هوامش
فلسطين ليست بحاجة إلى قرارات جديدة
تاريخ النشر : الأربعاء ٢٩ فبراير ٢٠١٢
عبدالله الأيوبي
ليست هناك قضية على وجه المعمورة نالت حتى الآن من عدد القرارات التي أصدرتها الأمم المتحدة وتلك التي صدرت أو أجهضت في مجلس الأمن الدولي بفعل الفيتو الصهيوني المسجل باسم الولايات المتحدة الأمريكية، كتلك الأعداد من القرارات التي تخص القضية الفلسطينية والحقوق التاريخية المشروعة لشعب فلسطين منذ أن دنست جحافل المستوطنين الصهاينة أرض فلسطين أواخر القرن التاسع عشر حتى إعلان قيام الكيان الصهيوني في عام 48 من القرن الماضي، ومع ذلك لم يأخذ أي من تلك القرارات طريقه للتنفيذ العملي، ولم تجر أي تحركات جادة من جانب مختلف دول العالم لإجبار الطرف المعني بهذه القرارات (الكيان الصهيوني) على تنفيذها، بل انه كلما صدر قرار يدين لا شرعية أي من الإجراءات السالبة شرعية الحقوق الفلسطينية، ووجه هذا القرار بتحد صهيوني على الأرض.
قبل أيام استضافت العاصمة القطرية الدوحة مؤتمرا دوليا «للدفاع» عن القدس والتوجه إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بهدف «التحقيق في الإجراءات الصهيونية في المدينة المقدسة وإجبار الكيان الصهيوني على التراجع عن هذه الإجراءات»، وللتذكير فقط فإن محكمة العدل الدولية أصدرت قبل ثماني سنوات تقريبا حكما اعتبر جميع الإجراءات التي اتخذها العدو الصهيوني في القدس وباقي الأراضي الفلسطينية التي احتلت بعد عدوان الخامس من يونيو عام 67، هي إجراءات باطلة بحكم القانون الدولي، ولكن هذا الحكم الذي صدر عن أعلى هيئة قضائية دولية لم يكن مصيره أفضل حالا من مصير جميع القرارات التي أصدرتها مختلف الهيئات الدولية، بما فيها مجلس الأمن الدولي وقراره الشهير رقم 242 الذي صدر بعد عدوان الخامس من يونيو.
أكاد أجزم بأن الشعب الفلسطيني ومن خلفه الشعوب العربية، وليس أنظمة الحكم المختلفة، باتوا على قناعة شبه مطلقة، بأن الكيان الصهيوني الذي يحظى بحماية مطلقة من الدول الإمبريالية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، لن يكترث بأي قرار يصدر عن أي منظمة دولية طالما أن غطاء الحماية الأمريكية والأوروبية مضمون بالكامل، ثم أن تجارب التعاطي مع مثل هذه القرارات تفترض أن تسهم في تغيير أساليب تعاطي الحكومات العربية مع الملف الفلسطيني، وملف القدس بالدرجة الأولى، فالعدو يجاهر بأن المدينة المقدسة هي العاصمة الأبدية لدولة الاحتلال، وان إجراءات تهويدها لم تتوقف منذ احتلال قسمها الشرقي عام 67، رغم صدور العديد من القرارات التي تتحدث عن لا شرعية هذه الإجراءات.
فإن كانت هناك جدية حقيقية في التعاطي مع ملف المدينة المقدسة ومجمل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، فالمطلوب تغيير أسلوب التعاطي مع الكيان الصهيوني ومع الدول التي توفر له الحماية السياسية والقانونية في مختلف المحافل الدولية، فقرارات الأمم المتحدة لن توقف تهويد مدينة القدس، حتى لو صدر قرار بذلك عن مجلس الأمن الدولي، وهو شبه مستبعد في ظل الالتزام الأمريكي بتوفير الغطاء لأشكال الجرائم كافة التي يرتكبها الكيان الصهيوني، فإن هذا القرار لن يكون تحت الفصل السابع وبالتالي ليست له قيمة أو تأثير فعلي في أرض الواقع.
الجميع يعرف وعلى قناعة بأن الدول العربية (الأنظمة) لا يمكنها أن تعود إلى وضعية ما قبل حرب السادس من أكتوبر عام 1973، فالخيار العسكري سقط تماما من حساباتها، ولا أحد يطالبها في هذه الظروف بالعودة إلى ذلك الخيار، فالتغيرات التي حدثت على الساحة الدولية وتغير موازين القوى بالمطلق لصالح الكيان الصهيوني بعد تفكك وسقوط منظومة الدول الاشتراكية التي كانت توفر الدعم المادي والسياسي للدول العربية والشعب الفلسطيني، قد أثرا تماما في ذلك الخيار وأسهما في إسقاطه، ولكن ذلك لا يعني أن الدول العربية لا تملك أوراقا تستطيع - إن صدقت - استخدامها للعمل على ترجمة مواقفها المعلنة تجاه القدس وحقوق الفلسطينيين إلى أفعال.
فالدول العربية ليست مجبرة على تطبيع علاقاتها السياسية والاقتصادية مع الكيان الصهيوني، فهي تعرف أن الأوراق الاقتصادية تلعب دورا مؤثرا في عالم تتصاعد فيه المنافسة الاقتصادية بين العديد من الأقطاب الآخذة في البروز واحتلال مواقع مؤثرة في الخريطة الدولية، لكن الذي يحدث هو نقيض ما تصرح به الأنظمة العربية، فعلاقاتها مع الكيان الصهيوني تتطور يوما بعد يوم إلى الأحسن وصداقاتها مع الدول الداعمة لهذا الكيان «سمن على عسل»، ومن هنا فإن الحديث عن قرارات دولية جديدة بمعزل عن مواقف عربية فعلية تجاه الكيان الصهيوني، لا يعدو أن يكون لعبا في الوقت الضائع.