يوميات سياسية
لا قيم.. ولا أخلاق
تاريخ النشر : الخميس ١ مارس ٢٠١٢
السيد زهره
تحدثت في مقال الأمس عن مسألة «القيم الأمريكية» التي لا تتوقف النخبة السياسية والفكرية في امريكا عن الحديث عنها، وكيف يعتبرون انها تعطي لأمريكا حق الريادة في العالم وقيادته. وذكرت كيف انه باسم هذه القيم يتم ارتكاب اشنع الجرائم واتباع ابشع السياسات الخارجية.
والقضية لها بعد آخر يستحق ان نتوقف عنده.
لتوضيح هذا البعد ، نشير الى انه من البديهي طالما ان النخبة السياسية والفكرية والاعلامية الامريكية تتحدث بكل هذا الحماس والاقتناع عن «القيم الأمريكية» فمن المفترض ان يكونوا هم ابتداء قدوة في هذا الصدد ، ولو في حدود مقبولة.
نعني هنا انه حين يعبر قائد او شخصية امريكية عامة سياسية او إعلامية او فكرية عن موقف إزاء تطور او حدث معين، فمن المفترض ان يكون موقفه هذا محكوم بحد معين من هذه القيم والاخلاقيات النبيلة التي يتحدثون عنها.
لكن الحادث هنا اننا نجد انفسنا باستمرار امام مواقف مذهلة حقا اذا نحن اردنا ان نخضعها لمعايير القيم والاخلاق العامة.
وللتوضيح، سنضرب بعض الأمثلة من مثل هذه المواقف التي شهدناها في الفترة القليلة الماضية.
خذ مثلا، هذا الموقف الذي عبر عنه قبل فترة نيوت جنجريتش المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة في امريكا من ان الشعب الفلسطيني ما هو الا شعب «تم اختراعه»، أي انه لا وجود اصلا لشعب اسمه الشعب الفلسطيني.
دعك مما ينطوي عليه هذا الكلام من جهل وغباء سياسي.
ودعك ايضا ان من حق جنجريتش او غيره في ان يكون له موقفه من الصراع العربي الاسرائيلي ايا كان هذا الموقف ، وحقه في ان يكون مجرد تابع ذليل للكيان الاسرائيلي. هذا شانه.
لكن لننظر لما قاله من زاوية اخرى.
هذا رجل مترشح للرئاسة، ومن الممكن نظريا ان يصبح رئيسا لأمريكا ، ومن المفترض كما ذكرت ان تحكم مواقفه حدا ادنى من القيم والأخلاقيات.
الآن .. أي قيم واخلاقيات هذه التي يتحلى بها والتي جعلته لا يتردد في انكار وجود شعب بأسره؟
أي قيم واخلاقيات هذه التي تجعله لا يرى بأسا في إبادة شعب بأسره طالما انه غير موجود اصلا في رأيه؟
طبعا ، هذا ببساطة انسان بلا قيم .. ولا اخلاق.
مثال آخر.
مؤخرا اقدمت قوات الاحتلال الأمريكي في افغانستان على ارتكاب جريمة بشعة ليس فقط في حق الافغان، وانما بحق كل المسلمين في العالم. نعني بالطبع جريمة حرق المصاحف الشريفة، وهي الجريمة التي فجرت غضبا عارما واحتجاجات واسعة في افغانستان.
ولأن الجريمة ابشع من ان يتم التماس أي عذر لها، لم يجد الرئيس الامريكي اوباما مفرا من تقديم الاعتذار عن الجريمة.
لكن ماذا حدث بعد ذلك؟
الذي حدث ان قادة ومسئولين كبار من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، شنوا هجوما عنيفا على اوباما بسبب اعتذاره، واعتبروا ان الرئيس الافغاني هو الذي يجب ان يعتذر، والافغان هم الذين يجب ان يعتذروا لأمريكا.
انظر مثلا، ماذا قال بهذا الصدد ريك سانتروم الذي يسعى للحصول على ترشيح الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة. قال: «ان اعتذار اوباما جعل الامر يبدو وكأنه يوجد شيء يجب الاعتذار عنه، بينما لم يكن هناك عمل يحتاج الى اعتذار». وقال: «اعتقد ان رد الفعل هو الذي يحتاج الى اعتذار من كرزاي والشعب الافغاني لمهاجمتهم وقتل جنودنا.. هذه هي الجريمة الحقيقية وليس ما فعله جنودنا».
لنا ان نتساءل هنا ايضا: أي قيم وأي اخلاق هذه التي يتحلى بها هؤلاء والتي تجعلهم يتعاملون بكل هذا الاستهتار مع جريمة كبرى مثل حرق المصحف الشريف؟
أي قيم وأخلاقيات التي تجعل هؤلاء يحتقرون مشاعر كل المسلمين في العالم على هذا النحو؟
طبعا .. هؤلاء بلا قيم .. ولا أخلاق.
مثال آخر:
نعرف بالطبع الجدل الدائر في امريكا حاليا حول مسألة الهجوم العسكري على ايران ، والمواقف المختلفة بهذا الخصوص.
طبعا ، من حق أي احد في امريكا ان يكون له رأي في القضية. لكن لنا نتأمل هذا الموقف.
تاكر كارلسون، معلق امريكي شهير في قناة «فوكس» التليفزيونية. انظر ماذا قال بهذا الصدد على الهواء لملايين المشاهدين.
قال: «اعتقد اننا الدولة الوحيدة التي لديها سلطة اخلاقية لأن تفعل هذا.. اعتقد ان ايران تستحق ان يتم ابادتها بالكامل. انهم متطرفون مجانين واشرار».
هذا اعلامي معروف لا يجد بأسا من الدعوة لابادة بلد وشعب باسره من الوجود، ولا يتردد في المطالبة بذلك علنا. ليس هذا فحسب، بل انه يعتبر ذلك كمهمة «اخلاقية» يجب ان تؤديها امريكا.
أي قيم واخلاقيات لدى هذا الانسان يمكن ان تدفعه لاعلان هذا الموقف الهمجي؟
طبعا .. لا قيم . ولا اخلاق.
بالطبع قد يقال ان مثل هذه الآراء المتطرفة موجودة في كل دول العالم. وهذا صحيح. لكن الفارق هنا ان هؤلاء في امريكا الذين هم بلا قيم ولا اخلاق، هم كما نرى قادة سياسيون واعلاميون كبار، وبعضهم مرشح لرئاسة البلاد.
الأمر الآخر انه في الواقع العملي، فان سياسات امريكا الخارجية وما تفعله في دول العالم، تحكمه في نهاية المطاف مثل هذه المواقف الهمجية.