ملاحقتهم قضائيا واجبة
تاريخ النشر : الأربعاء ٢٩ فبراير ٢٠١٢
صلاح عبيد
في تفاصيل الخبر الذي نشرته «أخبار الخليج» يوم أمس وكتبه الزميل (جمال جابر) حول نتائج التحقيق الذي أجرته اللجنة البرلمانية المختصة بتحرّي التجاوزات المالية والفنية والإدارية في مشروع إنشاء مستشفى الملك حمد الجامعي، وردت معلومات خطيرة لا يجوز السكوت عنها، إذ كشفت تحقيقات اللجنة أن تجاوزات المشروع المالية وصلت تقريبا إلى 25 مليون دينار، وأن ثلاث وزارات هي « الأشغال والصحة والمالية» تتحمل مسئولية الهدر المالي واستقدام شركة استشارية غير مؤهلة لإدارة المشروع، ليس لها علاقة لا من قريب ولا من بعيد بعمليات تنفيذ المستشفيات مما أدى إلى ارتفاع كلفة المشروع من 18 مليون دينار في البداية إلى 28 مليون دينار ثم إلى 45 مليونا حتى وصلت مع نهاية المشروع إلى 105 ملايين دينار، ما يكشف عن فساد تؤكده زيادة المبلغ المعتمد للمشروع بنسبة هائلة.
تقرير لجنة التحقيق البرلمانية أكد فشل وزارة الأشغال في إدارة مثل هذه المشاريع وزيادتها كلفته بشكل كبير، وأن الأخطاء الفنية في بداية المشروع كانت كبيرة ومنها تسرب مياه الأمطار من عوازل الأسقف بالإضافة إلى العيوب الفنية في أجهزة التكييف والكهرباء والمصاعد وغيرها نتيجة ضعف خبرة استشاري المشروع، وطالبت اللجنة في توصياتها بإحالة المسئولين في الوزارات المعنية إلى النيابة العامة في حال ثبوت التجاوزات، كما تساءلت: لماذا لا تتم الاستعانة بشركات وطنية وهي التي قامت بإدارة المشروع في شكله النهائي؟!
أقول: من المؤسف أن تقع كل هذه التجاوزات من قبل جهات رسمية يفترض أن تخضع لرقابة حكومية ونيابية صارمة في جميع ميادين عملها، وان تتم تولية المسئولية فيها للأكفاء المخلصين الأمناء، والمؤسف أكثر هو أن ينجو المتجاوزون والفاسدون الذين أهدروا المال العام وتجاوزوا الأنظمة والقوانين من دون أن تتم محاسبتهم، وهو ما سيحدث وستثبته الأيام القادمة، إذ تعودنا في البحرين على أن يتم التعتيم على مثل هذه التجاوزات ظنا من المسئولين أن محاسبة مرتكبيها هي تشويه لصورة الحكومة أو انتقاص من مكانتها، بينما الحقيقة هي أن محاسبة الفاسدين واجب وطني لمكافحة الفساد ولردع غيرهم عن انتهاج طريقهم، كما أن المال العام ملك لجميع أفراد الشعب ولا يجوز التنازل عما تم نهبه منه أو تضييعه بسوء التصرف، بل يجب شرعا وقانونا ملاحقة مرتكبي ذلك جنائيا وإلزامهم بإرجاع تلك المبالغ إلى خزينة الدولة، ورفع قضايا دولية على الجهات الأجنبية المتورطة معهم.
لقد ضرب جلالة الملك أروع الأمثلة في محاربة الأخطاء والحرص على تصحيحها، وذلك حين بادر جلالته إلى تعيين لجنة دولية مستقلة لتقصي الحقائق في أحداث فبراير الماضي، وكان جلالته أول المتقبلين نتائجها والحريصين على تنفيذ توصياتها بحذافيرها، وفي مقدمتها تقديم المتورطين في تجاوز القانون إلى العدالة حتى لو كانوا من رجال الأمن الحريصين على سلامة الوطن وأمن المواطنين، لأن الأخطاء والتجاوزات في العمل الحكومي لا يمكن القبول بها حتى لو كانت غير مقصودة أو تمت بحسن نية أو لتحقيق هدف أسمى، إذ يجب أن يكون القانون والدستور والاتفاقيات الدولية هي المرجع في كل تصرفات وقرارات المسئولين في الدولة، ومن هذا المنطلق فإن من واجب الحكومة اليوم أن تنفذ توصيات لجنة التحقيق البرلمانية وتحيل الملف بكامله إلى القضاء لمحاسبة المتورطين في التجاوزات المروّعة في مشروع المستشفى مهما علت مناصبهم، وأن تقوم بالملاحقة الدولية للشركات الأجنبية المتورطة معهم، وذلك برفع قضايا تعويض ضدها في بلادها لاستعادة ما تم نهبه أو تضييعه من المال العام، وإلا فسوف يستمر الفساد ويستشري ولن نستطيع وضع حد له أبدا.
salah_fouad@hotmail.com