الجريدة اليومية الأولى في البحرين


يوميات سياسية


باسم «القيم الأمريكية»!!

تاريخ النشر : الأربعاء ٢٩ فبراير ٢٠١٢

السيد زهره



«القيم الأمريكية».. هذا التعبير لا يكاد يخلو منه خطاب او حديث لمسئول امريكي كبير. وهو حاضر دوما في الكتابات السياسية والفكرية الامريكية.
مثلا، في خطاب «حالة الاتحاد» الاخير، اعطى الرئيس الامريكي اوباما اهتماما خاصا للحديث عن «القيم الأمريكية» وضرورة استعادتها وتأكيدها وتعزيزها. الشيء نفسه بالنسبة الى المرشحين الجمهوريين الذين يتطلعون الى منافسة اوباما في انتخابات الرئاسة القادمة. كلهم تقريبا لا يكفون عن الحديث عن «القيم الامريكية» وكيف أنهم خير من يعبر عنها.. وهكذا.
في الخطاب السياسي والاعلامي والفكري الامريكي، حين يأتي الحديث عن القيم الامريكية، وخصوصا حين يتعلق الأمر بسياسات امريكا الخارجية ودورها في العالم، يكون مقصودا عادة تأكيد معان وجوانب محددة هي:
1- تأكيد ان قيما انسانية مثل الديمقراطية، والحرية، واحترام حقوق الانسان، والتسامح.. الخ، هي قيم مترسخة في امريكا ولدى الامة الامريكية، وانها تشكل عماد السياسة الامريكية.
2- ان ترسخ هذه القيم في امريكا على هذا النحو هو بالذات الذي يعطيها مكانتها الريادية الفريدة في العالم، وهي التي تؤهلها لقيادة العالم.
ولهذا، نجدهم حين يتحدثون عن «القيم الامريكية» يكون الحديث في اغلب الاحيان مقرونا بالحديث عن «الاستثناء» الامريكي، وما شابهه من تعبيرات.
3 ؟ ولهذا، فإن دور امريكا العالمي بالنسبة اليهم هو في جوهره بمثابة التزام اخلاقي عالمي يجب على امريكا الوفاء به باستمرار.
هكذا إذن يطرحون قضية «القيم الأمريكية» وعلاقتها بدور امريكا العالمي.
الامر المذهل أننا حين نتأمل كل هذا الحديث الحماسي الذي لا يتوقف أبدا عن «القيم الأمريكية»، وما تفعله امريكا في العالم، ونحاول عبثا ان نبحث ولو عن ظل لهذه «القيم»، فلا نجد.
بالطبع، لا نتحدث هنا عن قيم واخلاقيات الشعب الامريكي. الشعب الامريكي من دون شك هو شعب عظيم. وتجربته في بناء الدولة الامريكية الى ان اصبحت اكبر قوة في العالم هي تجربة تاريخية فريدة تستحق الاعجاب.
نتحدث هنا عن القيم الامريكية في السياسات الامريكية الخارجية، نظريا وعمليا، وفي تعاملها مع دول وشعوب العالم.
هذه «القيم» النبيلة في حد ذاتها، ليست غائبة فقط، بل المذهل انها هي بحد ذاتها تستخدم لتبرير اكثر السياسات همجية بمعنى الكلمة، واشنع الجرائم في حق الدول والشعوب.
طبعا، الأمثلة هنا هي بالمئات او اكثر، بحيث لا يستطيع احد ان يحصيها احصاء دقيقا.
مثلا، باسم هذه «القيم» بالذات.. باسم الديمقراطية والحرية، دمر الاحتلال الامريكي العراق بكل معنى الكلمة، وارتكب ضد شعبه اشنع جرائم الحرب والإبادة في التاريخ.
والشيء العجيب انه رغم هذا.. رغم ان العالم كله يعلم تمام العلم بشاعة كل هذه الجرائم وأبعادها بالضبط، فان القادة والمسئولين الامريكيين حتى هذه اللحظة، حين يتحدثون عن العراق، يتحدثون ومن دون ان يرف لهم جفن او يشعروا باي احساس بالذنب، كيف انهم اصحاب فضل على العراق والعراقيين، وكيف ان لهم الفضل في «تحريرهم» وفي اشاعة الديمقراطية.
وما فعلوه بالعراق فعلوه في افغانستان واماكن اخرى في العالم.
وخذ مثلا، القضية التي ناقشناها في اكثر من مقال في الفترة الماضية. قضية التدخل الامريكي السافر في الشئون الداخلية لدول مثل مصر او غيرها، والادوار التخريبية المشبوهة التي تلعبها منظماتهم ومؤسساتهم.
كما رأينا، لا يتردد المسئولون الأمريكيون في الدفاع عن هذا التدخل والتخريب. ويقولون هنا ايضا إن هذا الدور ما هو إلا «رسالة حضارية»، تحتمها «القيم الأمريكية» وما يترتب عليها من التزام بنشر الديمقراطية، وما شابه ذلك من دعاوى.
أي انه باسم «القيم الأمريكية» يتم تبرير انتهاك السيادة وإشاعة الفوضى والتخريب.
وخذ مثلا، كل هذا الحديث عن حقوق الانسان والدفاع عن الحريات للأفراد والشعوب باعتبارها قيما امريكية مترسخة.
أين هذا من الموقف الأمريكي من حقوق الشعب الفلسطيني مثلا وحرياته التي لا تتردد امريكا لحظة في محاربتها، وفي دعم ابشع صور الارهاب الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني؟
وأين هذا مثلا مما جرى للمعتقلين في جوانتنامو، ومن ممارسات التعذيب الوحشية؟
نستطيع ان نمضي هكذا ونقدم مئات الامثلة التي تؤكد كيف انه باسم هذه القيم الامريكية، يتم ارتكاب أشنع الجرائم واتباع أبشع السياسات.
هذا على مستوى المواقف والسياسات الخارجية العامة.
فماذا عن مواقف بعض القادة الامريكيين وازاء قضايا محددة؟
للحديث بقية بإذن الله.