.
الدراسات الاجتماعية والنفسية الصادرة عن مراكز البحوث اثبتت ان الغالبية العظمى من مستخدمي النت يقضون ساعات في بيوتهم يتصفحون المواقع الجنسية بعيدا عن أعين زوجاتهم، أما الشباب فانهم أصيبوا بحالة من الادمان الخطر على تصفح المواقع الجنسية.
بعض دوائر الدولة حدد استخدام النت بمفاصل محددة وللضرورات فقط، لكن الأخطر ان المواقع الجنسية اخترقت الدوائر الأمنية، فراح صغار الضباط وكبارهم - ناهيكم عن رجال الشرطة جميعهم - يستغرقون ساعات طويلة يتصفحون المواقع الجنسية التي اصبحت اشبه بالسحر الذي يستحوذ على عقول وقلوب هؤلاء.
احد افراد الشرطة الذي فضل ان يرمز لاسمه الثلاثي بـ (ن .ع . م) قال «إن الأمر لا يقتصر علي فحسب بل ان أغلب العاملين معي وبينهم ضباط، يشتركون في هذا الإدمان، وإن كان بدرجات متفاوتة».
ويسرد «ن» حادثة كاد يفقد وظيفته بسببها عندما كان مشغولا بممارسة هوايته على شبكة الانترنت داخل مكتبه في المركز الأمني وإذا بمديره - وهو ضابط برتبة عقيد - يضبطه متلبسا «بالجرم المشهود» بما كان يقوم به، إلا انه يعود ليستدرك ويقول باعتزاز «الله ستر»، ويوضح أن صلة القرابة بينه وبين العقيد شفعت له بالحصول على توبيخ فحسب، مضيفا «ولولا ذلك لحصل ما لا تحمد عقباه».
الامر لم يقتصر على صغار الموظفين ورجال الامن بل تعداه الى موظفين بدرجات مرموقة وضباط برتب عالية.
يقول ضابط برتبة عقيد ان الادمان على المواقع الجنسية لا يتحدد بعمر ولا برتبة ولا بعنوان وظيفي، بل ان الجميع يمكن ان ينجرفوا الى هذا الادمان عازيا السبب الى ضيق مساحات المتعة والترفيه في بغداد والى حالة الجوع والعطش الجنسيين اللذين يعانيها الرجال بسبب حالة التصحر النفسي والعاطفي كما يصفها.
ويسرد ضابط الشرطة الكبير حادثة يقول إنها لا تنسى أبدا «عندما غضب ضابط أمريكي برتبة نقيب يعمل مسؤولا في مركز امني مشترك في بعقوبة من الاستخدام السيئ لشبكة الانترنت من قبل الطواقم الأمنية العراقية التي تحوي في اغلبها ضباطا برتب عالية»، مضيفا أن «الضباط العراقيين رفضوا اتهاماته وأنكروا مما دفع الضابط الأمريكي إلى كشف كل المواقع التي تم تصفحها بشكل علني، الأمر الذي تسبب بحالة من الخجل والصمت حيال ما حدث».
ويتابع الضابط فيقول «من خلال عملي في المراكز الأمنية فإن خدمة الانترنت على الرغم من أنها وسيلة رائعة للاتصال والبحث عن المعلومات فإنها تستخدم في الجزء الأكبر بالبحث عن الجنس بكل أشكاله، وهذه حقيقة يعلمها الجميع من دون استثناء».
الجهات الحكومية في العراق انتبهت لحالة الانفلات عبر التواصل الالكتروني فحاولت الجهات الرقابية ان تتحكم بعض الشيء ببعض المواقع او تحجبها لكن اصحاب مقاهي الانترنت لديهم من الخبرة ما يجعلهم قادرين على الافلات من ضوابط الرقيب وتغيير المواقع التي تستهوي الشباب، سواء ما يتعلق منها بالمتعة الجنسية، او بما هو ممنوع امنيا وفق رؤية الحكومة.
من جانبها، تشير وزارة الداخلية إلى وجود قسمين لمراقبة العاملين فيها عند دخولهم مواقع محظورة، وهما قسم الآيتية وقسم وكالة المعلومات، وبينما اعترفت بعدم وجود عقوبات بهذا الشأن للمخالفين، كشفت عن وجود دراسة لمشروع قانون في مجلس النواب يهتم بمعالجة جرائم الانترنت والحد منها.
ويقول وكيل وزارة الداخلية الأقدم عدنان الأسدي إن «هناك نوعين من أنواع المراقبة، الأول ما يسمى (الآيتية)، ومهمته منع دخول المواقع المحظورة والاباحية داخل الوزارة، وتحديد ومعرفة من يدخل إليها، اما القسم الآخر فهو وكالة المعلومات، وتعنى بمكافحة ومتابعة ما يتعلق بجرائم الانترنت وكل ما يتعلق به، فضلا عن مراقبة بعض الحوادث والقضايا الأمنية التي تحدث من أجل درء المخاطر عن البلد».
ويضيف الأسدي في حديث لـ « السومرية نيوز»، قائلا «وكالة المعلومات ترفد الوزارة بالكثير من المعلومات مثل الدخول على الأسماء والمواقع والايميلات وتبادل المعلومات وعمل مراسلات معينة تخدم الوزارة»، مبينا في الوقت ذاته قدرة هذه الوكالة على «متابعة الشخص المشتبه به، والحصول على المعلومات المطلوبة عنه، ومتابعة الرسائل التي ترده من الجهات التي يعمل معها».
نتائج المسوحات الاحصائية الخاصة بمتابعة اعداد وهوايات متصفحي الانترنت التي اعدها مركز حمورابي للدراسات اكدت ان المواقع الأكثر زيارة بالنسبة للعراقيين خلال العام الماضي هي المواقع الإباحية وذلك حسب الموقع الأمريكي المتخصص في إحصائيات الانترنت اليكسا axele.
حيث احتل موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك المركز الاول ولكن باحتساب المجاميع تأتي المواقع الاجتماعية في المرتبة الثانية بعد محركات البحث وكان )elgoog( كالعادة قد احتل المركز الاول في القائمة. وقسمت الدراسة المواقع حسب تخصصها فاحتلت مواقع التواصل الاجتماعي المرتبة الأولى بحذف محركات البحث باعتبار ان الأخيرة تزار لغيرها وليس لنفسها لذلك لا تعتبر من ضمن المواقع الالكترونية.
ولكن كانت مفاجأة التقرير باحتلال المواقع الإباحية المركز الثاني بقائمة تصل الى أكثر من عشرين موقعا يقدم لزبائنه مواد إباحية الموضوع الذي يفترض ان يخضع للدراسة والتحليل من قبل المتخصصين في الشأن الاجتماعي للوقوف على أسباب هذا الاهتمام ومعالجته.
مواقع الدردشة احتلت المرتبة الرابعة في قائمة المواقع الأكثر تصفحا عراقيا، وجاءت المواقع الكردية والمواقع الرياضية ومواقع التسوق بالمراتب الخامسة والسادسة والسابعة على التوالي.
عدد من منظمات المجتمع المدني في العاصمة بغداد والمحافظات قادت حملة وطنية، تسعى إلى تشكيل رأي عام مؤثر يضغط لإصدار قرار رسمي بحجب المواقع الإباحية من صفحات الإنترنت في العراق وتساءل احد منظمي الحملة وهو الناشط الاجتماعي سرمد الغزي:ألا تجدون أننا جميعاً كأفراد في المجتمع العراقي نتشارك في المطالب التالية: نريد انترنت آمنا لأولادنا وبناتنا.. نرغب في علاج سبب انتشار الجرائم الجنسية المختلفة التي زادت في زماننا هذا كالاغتصاب وزنى المحارم.. نتوق للمحافظة على ثقافتنا وقيمنا الراقية؟ ولكن ندعوكم إلى التفكر بهذه الأسئلة: لماذا لا يتم حجب المواقع الإباحية فى العراق؟ ما هو السر في عدم حجبها؟ ما الفائدة التي تعود على العراقيين من وجود المواقع الاباحية؟ لصالح من السكوت على وجود المواقع الاباحية على صفحات الإنترنت في العراق؟ وأخيراً... ألا تتفقون معنا في أننا أمام خطر داهم يحتاج جهد الشرفاء والمخلصين جميعاً للعمل على الضغط لحجب المواقع الإباحية بشكل كامل عن جميع أجهزة الحاسوب في بلدنا، انقاذاً لأنفسنا وأبنائنا وحفاظاً على مجتمعنا نظيفاً؟
الخطر لا ينحصر في علاقة الشاب بالحاسوب بل يتمدد وينتشر الى مساحات اوسع تشمل الكيان الاجتماعي والقيمي والأمني والتربوي،
لقد وصف تربوي عراقي مخضرم تلك المواقع بأنها ارضة تنخر البناء الذي جهدنا سنين طويلة لترسيخه واعلائه، مختتما حديثه بأن تلك المواقع ليست حرية بمعناها كحق مكتسب لبني البشر بل انها حرية مسمومة أو ارهاب يتهدد منظومة القيم الاجتماعية برمتها.
.