الجريدة اليومية الأولى في البحرين


شرق و غرب


تساؤلات حول الحرب المحتملة ضد إيران

تاريخ النشر : الأربعاء ٢٩ فبراير ٢٠١٢



لقد بدأت الولايات المتحدة تقرع طبول الحرب من جديد ضد إيران. فبعد مرور أقل من عشر سنوات على غزو واحتلال العراق يبدو أن سلطات واشنطون قد نسيت الدروس المستفادة من تلك المغامرة الكارثية. هناك خليط مألوف من رجال السياسة وخبراء السياسة الخارجية المفرطين في «التسيس» وهم يقولون للرأي العام الأمريكي ان النظام الثيوقراطي الحاكم في طهران يسعى لامتلاك الأسلحة النووية وانه يشكل خطرا داهما يتهدد أمن الأمريكيين، رغم أن أعلى هرم سلطات الأمن القومي وأجهزة المخابرات يتحدثون عن العكس ويقولون انه لا يوجد أي دليل قاطع على نية سلطات طهران إنتاج السلاح النووي.
لقد نجح المحافظون الجدد في الماضي في رسم السياسة الخارجية الأمريكية من دون التركيز في العواقب الوخيمة وهو الأمر الذي تأكد في كارثة الغزو العسكري في العراق والحرب التي لا تنتهي في أفغانستان. أما المسئولون في إدارة الرئيس باراك أوباما فقد استطاعوا حتى الآن احتواء الصقور الذين يدفعون باتجاه المواجهة العسكرية مع إيران. لا شك أن الاعتبارات الانتخابية هي التي زادت هذه الجوانب الحساسة حدة الأمر الذي تسبب في إيجاد ما يشبه حالة من الشلل.
لقد تركز الجدل حتى في الكيفية التي يمكن بها للقوة العسكرية الأمريكية أن تحول دون نجاح نظام طهران في صنع القنبلة النووية، الدلائل تؤكد حتى الآن أن هذا السلاح النووي غير موجود في الوقت الحالي ولا هو وشيك. يعتبر الكثير من المختصين والمتابعين لتطور الأزمة بين الغرب وإيران أن وسائل الإعلام ؟ وخاصة منها الأمريكية ؟ قد ساهمت في الدفع باتجاه المواجهة العسكرية مع إيران. يبدو أن وسائل الإعلام الأمريكية لم تتعلم من تلك الآثام التي وقعت فيها في الفترة التي سبقت الغزو العسكري الغربي بقيادة إدارة جورج بوش للعراق وها هو السيناريو نفسه يكاد يتكرر اليوم. حتى لا تتكرر الكارثة التي قد تعود بعواقب وخيمة على منطقة الشرق الأوسط بل العالم يتعين التركيز في هذه الأسئلة الستة حتى يتم وضع أزمة البرنامج النووي الإيراني في سياقها الصحيح وقبل التفكير في القيام بأي عمل عسكري غير مضمون النتائج ضد نظام طهران:
1ـ لم يكن للولايات المتحدة الأمريكية أي حضور دبلوماسي في داخل الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ أكثر من ثلاثة عقود، أي منذ الثورة الخمينية التي أطاحت بنظام الشاه سنة .1979 لذلك فإن معلومات سلطات واشنطون بالشأن الداخلي الإيراني مستمدة فقط عبر القنوات الاستخباراتية. وإذا ما أخذنا في الاعتبار الجدل الكبير الذي أحاط بأداء أجهزة المخابرات الأمريكية في الحرب العراقية فلنا أن نتساءل عن الكيفية التي ستتأكد بها إدارة الرئيس باراك أوباما من الغموض الذي يحيط الآن بطبيعة البرنامج النووي الإيراني.
2ـ ما رأي الشعب الإيراني في الحرب المحتملة القادمة والعقوبات المفروضة على بلاده؟ هل هذا الأسلوب يساعد الغرب في معركة كسب العقول والقلوب في إيران؟
3ـ ما هي القوى والأطراف الإيرانية التي تقف وراء البرنامج النووي الإيراني؟ هل من بين العوامل رغبة نظام طهران في الحفاظ على بقائه من خلال امتلاك السلاح النووي الردعي في ظل إحساسه بانعدام الأمان وتزايد الأخطار الخارجية التي تهدد وجوده؟ هل الموقف الغربي العدائي والمتشدد هو الذي يؤجج رغبة نظام طهران في امتلاك السلاح النووي؟
4ـ إن الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك الآلاف من الأسلحة والرؤوس النووية فيما تضم الترسانة الاسرائيلية مائتي قنبلة بالتمام والكمال، أما الترسانة الإيرانية فهي لا تضم حتى الآن أي سلاح نووي. لقد نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في احتواء وردع إيران على مدى ثلاثة عقود، فلماذا تعتبر الدوائر الأمريكية والإسرائيلية أن سياسة الردع لم تعد تجدي نفعا مع إيران؟
5ـ إن القيادة العسكرية الأمريكية لا تعتقد أن إسرائيل تملك فعلا خيارا عسكريا فعالا عندما يتعلق الأمر بتدمير المنشآت النووية الإيرانية من طرف واحد. لقد اتهم المسئولون الإسرائيليون رئيس هيئة أركان الجيوش الأمريكية الجنرال مارتن دمسي بـ «خدمة المصالح الإيرانية» عندما صرح بأن العمل العسكري ضد الجمهورية الإسلامية لن يكون مجديا. ما الذي يخفيه هذا التباين في المواقف والآراء بين حكومة بنيامين نتنياهو والقيادة العسكرية الأمريكية بخصوص المسألة النووية الإيرانية؟
6ـ لقد أفادت إحدى اللجان المتفرعة عن الكونجرس الأمريكي أن كلفة الحرب في العراق قد تجاوزت مبلغ 800 مليار دولار، أي بمعدل 100 مليار دولار عن كل سنة احتلال. إذا ما أخذنا هذه الأرقام الهائلة في الاعتبار وفي الوقت الذي تفوق فيه معدلات البطالة نسبة 8% فكيف يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تتحمل كلفة حرب جديدة ضد إيران؟
إذا ما عدنا إلى الحروب الأخيرة التي خاضتها الولايات المتحدة الأمريكية فإننا سندرك كيف أن الشعب الأمريكي قد وثق بقدرة قادته المنتخبين وقدرتهم على حسن تقدير الأمور غير أن ذلك الرصيد من الثقة قد تبخر سريعا مع المستنقعات التي أوقعتنا فيها إدارة الرئيس السابق جورج بوش. لقد اتضح لأغلب الأمريكيين ؟ باستثناء المحافظين الجدد ؟ أن قادتهم المنتخبين لم يكونوا يملكون أي خطة في العراق باستثناء القصف وإلحاق الدمار بل إنهم لم يكونوا يعرفون الشيء الكثير عن العراق وشعبه. لا غرابة أنهم فشلوا فشلا ذريعا في تقدير الخسائر والتكلفتين البشرية والمالية. عندما أدرك الشعب الأمريكي الحقيقة المرة كان الضرر الفادح قد وقع.